استراتيجية النفط السعودية.. عبقرية أم انتحار؟

الخميس 13 أغسطس 2015 01:08 ص

في الربع الأخير من عام 2014، وفي مواجهة احتمال زيادة العرض، تخلت المملكة العربية السعودية عن دورها التقليدي كونها المنتج المتقلب في سوق النفط العالمي وبالتالي دورها كضامن غير رسمي للأسعار القائمة (100 دولار للبرميل الواحد).

في أكتوبر/تشرين الأول عالم 2014، توقعت مصادر سعودية في سوق النفط العالمي من خلال بيانات أنّ البلاد ستشعر بالراحة مع انخفاض أسعار النفط إلى 80 دولارًا للبرميل الواحد «بعد سنة أو سنتين». وفي جلسة منظمة أوبك في شهر نوفمبر الماضي، أعلن وزير النفط السعودي، «علي النعيمي»، على الملأ أنّ السعودية ستسمح لقوى السوق بتحديد الأسعار. وقال إنّ الإنتاج المتزايد خارج منظمة أوبك جعل الوضع الراهن غير قابل للاستمرار؛ وأن انخفاض الأسعار على المدى القصير سيؤدي إلى زيادة الأسعار على المدى الطويل من خلال انخفاض الاستثمار، وفي النهاية هذا سيعود بالفائدة على جميع الدول الأعضاء في أوبك.

بالتوازي مع هذا التحول، أعرب مسؤولون سعوديون عن ثقتهم في القدرة المالية لبلادهم على الصمود في وجه تداعيات انخفاض أسعار النفط.

السعوديون توقعوا حفرة هاوية لا قرار لها

من الواضح أنّ السعوديين أخطأوا في حساب درجة تأثير تحولهم سلبًا على أسعار النفط. لقد انخفض متوسط سعر برنت القياسي العالمي أقل من السعر السعودي بــ 80 دولارًا للبرميل في نوفمبر/تشرين الثاني الماضي، وانخفض إلى 62.34 دولارًا في ديسمبر/كانون الأول، ثم انخفض إلى أقل من 50 دولارًا في فبراير/شباط الماضي. وبعدها ارتفعت الأسعار إلى 60 دولارًا لمدة بضعة أشهر، قبل أن تتراجع مرة أخرى إلى أقل من 50 دولارًا.  

أدى تراجع أسعار النفط إلى انخفاض كبير في العائدات السعودية. ومع وصول متوسط سعر خام برنت إلى 100 دولار للبرميل في عام 2014، أنتجت صادرات النفط السعودية 6.31 مليون برميل يوميًا بقيمة 631 مليون دولارًا في الإيرادات اليومية. وفي الربع الأول من العام، مع وصول متوسط سعر خام برنت إلى 53.92 دولارًا، تم إنتاج نفس الكمية 340 مليون برميل يوميًا، بقيمة 291 مليون دولارًا يوميًا أقل من سعر النفط عند 100 دولار للبرميل.

وقد حاول السعوديون تخفيف عجز الإيرادات من خلال زيادة الإنتاج الذي ارتفع من 9.6 ملايين برميل يوميًا في الربع الرابع من 2014 إلى 10.5 ملايين برميل يوميًا في يونيو/حزيران الماضي.

ومع ذلك، فإنّ الإيرادات الناتجة عن زيادة الإنتاج اختفت مع انهيار الأسعار، التي أحدثت حفرة كبيرة في الميزانية السعودية. وفي ديسمبر/كانون الأول عام 2014، اعتمدت الحكومة السعودية إنفاق 229 مليار دولار في عام 2015، مما أدى إلى عجز يقدّر بنحو 39 مليار دولار، أو حوالي 5% من الناتج المحلي الإجمالي.

وفي منتصف العام 2015، قدّر صندوق النقد الدولي أن عجز الموازنة يساوي حوالي 20% من الناتج المحلي الإجمالي السعودي. ونقلت صحيفة «فاينانشال تايمز» تقديرات بعض المحللين بأنّ عجز الموازنة السعودي في عام 2015 وصل إلى 130 مليار دولار. وحتى مع العجز الهائل في الإنفاق، فإنّ نمو الناتج المحلي الإجمالي وفقًا لتقديرات صندوق النقد الدولي يتباطأ من 3.6% في عام 2014 إلى 3.3٪ في عام 2015، ثم إلى 2.7% في عام 2016.

