«هافينجتون بوست»: كيف يمكن للولايات المتحدة أن تساعد الشرق الأوسط بالفعل؟

الخميس 4 يونيو 2015 10:06 ص

سلسلة من الأحداث الجيوسياسية والحقائق الجغرافية والاقتصادية جلبت مرة أخرى العلاقة بين المملكة العربية السعودية والولايات المتحدة إلى دائرة الضوء. من الهبوط المستمر في أسعار النفط العام الماضي حتى وفاة الملك «عبد الله» في يناير/كانون الثاني، ومن الحملة العسكرية التي تتزعمها المملكة العربية السعودية ضد المتمردين الشيعة الحوثيين في اليمن حتى تعاونها مع القوات الغربية في الحرب ضد تنظيم «الدولة الإسلامية» في العراق وسوريا، هناك الكثير من العيون تركز على العلاقة غير المستقرة، ولكنها لا تزال نشطة، بين واشنطن والرياض.

وتحت القشرة الخارجية لأحداث العلاقات العامة مثل قمة الرئيس أوباما الأخيرة مع مجلس التعاون الخليجي في كامب ديفيد، يدعو بعض المحللين إلى «البدء في انتهاج سياسة جديدة في الشرق الأوسط»، مدفوعين من قبل الولايات المتحدة والمملكة العربية السعودية. ووفقا للمعلق السعودي «جمال خاشقجي»، «كل ما كان لدينا في الماضي قد فشل».

من الناحية التاريخية

من الناحية التاريخية، عاملت الولايات المتحدة المملكة العربية السعودية، بل والمنطقة بأسرها وعلى نطاق أوسع، كما لو كانت دلو نفط ومكانا لبيع الأسلحة. وفي السنوات التي تلت 11/9، أقامت واشنطن أيضا علاقات استخباراتية مع دول في الشرق الأوسط، التي اعتبرت بمثابة حلفاء في الحرب ضد التطرف الإسلامي. ولكن في أعقاب الربيع العربي، فشل الغرب باستمرار في الاعتراف بأزمة الشرعية التي تواجهها الحكومات في الشرق الأوسط. ويمكن أن يُسفِر التعامل مع ذلك بشكل صحيح عن فرصة استثنائية للاستقرار والتجارة في المنطقة، ولكنه يتطلب قفزة في الثقة فضلا عن وضع الحساسية التاريخية في الاعتبار.

الهجوم السعودي ضد المتمردين الشيعة الحوثيين في اليمن هو  لحظة بسماركية للملك «سلمان». وكما صاغت الدولة البروسية بمهارة حرب خارجية ضد فرنسا لتوحيد الشعوب الألمانية إلى دولة متماسكة خلال القرن 19، تسعى الحكومة في الرياض لتوطيد السلطة عن طريق شن حرب ضد التهديدات الخارجية ولفت الانتباه إلى «قوة خبيثة» متمثلة في إيران.

ومع ذلك، فإن الحرب الحقيقية توجد داخل المملكة. إنها ليست ضد «الدولة الإسلامية»، أو ضد تنظيم القاعدة؛ فلقد فشلت هذه المجموعات في توفير الخدمات المدنية للشعب، وسوف تنحسر في نهاية المطاف لهذا السبب. وبدلا من ذلك، فإن التحدي الأكثر أهمية لشرعية نظام الحكم في السعودية، وعلى العائلات الحاكمة في جميع أنحاء المنطقة، هو ما تجلبه جماعات مثل جماعة الإخوان المسلمين.

في مطلع القرن العشرين عزز «ابن سعود»، مؤسس المملكة العربية السعودية الحديثة، السلطة في جميع أنحاء شبه الجزيرة العربية بمساعدة المحاربين البارعين المعروفين باسم الإخوان. وفي عام 1926، ساد «ابن سعود» مملكة الحجاز، والتي شملت مكة المكرمة والمدينة المنورة، وأصبح من ذلك الحين خادم الحرمين الشريفين. (وحتى يومنا هذا، يبقى هذا اللقب أحد الألقاب التي تطلق على حاكم المملكة).

