سيناريوهات حرب أسعار النفط بين السعودية وروسيا

الأحد 22 مارس 2020 07:56 م

بالرغم من المخاوف المتزايدة من الانخفاضات في الطلب العالمي على النفط بسبب فيروس "كورونا"، سعت السعودية إلى إغراق السوق بمزيد من الصادرات المخفضة بعد رفض روسيا اقتراح "أوبك+" بخفض الإنتاج. وتأمل الرياض بذلك إجبار موسكو على العودة إلى طاولة المفاوضات، بالرغم أن مثل هذه المقامرة ستأتي بنتائج عكسية وسيئة.

لطالما كانت روسيا حذرة من تقليص إنتاجها النفطي خوفًا من تقليص حصتها في السوق أيضًا، وبالتالي من غير المرجح أن تستسلم بسرعة لمطالب السعودية.

وبالمقارنة مع الرياض، تمتلك موسكو أيضًا المزيد من الاحتياطيات النقدية للخروج من فترة انخفاض الأسعار. من ناحية أخرى، سيكون اقتصاد السعودية المعتمد على النفط من بين الأكثر تضررا من تخفيضات الأسعار.

الأساس المنطقي لروسيا

بعد الخلاف الأخير بين روسيا السعودية بشأن تخفيضات الإنتاج، تم إلغاء اجتماع اللجنة الفنية المشتركة لـ"أوبك +" الذي كان مقررا عقده في 18 مارس/آذار والذي قال مسؤولون روس في السابق أنهم سيحضرونه كما أزال وزير الطاقة الروسي "ألكسندر نوفاك" أي احتمال للحضور عندما قال يوم 13 مارس/آذار لوسائل الإعلام الحكومية الروسية إن موسكو لا ترى أي أساس للعودة إلى المفاوضات مع شركائها السابقين في "أوبك +".

لم تتجاوز الالتزامات الروسية بتخفيضات الإنتاج بموجب اتفاق "أوبك +" 300 ألف برميل في اليوم. وعلى النقيض من ذلك، كانت السعودية تؤدي التزاماتها منذ اتفاقية ديسمبر/كانون الأول 2016 الأولى لضبط الإنتاج.

مقارنة بالسعودية، غالبًا ما تستغرق روسيا وقتًا أطول لتنفيذ التخفيضات. ونتيجة لذلك، حافظت روسيا إلى حد كبير على حجم الإنتاج في السنوات الأخيرة، واستفادت حتى من ارتفاع الأسعار في 2017-2019، بينما لم تتحمل أي حصة مناسبة من العبء وهو ما أحبط السعودية. في الواقع ، كان الإنتاج الروسي للسوائل الهيدروكربونية في الربع الأول من عام 2020 أعلى بالفعل مما كان عليه في ديسمبر/كانون الأول 2016.

عارض نائب رئيس الوزراء الروسي "إيغور سيتشين" الذي يشغل أيضًا منصب الرئيس التنفيذي لشركة "روسنفت" المشاركة في "أوبك+" منذ البداية، لكن الرئيس "فلاديمير بوتين" لم يوافقه. ومع ذلك، كانت روسيا تعارض التنازل عن جزء أكبر من حصتها في السوق منذ أن ارتفعت أسعار عقود خام برنت الآجلة إلى ما فوق 70 دولارًا في 2018.

أدى ذلك إلى نمو الإنتاج الأمريكي بأكثر من مليوني برميل في اليوم في 2019، مما عوض الطلب على الخام الروسي. لكن الصخر الزيتي في الولايات المتحدة ليس المعروض الوحيد الحساس للسعر، فما يقرب من نصف نمو العرض يأتي الآن من خارج الولايات المتحدة أيضًا، ومعظمه من مشاريع المياه العميقة في النرويج والبرازيل وغيانا.

في منتصف عام 2019، عارض "بوتين" علنًا دفع السعودية لارتفاع الأسعار، قائلاً إنه يرى النطاق بين 60 و 65 دولارًا "مريحًا".

وفي مارس/آذار الجاري، دفعت المخاوف بشأن تباطؤ النمو الاقتصادي والتطور المبكر لوباء "كورونا" أسعار "برنت" إلى مزيد من الانخفاض إلى نطاق 50 دولارًا في أوائل مارس/آذار، وكرر المسؤولون الروس بمن فيهم "بوتين" أنهم لا يزالون مرتاحين مع هذه الأسعار. وبالتالي، لم يكن من المفاجئ أن ترفض موسكو اقتراح خفض الإنتاج الذي تقوده السعودية في اجتماع 5-6 مارس/آذار بين وزراء "أوبك+".