السباق نحو سعر صفر دولار لبرميل النفط

يرجع سوء التقدير السعودي إلى العديد من المصادر. الأول: هو رد الفعل السلبي بين إنتاج النفط، والناتج المحلي الإجمالي، والميزانيات الوطنية التي ابتليت بها العديد من الدول غير الغربية المنتجة للنفط. يعتمد الناتج المحلي الإجمالي والميزانيات الوطنية لتلك الدول بشكل كبير على عائدات صادراتها النفطية. ونتيجة لذلك، فإنّ النقص في الإيرادات يدفعهم لإنتاج أكبر قدر ممكن من النفط لتخفيف هذا العجز.

ووفقًا لوكالة الطاقة الدولية، ازداد الإنتاج اليومي في يونيو/حزيران عام 2015 إلى 3.1 مليون برميل أكثر من عام 2014، مع 60% (1.8 ملايين برميل) من الإنتاج يأتي من منظمة أوبك. ومع إنتاج 31.7 ملايين برميل يوميًا، وصل إنتاج منظمة أوبك إلى أعلى مستوياته في ثلاث سنوات.

تحدث هذه الزيادة في الناتج مع سياق فرصة محدودة من الطلب العالمي. الزيادة في الطلب في عام 2015، والتي تتوقع وكالة الطاقة الدولية أن تبلغ حوالي 1.4 ملايين برميل يوميًا، تأتي في المقام الأول من آسيا وأمريكا الشمالية. وفي أسواق التصدير الرئيسة الأخرى، يظل الطلب في حالة ركود. وهذا بدوره أدى إلى تركيز مبيعات الدول المصدرة للنفط، بما في ذلك أعضاء أوبك وروسيا وغيرها، على آسيا، وخاصة الصين. كما ازداد الطلب في أمريكا الشمالية الآن بسبب انخفاض أسعار النفط، ولكن نظرًا للمستويات العالية من الإنتاج المحلي، فإنّ الولايات المتحدة لم تعد سوقًا نشطًا بالنسبة للبلدان المصدرة للنفط.

وبالتالي، فإنّ كل منتج للنفط يتم تحفيزه لتقويض المنتجين الآخرين بشكل مباشر (من خلال سعر برميل) أو غير مباشر (من خلال استيعاب تكاليف الشحن أو مخاطر التسليم) للفوز بالمبيعات في آسيا (أو تهجير الموردين الحاليين في الأسواق الرئيسة الأخرى). يمكن أن تحوّل الشركات الوطنية المنتجة للنفط تكلفة الأسعار المنخفضة إلى قطاعات أخرى من الاقتصاد. دولة الإمارات العربية المتحدة، على سبيل المثال، قد أنهت دعم الوقود، ونتيجة لذلك زادت إيرادات الميزانية، بينما طرحت المملكة العربية السعودية مؤخرًا سندات محلية بقيمة 4 مليار دولار للمساعدة في تمويل ميزانيتها.

يستفيد الزبائن في آسيا من هذه المنافسة، حيث يقلصون من أسهم العقود طويلة الأجل مقابل مشتريات فورية. على سبيل المثال، كما ذكرت صحيفة «وول ستريت جورنال»، تخفض بعض المصافي اليابانية حصة النفط التي يتم شراؤها من خلال عقود طويلة الأجل إلى نحو 70% من أكثر من 90%، في حين أنّ بعض شركات التكرير الكورية الجنوبية تخفض حصة النفط بنسبة 50% إلى 57%. وعلاوة على ذلك، تبني العديد من شركات النفط الوطنية، من بينها فنزويلا، المصافي النفطية مع شركاء محليين في آسيا بشرط استخدام خام النفط الخاص بهم.

