المصالحة بين قطر والامارات وانعكاساتها على القضايا الإقليمية

الأحد 11 يناير 2015 02:01 ص

لم تبدأ فصول حكاية الخلافات الخليجية منذ أن سحبت 3 دول خليجية (السعودية - الإمارات - البحرين) سفراءها من الدوحة في مارس 2014 اعتراضا على ما أسموه التدخل القطري في الشؤون الداخلية لهذه الدول الثلاث وعدم تطبيق قطر لاتفاقيات خليجية وضعت للمحافظة على أمن  دول الخليج، لكنها كانت تعد واحدة من النقاط الفاصلة في تاريخ العلاقات.

وبالرغم من أن قطر نفت هذه الاتهامات وأبدت مرونة في التعامل مع الدول الثلاث ولم تقابل الخطوة الدبلوماسية بالمثل, فقد بدا واضحا أن الخطوة التصعيدية كانت ردا على السلوك القطري تجاه قضايا خارج إطار دول مجلس التعاون الخليجي وبالتحديد في قضايا الربيع العربي من تونس إلى اليمن وخاصة في مصر وليبيا.

امتد الخلاف الخليجي إلى منتصف نوفمبر 2014 حيث وضعت المصالحة الخليجية حدا أوليا له، بعد وساطات قامت بها الكويت وعمان وانتهى الأمر بتصفية الخلافات الدبلوماسية، وعودة السفراء إلى الدوحة، فيما قامت قطر بعدد من الاجراءات التي بدت في سياق الاستجابة للضغوط السعودية والاماراتية حيث خرج عدد من قادة الإخوان من الدوحة وتم إغلاق قناة الجزيرة مباشر مصر.

وقبيل التوصل إلى اتفاق المصالحة بين قطر والدول الثلاث، أشارت التقارير أن المملكة السعودية أبدت مرونة بشأن إنهاء الخلافات أكثر من أبوظبي التي قيل أنها رفضت المصالحة مع الدوحة في ذلك الوقت وطالبت بتجميدها إلى حين التزام الدوحة بتعديل مسار سياستها الخارجية.

وذكرت في ذلك الحين عدة شروط إماراتية، منها إغلاق قناة الجزيرة، وقطع العلاقة مع جماعة الإخوان المسلمين وقضايا جانبية أخرى. كما أن التلويح بإخراج قطر من مجلس التعاون تم ترديده من قبل بعض الوسائل الإعلامية المقربة للسعودية والإمارات.

ويستدل على هذا أيضا عبر تغريدات «ضاحي خلفان» على «تويتر»، والتي هاجم فيها قطر بحدة، واتهمهما بأنها «بدأت توجه عملها، الآن، نحو إشعال الفتنة في دول مجلس التعاون، بعد أن دمرت الدول العربية»، بحسب تعبيره. وبلغة تهديد واضحة، كتب أن «التاريخ لن يرحم من عبث بالتآزر العربي».

وفي هذا السياق تم تأجيل انعقاد اجتماع وزراء الخارجية لدول مجلس التعاون للتحضير لقمة دول المجلس في الدوحة, ونظمت قمة استثنائية في الرياض لرفع الحرج ومحاولة استدراك الأمور على وجه السرعة، وقد أسفرت قمة الرياض في 16 نوفمبر عن الإعلان عن طي الخلافات وعودة السفراء بموجب اتفاق تم تسميته بـ«اتفاق الرياض التكميلي».

وشهدت الدوحة في نوفمبر/تشرين الثاني الماضي زيارة ولي عهد الإمارات الشيخ «محمد بن زايد»، فيما صدرت تصريحات إيجابية  خلال ديسمبر/كانون الأول الماضي من السفير الاماراتي في الدوحة عن العلاقات الثنائية بين الدوحة وأبوظبي.

وتلقي العلاقة بين قطر والإمارات بظلالها على عدة ملفات في المنطقة ربما أبرزها الملف الليبي والمصري والذين لعب البلدين فيهما أدورا متفاوتة ومتضادة خلال الفترة السابقة من خلال دعم الأطراف المتصارعة.