نظرة موسكو للسوق

يشير كل هذا إلى أن القيادة الروسية قبلت بنظرة متشائمة للسوق وتعتقد أن الأسعار تحتاج إلى قضاء بعض الوقت لتخفيف العرض عالي التكلفة لكل من الصخر الزيتي قصير المدى والمنتجات البحرية ذات الدورة الأطول.

وأوضح نائب وزير الطاقة الروسي "بافيل سوروكين" موقف الحكومة الروسية مؤخراً. وفي مقابلة مع "رويترز"، قال "سوروكين" إن روسيا تنوي السماح لقوى السوق بالتعامل مع الفائض، وتتوقع دلائل أولية على ضعف المعروض في غضون 4 إلى 6 أشهر. كما ألمح إلى دورة أطول للإمداد الخارجي، قائلاً إنه لو وافقت روسيا على الطلب السعودي لخفض كبير في "أوبك +"، لكانت ستؤدي إلى قرارات استثمارية تسهل نمو العرض المتنافس من 3 إلى 4 سنوات.

والمثير للدهشة، هو طرح وجهة النظر القائلة بأن سعر التوازن الروسي هو 45-55 دولارًا للبرميل، والذي قال إنه يجب أن يكون مريحًا للمنتجين ويسمح للطلب بالانتعاش.

في هذا الطريق، تقبل روسيا فترة من الألم المالي الكبير لتعظيم مكاسب الإيرادات على المدى الطويل. قال "أليكسي كوردن"، رئيس غرفة الحسابات في الاتحاد الروسي، إن أسعار النفط الحالية ستخفض الإيرادات الحكومية بمقدار 42 مليار دولار، وإن انهيار الأسعار وإضعاف الروبل سيزيد أرقام الفقر. وبصفتها الهيئة البرلمانية التي تشرف على الرقابة المالية، تميل توقعات الغرفة إلى أن تكون أكثر تشاؤمًا من توقعات الحكومة الروسية، ولكنها غالبًا ما تكون أكثر دقة.

وقال البنك المركزي الروسي إنه مستعد بشكل أفضل ولديه احتياطيات للتعامل مع انهيار الأسعار الآن أعلى مما كان عليه خلال انهيار 2014-2016. ومن المرجح أن يظل خام الأورال أقل من 41.62 دولار للبرميل خلال الفترة المتبقية من العام.

ومن المرجح أن تتأثر احتياطيات روسيا من العملات الأجنبية. ونتيجة لذلك، سيعاني الإنفاق الاجتماعي، وستستنفد حكومات روسيا الإقليمية احتياطياتها وستضطر إلى الاقتراض. لكن التعادل المالي العام لروسيا بالنسبة للأورال هو في حدود 45 دولارًا. وبالإضافة إلى أن صادرات الهيدروكربونات تشكل أقل من 35% من إجمالي الإيرادات الحكومية، سيضع ذلك كله روسيا في وضع أقوى من السعودية لتحمل آلام انخفاض أسعار النفط الخام.

السعودية محفوفة بالمخاطر

تمتلك السعودية أيضًا وسادة مالية للحفاظ على مواجهتها الحالية، مع احتياطيات تقارب 502 مليار دولار. ولكن مع تحقيق التعادل المالي للرياض عند أكثر من 80 دولارًا للبرميل، ستبدأ أسعار النفط المنخفضة في استنزاف تلك الاحتياطيات بسرعة أكبر بكثير من احتياطيات روسيا.

واستندت ميزانية المملكة لعام 2020 إلى عجز بنسبة 6.4%، وأسعار "خام برنت" عند 65 دولارًا للبرميل. ودفع ذلك ولي العهد السعودي الأمير "محمد بن سلمان" للسعي من أجل رفع الأسعار. وأبدى "بن سلمان" استعداده لخوض مقامرة عبر الانتقام من روسيا بخفض أسعار النفط لكن ذلك سيؤدي إلى نتائج عكسية وسيئة.

أعلنت شركة "أرامكو" المدعومة من الدولة السعودية، أنها ستخفض الأسعار في 7 مارس/آذار، ثم تعهدت بتزويد السوق بـ 12.3 مليون برميل من النفط الخام والمنتجات البترولية في اليوم. وهذا أكثر مما تستطيع المملكة إنتاجه فعليًا كل يوم استنادًا إلى البنية التحتية الحالية "لأرامكو"، بالرغم من ادعائها أن لديها قدرة 12.5 مليون برميل في اليوم. لكن هذه الخطوة وحدها كانت كافية لخفض الأسعار.