ورغم ذلك، كان أول تحدي حاسم في العام التالي لنظام الحكم في السعودية منبثقا عن المحاربين الأقوياء الذين ساعدوا في الواقع في إنشاء الدولة. لقد أعلن الإخوان أن تفضيل «ابن سعود» للهاتف والسيارات والمذياع كان فسادا وحيلة من حيل الشيطان. وعلى الرغم من أن الرئيس الجديد للدولة نجح في وقف التمرد، إلا إنه من المهم أن نلاحظ أن انتفاضة الإخوان تم التعبير عنها بلغة الحركة ضد الحداثة.

وفي محاولتها لفرض القرن السابع على القرن الحادي والعشرين، تفعل «الدولة الإسلامية» ما تفعله اليوم محاولة تسويق ذلك على نطاق واسع. ومع ذلك؛ فإنه من دون شك نجد أن هذا الفكر الذي يعود لألف سنة ماضية فشل في تشكيل تحدي حقيقي ودائم للخدمات المدنية يمكن تقديمها للدولة أو المجتمع. ورغم كل هذا الإرهاب والقوة الغاشمة، تهمل «الدولة الإسلامية» توفير الخدمات الاجتماعية ذات المغزى لشعوب المناطق والأراضي التي تسيطر عليها. على سبيل المثال؛ بعد وقت قصير من السيطرة على الموصل، أطاحت «الدولة الإسلامية» بالبنية التحتية القائمة في المدينة. ومع ذلك؛ لا يزال التنظيم يعتمد على الحكومة الاتحادية لدفع الرواتب للأطباء والمعلمين وغيرها. ولعل هذا هو السبب الذي يجعلنا موقنين أن هزيمة التنظيم قادمة في نهاية المطاف.

وتمثل جماعة الإخوان المسلمين تحديا حقيقيا للاستقرار الداخلي في المملكة العربية السعودية وبعض الحكومات الأخرى في الشرق الأوسط. الدعم المالي المستمر من قبل دولة الإمارات العربية المتحدة والمملكة العربية السعودية لحكومة «عبد الفتاح السيسي» في مصر هو مؤشر واضح على الرغبة في إحباط نمو جماعة الاخوان المسلمين. حتى في الوقت الذي تنخفض فيه أسعار النفط للغاية (العديد من الاقتصاديين يشككون في الصحة المالية لدول مجلس التعاون الخليجي) وافقت دولة الإمارات العربية المتحدة على تمويل عاصمة إدارية جديدة تماما شرق العاصمة المصرية القاهرة.

الاستعداد للحفاظ على هذا المستوى من التمويل يخبرك بالكثير؛ إنه رمز حقيقي لدعم الانقلاب العسكري الذي أطاح بحكومة الإخوان والرئيس «محمد مرسي». بل هو التعقيد الذي تتجاهله واشنطن في مواجهة الخطر المحدق بها. وبعد كل شيء، فإنه سيكون من السهولة بالنسبة للدولة الإسلامية أن تكون خطرا واضحا وحاضرا، وأكثر اتساقا مع وجهة النظر الأمريكية المبنية على الخوف غالبا، والتي لا تعرف سوى لونين أبيض وأسود فيما يخص منطقة الشرق الأوسط.

كيف يمكن لواشنطن المساعدة؟

أعظم شيء يمكن لواشنطن أن تقوم به هو إعادة التشغيل الإقليمي لتمكين الحكومات من تقديم مجموعة واسعة من الخدمات الاجتماعية لشعوبها. ويمكنها القيام بذلك عن طريق تشجيع وتعميق القطاع الخاص وتوسيع التنويع الاقتصادي إلى ما بعد الوقود الأحفوري. وهذا ينطوي على الإلغاء التدريجي لعقلية النفط والغاز والبنادق، وإفساح المجال لدعم الشراكات التجارية في قطاعات النمو مثل الرعاية الصحية والتكنولوجيا.

وبالنسبة للبلدان الغنية بالموارد مثل المملكة العربية السعودية، فإن هذا يعني تشجيع التنويع بعيدا عن النفط والغاز، وتمكين الرياض من تحفيز النمو في القطاع الخاص. وما ذكر في هذا الصدد بشكل جوهري يعني العمل وفقا لاعتقاد راسخ بأن الازدهار التجاري لجميع الناس هو نشاط بلا حدود يمكنه أن يزهر خارج حدود الديمقراطية الغربية، وأن هذا الازدهار هو أمر حيوي للأمن الاقتصادي والاستقرار في الشرق الأوسط.