تقارب مصري قطري

على صعيد انعكاس العلاقات على الأوضاع مع القاهرة فعلى حد ما قاله الصحفي المصري المقرب من السلطة «مصطفى بكري» تعليقاً على لقاء الوفد الشعبي مع ولي عهد أبوظبي «محمد بن زايد» في القاهرة فإن «بن زايد» قد قال «بأن لديه معلومات تؤكد أن قطر ستغير سياستها تجاه مصر خلال ستة أشهر من تاريخ 23 نوفمبر/تشرين الثاني، بما يحقق المصالحة الشاملة بين البلدين». وقال بأن لديه أمل كبير في الشيخ «تميم». فيما ذكرت مصادر أخرى بأن المدة تتحدد في شهرين من التاريخ المذكور.

وحول اللقاء الذي تم في الرياض والذي وافقت قطر خلاله برعاية الكويت على إتمام المصالحة فإن «محمد بن زايد» أكد على أنه تولى متابعة التنسيق مع كافة الأطراف الخليجية بما فيها قطر فيما يتعلق بالشأن المصري.

وكان الديوان الملكي السعودي قد أصدر بيانا حول لقاء الرياض ذكر فيه أن دول المجلس بما فيها قطر أكدوا وقوفهم إلى جانب مصر وتطلعهم لبدء مرحلة جديدة من التوافق وكانت هذه إحدى ارهاصات التقارب المصري القطري، وخلال هذه الفترة قامت الإمارات بطرح مبادرة لوقف الحرب الإعلامية بين البلدين من أجل إذابة الخلافات وعدم تأجيجها.

وفي 20 من ديسمبر/كانون الأول الماضي استقبل الرئيس المصري «عبد الفتاح السيسي» السفير «عبد الرحمن آل ثاني» المبعوث الخاص لأمير قطر، وهو ما تم اعتباره قفزة في مسار العلاقات وربما تمهيدا للقاء قمة مصري قطري. وهو ما تم بمتابعة حثيثة من الإمارات والسعودية.

ويشار إلى أن الأذى الأكبر الذي كان يتعرض له الانقلاب  في مصر من ناحية قطر كانت قناة الجزيرة تشكل الجزء الأكبر منه، لذا فإن  الضغط على الجزيرة لتغيير سياستها الإعلامية تجاه القضايا المتعلقة بالربيع العربي والمساحات التي كانت تخصص لإسلاميين عبرها يتم التباحث بشأنه  ضمن مراحل في اللقاءات بين الطرفين والذي كان أحد ثماره إغلاق قناة الجزيرة مباشر مصر.

منذ 16 نوفمبر/تشرين الثاني 2014 إلى يومنا هذا والعلاقات بين الإمارات وقطر تسير في منحى تقاربي، كان آخرها توجيه دعوة لأمير قطر لحضور القمة العلمية لطاقة المستقبل في أبو ظبي في 19 يناير/كانون الثاني القادم، في حين أن الرئيس المصري كان قد بدأ العام 2015 بزيارة إلى الكويت تم  الإشارة إلى أنه سيتبعها بزيارة ألى كل من البحرين والإمارات خلال الأسابيع القادمة فيما قد تكون أبوظبي محطة اللقاء بين رأسي النظام في مصر وقطر.

وفيما يدور الحديث عن قمة تمهيدية في أبوظبي كما أشار «طارق فهمي» أستاذ العلوم السياسية في جامعة القاهرة، فإن الإعلان النهائي للمصالحة ربما يكون في الرياض المشغولة حاليا بمنافسات و ترتيبات ما بعد الملك «عبد الله» الذي تدهورت حالته الصحية.

يميل كثير من المتابعين إلى استبعاد تحول استراتيجي في موقف قطر من الملف المصري، ومن الربيع العربي بصورة عامة؛ لكن الواضح ان المصالحة الخليجية - وخاصة التهدئة الواضحة بين الدوحة وأبوظبي - أثمرت هدوءا في موقف قطر من النظام المصري الحالي، حتى وإن لم يتطور هذا الهدوء إلى عودة العلاقات إلى ما نمط ما قبل الانقلاب العسكري.