وبالمقارنة مع روسيا، تجد السعودية احتمال تعافي أسعار "خام برنت" إلى نطاق 45 إلى 55 دولارًا أمريكيًا بحلول أواخر عام 2021 أقل راحة. بالطبع، هذا النطاق ليس مثاليًا لموسكو أيضًا، ولكن موسكو أكثر تحملاً لأنها تستنزف الاحتياطيات بوتيرة أبطأ ويمكن أن تأمل في التعافي إلى نقطة موازنة ميزانيتها عام 2021. ولكن مع ارتفاع أسعار الريال السعودي، قد تتراجع العقود الآجلة لخام برنت قريبًا في نطاق 20 إلى 30 دولارًا.

إذا بقيت الأسعار عند 30 دولارًا أو أقل لمعظم هذا العام، فستضطر السعودية إلى الحد من الإنفاق الاجتماعي، بالإضافة إلى تأخير المشاريع باهظة الثمن في إطار برنامج التنويع الاقتصادي لرؤية 2030 المضطربة بالفعل.

بالنسبة للمنتجين الأصغر في أي مكان آخر، لن يؤدي هذا إلى انخفاض الأسعار إلى تخفيض الربح فحسب، بل قد لا يغطي تكاليف التشغيل الحالية، مما يجبر بعض المعروض على الانقطاع.

ومع انخفاض الطلب على النفط، سينكمش العرض في نهاية المطاف، لكن المخزون المتراكم سيظل يمنع الأسعار من الارتفاع مرة أخرى إلى 60 دولارًا.

السيناريوهات المحتملة

على الأرجح لن تتوصل "أوبك +" أبدًا إلى اتفاق لخفض الإنتاج وسيقوم السوق في نهاية المطاف بتصحيح نفسه كما تتوقع روسيا. وسيصبح سلوك السعودية ضمن هذا السيناريو أكثر أهمية.

وحتى من دون صفقة رسمية مع روسيا، يمكن للرياض أن تدفع "أوبك" أو مجموعة أصغر مع دول الخليج العربية الأخرى لإجراء تخفيض في الإنتاج، مما يعني ألمًا ماليًا أقل للجميع (وخاصة السعوديين) وعودة أسرع إلى التوازن.

يمكن إجراء مثل هذا التخفيض بشكل غير رسمي لتجنب الظهور بمظهر المستسلم، ويمكن أيضًا أن يسمح للرياض بخيار أخذ المزيد من حصة السوق تدريجيًا في وقت لاحق بالرغم أن ذلك يتطلب إبقاء الأسعار أقل من 60 دولارًا لمنع عودة الصخر الزيتي الأمريكي الذي يتطلب تكلفة أعلى في الإنتاج.

يرى السيناريو البديل أن الألم المالي لانخفاض أسعار النفط سيعيد في النهاية كلا من السعودية وروسيا إلى طاولة المفاوضات. من غير المرجح حصول الاستسلام الروسي وقبول اقتراح "أوبك" الأصلي بقيادة السعودية، بالنظر إلى أن روسيا تريد بوضوح الحفاظ على حصتها في السوق.

ولا يعني هذا السيناريو التوصل لصفقة أصغر حيث يلتزم الروس بخفض متواضع ويتحمل السعوديون المزيد من العبء، أو حتى الاستسلام الروسي وقبول اقتراح أوبك الأصلي بقيادة السعودية.

بالنظر إلى القوة المالية النسبية لكل من موسكو والرياض، ربما تكون النتيجة الأكثر احتمالًا إذا أعادت السعودية وروسيا فتح المفاوضات أن يتم التوصل لصفقة تدفع السوق مرة أخرى إلى نطاق بين 45 و 55 دولارًا وهو الذي حدده "سوروكين"، والذي سيكون بمثابة تراجع للسعوديين وإحراج لـ"بن سلمان"، لكنه سيقلل من معدل حرق احتياطيات الرياض.

المصدر | جريج بريدي/ستراتفور- ترجمة وتحرير الخليج الجديد

  كلمات مفتاحية

العلاقات السعودية الروسية حرب أسعار النفط أوبك+

أسعار النفط تتراجع تحت ضغط زيادة الإنتاج وتراجع الطلب

روسيا تنهي خلافاتها النفطية مع بيلاروسيا وسط مواجهة مع السعودية

بلومبرج: أزمة لا يمكن تصورها تهدد السعودية وجيرانها بالخليج

باركليز يخفض توقعات سعر النفط 12 دولارا بسبب كورونا وحرب الأسعار

الاستراتيجية النفطية السعودية الجديدة.. ماذا يريد بن سلمان؟

فيكتوريا كوتس.. مبعوثة ترامب لصياغة تحالف نفطي مع السعودية

حرب أسعار النفط في السعودية تأتي بنتائج عكسية

الطاقة الدولية تنتقد دور السعودية وروسيا في خفض أسعار النفط

مذكرات كوشنر: كواليس حرب أسعار النفط السعودية الروسية