لماذا قفزة الثقة تلك؟ إنها تعني أن واشنطن يجب أن تشجع الحكومات التي لم يتم بناؤها على الطريقة الأمريكية. إنها تنطوي على الاعتراف بأن دول الشرق الأوسط تعمل على التطوير، ولكن ليس تطبيق النمط الغربي.

حكام السعودية أذكياء. قبل كل شيء، وبخلاف وصاية الحرمين الشريفين، فهم حراس خمس احتياطيات النفط التقليدية في العالم ومدراء واحدة من أهم الشركات التي تعمل بذكاء في العالم؛ أقصد بذلك شركة «أرامكو» السعودية.

الفرص المتاحة للمرأة

ولكن حكام السعودية يعرفون أيضا أن وراء ثروة الموارد الطبيعية، هناك موارد بشرية غير مستغلة. وعلى وجه الخصوص، فإن سكان البلاد من النساء المتعلمات اللاتي يزددن بشكل ملحوظ هم أحد الأصول الرئيسية. وسيتم خلق فرص عمل للنساء في المملكة العربية السعودية بشكل مطرد، حتى ولو كان بطيئا. ويمكن للولايات المتحدة أن تساعد.

نقطة واحدة مضيئة في مسألة احتمالية توظيف النساء هي من خلال مراكز الاتصال. وكما تمرر الهند الشعلة الى الفلبين كأكبر مركز اتصال في العالم، فإن خدمة العملاء في قواعد الاتصالات هي مهنة النساء في المملكة العربية السعودية، ويمكن تأديتها حتى من منازلهم. وفي دولة، بها واحدة من أعلى نسب مرض السكري في العالم، فإن هناك فرص هائلة للمرأة لتكون بمثابة ممرضات ممارسات.

ومع تعيين رئيس أرامكو «خالد الفالح» في منصب وزير الصحة، فمن المرجح أن نرى اهتماما متزايدا بخدمات الرعاية الصحية في المملكة، وتقديم فرصة تجارية واسعة للشركات الأجنبية، وتلك فائدة للناس أكثر من مبيعات الأسلحة .

من خلال تمكين حكومات الشرق الأوسط لتوسيع دعمها للخدمة المدنية، وتخفيف العبء المالي من الإنفاق العام عن طريق تشجيع النمو في القطاع الخاص، فإن الولايات المتحدة تكون قد بدأت تعمل فعليا على تخفيف المخاطر وتوسيع الفرص المتاحة في المنطقة. القدرة على توليد دخل خاص بشكل دائم وسبل عيش اقتصادية تولد الإحساس والشعور بالأمن والأمان. ومن خلال اقتلاع هذا الزخم من منافسيه الداخليين، ومساعدة الحكومات على تحريك هذه العملية، يمكن لواشنطن أن تشرع، في الواقع، في بناء استراتيجية ناجحة للمنطقة التي تدعم تحقيق الصالح العام، تتجاوز وجود بعبع تابع للدولة أو غير تابع لها، حقيقي أو وهمي أو مبالغ فيه بصورة كبيرة.

  كلمات مفتاحية

السعودية واشنطن التنويع الاقتصادي المرأة أمريكا أوباما مجلس التعاون الخليجي

«واشنطن بوست»: الصداقة القوية بين السعودية وأمريكا أصبحت «في فعل الماضي»

أمريكا تراهن على إيران .. والخليج يحاول استعادة اليمن

كيف تستخدم أمريكا الخليج وإيران للحفاظ على مصالحها؟

«ناشيونال بوست»: كيف تستطيع أمريكا طمأنة شركائها في الخليج العربي؟

«ديلي ميل»: السعودية تخطط لبناء مدينة أكبر من واشنطن لتنويع مصادر الاستثمار والاقتصاد

«واشنطن بوست»: هل تدفع هزة النفط الأخيرة السعودية إلى تنويع اقتصادها؟

أولويات الملك «سلمان»: عودة الثقة بواشنطن وتنويع الاقتصاد