حول الملف الليبي

أما على الصعيد الليبي الذي يحلق بجناحين سياسيين متنازعين  أحدهما المؤتمر الوطني العام ورئيس حكومته «عمر الحاسي» ويحظى بدعم القوى الثورية, والآخر برلمان طبرق الجديد وحكومة «عبد الله الثني» ويحظى بتأييد دولي. فمنذ أغسطس الماضي تبدو معالم التعاون الواضح بين الإمارات وحكومة طبرق وقد قام الثني بزيارة أبوظبي والقاهرة عدة مرات، في ذات الوقت الذي تم الإشارة بأصابع الاتهام إلى الإمارات في ضلوعها بتنفيذ هجمات جوية على قوات فجر ليبيا، وتقديمها مساعدات عسكرية لقوات «حفتر».

أما الدوحة فإنها قد متنت علاقاتها مع القوى الثورية بعد سقوط نظام القذافي وهي الأخرى كانت متهمة من قبل أطراف خليجية بتقديم الأموال والدعم للإسلاميين في ليبيا.

لكن التغييرات الأخيرة بعد نوفمبر الماضي والتقارب القطري الإماراتي قد ألقى بظلاله على الأوضاع في ليبيا، فمؤخراً تم الإعلان عن قيام وفد من وزراء في حكومة «عمر الحاسي» بزيارة رسمية مفاجئة تعد الأولى من نوعها إلى دبي المعقل الأقوى في دعم الطرف الليبي الآخر.

ولا يستبعد أن تكون هذه الزيارة قد تمت في إطار التنسيق مع قطر من أجل إيجاد حلول توافقية بديلة عن الصراعات الدموية القائمة. وفيما تباينت ردود الأفعال حول الزيارة وأسبابها تم الإشارة من أطراف ليبية مقربة من حكومة «الحاسي»، أن الزيارة تأتي لتوضيح الموقف الليبي الأمني و العسكري على الأرض والمساهمة في تحقيق الاستقرار وتوضيح رؤى حكومة الإنقاذ لمستقبل العلاقات بين ليبيا والدول الأخرى والتأكيد على عدم التدخل في شئون الدول الأخرى وكانت خكومة «الحاسي» قد طلبت فيما سبق توضيحات من الإمارات حول ادعاءات حفتر بتقديم الامارات دعما عسكريا له.

وفي حال تم تأكيد وقوف قطر والإمارات خلف هذا السيناريو فإن هذا قد يعني وجود رؤية توافقية حول عدة ملفات في المنطقة، ويسير إلى إمكانية استساخ التجربة في الواقع المصري من خلال فتح قنوات حوار بين النظام والإخوان، ولكن هذا السيناريو يبدو أنه يواجه عقبات كثيرة حاليا.

لا شك أن الموقف الإماراتي له أبعاد أخرى ترتبط بالضغوط الدولية الرافضة للتصعييد العسكري في ليبيا، وفشل قوات حفتر في تحقيق حسم عسكري سريع. ومن ثم تكون المصالحة القطرية الإماراتية قد فتحت بابا أمام أبوظبي كي تتخذ خيارات أخرى أكثر عملية,

المصدر | الخليج الجديد

  كلمات مفتاحية

مصر قطر الإمارات ليبيا عمر الحاسي تميم بن حمد محمد بن زايد

المصالحة الخليجية تفتح أبواب الإمارات لحكومة «الحاسي» الليبية

الإمارات تستقبل وفدا من حكومة «الحاسي» الليبية في زيارة غير متوقعة

«الزهار» ينفي وجود أي ضغوط من الدوحة على «حماس» بعد المصالحة المصرية القطرية

إسرائيل تخشى من تحول موقف مصر تجاه «حماس» بعد المصالحة مع قطر

الأمير «تميم» يستقبل الشيخ «محمد بن زايد» في زيارة ”أخوية“ لتعزيز المصالحة الخليجية

ستراتفور: قطر تسعي بحنكة لإصلاح علاقاتها الخليجية والحفاظ على تحالفاتها الاستراتيجية