في ظل هذا الوضع، فإنّه ليس من المستغرب أنّ مرونة الإيرادات من الإنتاج حساسة للغاية، وسلبية أيضًا. زادت السعودية إنتاجها بنسبة 6.8% في الربع الأول من عام 2015 ولكنها رأت عائدات التصدير تتقلص بنسبة 42%.

أي انتصار سعودي سوف يكون باهظ الثمن

لقد أثبتت الثقة السعودية في وسائلها المالية أنها ثقة في غير محلها. حاجة المملكة إلى العائدات تزداد ولا تقل. إنها تخوض حربًا متعددة الجبهات مع إيران بشكل مباشر (في اليمن) وغير مباشر (في سوريا ولبنان، والعراق). وبالإضافة إلى ذلك، يمثل تنظيم داعش، وتنظيم القاعدة، والشيعة تهديدًا أمنيًا داخليًا كبيرًا على المملكة. مواجهة التهديدات الخارجية والداخلية يتطلب زيادة الإنفاق (بما في ذلك برنامج الأسلحة النووية المستقبلي المكلف للغاية)، وكذلك الحد من النمو الديمغرافي السريع داخل المملكة، الأمر الذي يتطلب الإنفاق الكبير على التعليم والتدريب والتوظيف والدعم. وبالتالي؛ فإنّ العجز في الميزانية يعادل 20% من الناتج المحلي الإجمالي، المشار إليه أعلاه.

زيادة الإنتاج من النفط لا تقدم أي حل لتلك الأزمة. المملكة العربية السعودية ليس لديها القدرة على زيادة الإنتاج بدرجة كافية للحد من العجز الكبير في أي إطار زمني حاسم. فهي لا تمتلك الآن القدرات البديلة لتعويض الخسارة التي وصلت إلى 291 مليون دولار في عائدات التصدير في الربع الأول من العام. ومن ثم، لا بدّ من إنتاج 5.4 ملايين برميل إضافي يوميًا عند سعر 53.92 دولارًا للبرميل. بطبيعة الحال، فإن مثل هذه الزيادة الكبيرة في الإنتاج ستدفع الأسعار نحو المزيد من الانخفاض.

هناك شكّ في أنّ السعودية يمكنها زيادة قدرتها على المدى المتوسط والطويل، فهي لن تستطيع إنفاق أكثر مما تنفقه شركات النفط الوطنية الكبرى. أولًا، الأسعار المنخفضة من شأنها تقليل التدفقات النقدية لشركة أرامكو، وبالتالي الحد من قدرتها على تمويل الاستثمار. ثانيًا، من المرجح أن تزيد الحكومة السعودية أرباحها من هذا التدفق النقدي لتمويل احتياجات الأمن القومي والمحلي.

ثالثًا، رفض السعودية للقيام بدور الضامن للأسعار يضعف ثقة الأجانب في الاستثمار أو تمويل مشاريع النفط. ما قد يكون جذابًا عند وصول السعر إلى 75 دولارًا للبرميل، ليس بالضرورة أن يكون كذلك عند سعر 50 دولارًا للبرميل، وحتى أقل جاذبية إذا كان سعر النفط لا يمكن التنبؤ به بدقة. رابعًا، من حيث المخاطر السياسية، المملكة العربية السعودية مع حلفائها في الخليج، وإيران، والعراق، والشرق الأوسط بشكل عام، تقع في بؤرة من التوتر العالمي والاضطرابات والأزمات. خامسًا، تضاؤل نفوذها داخل منظمة أوبك، وبالتالي تضاؤل قدرتها على إدارة الإنتاج والأسعار داخل المنظمة. استخفاف المملكة بتأثير التغيير في السياسة على الأسعار، وعدم اهتمامها بمواجهة الضرر المالي لباقي أعضاء منظمة أوبك، واستعدادها لأخذ حصتها في السوق على حساب الأعضاء الآخرين في المنظمة أدى إلى تقويض مصداقيتها داخل منظمة أوبك (لا سيما وأنها مستمدة من رغبة السعوديين في حماية مصالح جميع الأعضاء).

وبالرغم من أنّ الاحتياطيات المالية السعودية كبيرة (672 مليار دولار في مايو الماضي)، لكنّ الاعتماد عليها هو مجرد إجراء مؤقت لسد الفجوة. إذا حافظ منافسوها الرئيسين (روسيا والعراق وإيران، وأمريكا الشمالية) على الإنتاج أو زادوا من إنتاجهم (ولديهم الحافز للقيام بذلك)، يمكن أن تبقى الأسعار منخفضة لفترة أطول بكثير مما كانت تتوقع المملكة. لقد انخفضت الاحتياطيات السعودية بنحو 65 مليار دولار منذ بدأت الأسعار في الانخفاض (في نوفمبر الماضي)، بقيمة 100 مليار دولار إلى 130 مليار دولار بمعدل سنوي. وكلما ظلت أسعار النفط منخفضة لفترة أطول، انخفضت احتياطياتها بسرعة، وازداد الضغط على أولويات الإنفاق، وهذا لا يصب في مصلحة بعض السعوديين.

المملكة العربية السعودية تسببت في المشكلة، فهل يمكن أن تجد الحل؟

يبدو أنّ المسؤولين السعوديين يروا أسعار النفط وهي تصل إلى 90 دولارًا للبرميل أو حتى 80 دولارًا “لعام واحد أو عامين” بهدوء تام. هل يمكن أن يحافظوا على هذا الهدوء عندما يتحملون في سنة واحدة خسائر في العائدات توقعوا أن يحصلوا عليها في غضون أربع سنوات (عند سعر 90 دولارًا) أو في غضون عامين (عند سعر 80 دولارًا)؟

وإذا لم يستطيعوا تحمل ذلك،وبالتأكيد لن يتحملوا رُغم أنهم يرفضوا الاعتراف بذلك، فهل يمكنهم التخطيط لزيادة دائمة في أسعار النفط، أي انخفاض دائم في الناتج؟ للوهلة الأولى، يبدو هذا مستحيل. الإنتاج اليومي من المملكة العربية السعودية (10.5 ملايين برميل)، وحلفائها، الإمارات العربية المتحدة (2.87)، والكويت (2.8)، وقطر (0.67)، يساوي تقريبًا الإنتاج اليومي من البلدان التي تعاني من صراع داخلي، بشكل مباشر أو غير مباشر، روسيا (11.2)، إيران (2.88)، والعراق (3.75)، وبالتالي؛ فإنّ تلك الدول لديها الحافز للاستفادة من أي تخفيضات من جانب الإنتاج السعودي.

ولكنّ هذه الدول تشارك في المكافئ النفطي من الدمار الحتمي المتبادل؛ فالانخفاض الحاد في عائدات النفط يضر جميع هذه البلدان اقتصاديًا وماليًا، في حين أنّ الحروب التي تشنها الدول بشكل مباشر وغير مباشر ضد بعضها البعض تؤدي إلى استنزاف الموارد من المشاريع المحلية الحيوية.

وعلاوة على ذلك، ونظرًا لحساسية الأسعار تجاه التغيرات في كمية الإنتاج، فمن الممكن، إن لم يكن من المرجح، أن يؤدي ثبات الإنتاج أو مماثلة الانخفاض السعودي مع البراميل اليومية إلى زيادة مطلقة في الإيرادات للجميع.

 

  كلمات مفتاحية

السعودية أوبك انخفاض أسعار النفط

«التليجراف»: السعودية قد تفلس قبل أن تستطيع لي ذراع صناعة النفط الأمريكية

«ذي إيكونوميست»: تراجع أسعار النفط لم يكبح طفرة النفط الصخري

الانخفاض الكبير: مقامرة النفط السعودية

الذهب الأسود والبجعة السوداء

الدين العام السعودي يرتفع إلى 79.3 مليار ريال

النفط يدفع السعودية إلى الإصلاح أو الإفلاس

السعودية تروض إيران بالنفط في انتظار القاطن الجديد للبيت الأبيض

محللون يرفعون توقعاتهم للنمو السعودي الإماراتي في 2015 ويخفضونها في 2016

«فيتش» تعدل النظرة المستقبلية للسعودية من مستقرة إلى سلبية

382 مليار ريال .. إجمالي صادرات السعودية من النفط خلال 8 أشهر