سر مساندة «السيستاني» للإصلاحات في العراق

الاثنين 24 أغسطس 2015 04:08 ص

ساند المرجع الشيعي البارز في العراق، «علي السيستاني»، بقوة المطالبات الداعية إلى مكافحة الفساد والإصلاح في العراق؛ في تصرف غير معهود بالنسبة للرجل الذي نادرا ما يعلن عن مواقف سياسية مباشرة، فما هو السر وراء ذلك؟

وكالة «فرانس برس» حاولت كشف هذا السر في تقرير لها، لافتة إلى أن مواقف «السيستاني»، (85 عاما)، تشكل غطاءً لرئيس الوزراء العراقي، «حيدر العبادي»، للمضي في الإصلاح في مواجهة خصومه السياسيين.

«السيستاني» ذاته يكشف السر وراء تحركه العلني المساند لمطالب الإصلاح، قائلا: «كانت المرجعية تأمل أن تقوم الطبقة السياسية التي وصلت إلى السلطة عبر صناديق الانتخاب بإدارة البلد بصورة صحيحة، ولا تحدث مشاكل كبيرة بحيث تضطر المرجعية إلى التدخل»، حسب رد من مكتبه على أسئلة وجهتها الوكالة ذاتها.

ويضيف: «ولكن – للأسف الشديد – جرت الأمور على غير ذلك، وقد تسبب سوء الإدارة – بالإضافة إلى عوامل داخلية وخارجية أخرى – في الوصول بالبلد إلى هذه الأوضاع المزرية التي تنذر بخطر جسيم».

ويوضح أنه بعدما «نفذ صبر كثير من العراقيين واحتجوا على سوء أوضاع البلاد»، وجدت المرجعية أن «الوقت مؤات للدفع قويا بهذا الاتجاه»، وأكدت «ضرورة الإسراع في الخطوات الإصلاحية، وتحقيق العدالة الاجتماعية».

وبعد انطلاق التظاهرات للمطالبة بمكافحة الفساد وتحسين الخدمات وسط درجات حرارة فاقت الخمسين، حض «السيستاني» رئيس الوزراء العراقي في 7 أغسطس/آب الجاري على أن يكون أكثر جرأة ضد الفساد.

وسارعت الحكومة بعد يومين إلى اقتراح إجراءات أقرها البرلمان، وأرفقها باقتراحات إضافية.

بعد ذلك، كرر «السيستاني» المطالبة بإصلاحات، لا سيما في القضاء.

وفي دلالة على خطر الفساد على مستقبل العراق، حذر المرجع من خطر «تقسيم» في ظل غياب «إصلاح حقيقي»، مؤكدا أن الفساد ساهم في سقوط مناطق من البلاد بيد تنظيم «الدولة الإسلامية» منذ يونيو/حزيران 2014.

ويأتي الحراك الإصلاحي وسط مرحلة هي الأكثر دقة في تاريخ العراق الحديث؛ إذ تخوض قواته معارك مكلفة على جبهات عدة ضد تنظيم «الدولة الإسلامية»، تزامنا مع انخفاض مدخوله المالي بشكل حاد جراء تدهور أسعار النفط.

أزمات سياسية متراكمة

محللون سياسيون عراقيون أدلوا برأيهم حول السر وراء تحرك «السيستاني» المساند لمطالب الإصلاح.

إذ يرى الباحث في معهد «شاتام هاوس» البريطاني، «حيدر الخوئي»، أن «السيستاني لا يحب الانخراط في السياسة؛ لأنه يؤمن بأن رجال الدين يجب أن يلتزموا بتوفير التوجيه والقيادة الروحية»، إلا أنه يتدخل «بتردد عندما يتعلق الأمر بقضايا استراتيجية كبرى فقط».

ويضيف: «يشعر بأن لديه واجب التحرك لإعادة العراق من شفير الهاوية».

من جانبه، يعتبر أستاذ العلوم السياسية في جامعة بغداد، «إحسان الشمري»، أن «الأوضاع المأسوية الأخيرة» دفعت «السيستاني» للتدخل «بشكل مباشر»؛ بعدما أدرك أن القوى السياسية «لا تستطيع أن تنتج مخارج أو حتى حلولا لطبيعة الأزمات السياسية المتراكمة (…) وأخفقت في تقديم الخدمات بشكل كبير».

وخلال الأسبوعين الماضيين، بدأ «العبادي» بالإعلان تدريجا عن تطبيق خطوات إصلاحية، شملت تقليص عدد المناصب الوزارية إلى الثلثين، وتخفيض أعداد أفراد حماية الشخصيات، وإصلاح سلم الرواتب.

وتتضمن الإصلاحات المقترحة إجراءات أكثر جذرية، أهمها: إلغاء مناصب نواب رئيس الجمهورية التي يشغلها سياسيون بارزون هم «نوري المالكي» و«إياد علاوي» (شيعيان) و«أسامة النجيفي» (سني).

ويرجح محللون أن يصطدم رئيس الوزراء العراقي بمعوقات في حال مضيه نحو إصلاحات جذرية، لا سيما أن معظم سياسيي العراق ذي التركيبة المذهبية المعقدة، استفادوا من الفساد لتحقيق النفوذ والثراء.

ويرى «فنار حداد»، الباحث في معهد الشرق الأوسط بالجامعة الوطنية في سنغافورة، أن «تغيير ثقافة فساد متجذرة إلى هذا الحد، كما الحال في العراق، ليس فقط خطوة طموحة، بل مسار طويل المدى».

ويضيف: «يمكننا أن نتوقع رؤية خطوات رمزية إضافية (…)، لكن الرهان ليس لصالح حصول أي تغيير جذري في المدى القصير».

ويتوقع «الخوئي» أن العقبات، التي ستواجه أي «تغيير كبير»، ستأتي من الأحزاب، ومنها «حزب الدعوة»، الذي ينتمي إليه رئيس الوزراء، والذي كان «المستفيد الأكبر من الفساد الممنهج الذي ابتلت به البلاد».

ويضيف: «التغيير الحقيقي سيعتمد على مدى قوة العبادي في الدفع باتجاهه على حساب خصومه، شركائه، وحزبه السياسي».

ويعد «حزب الدعوة» من أبرز الأحزاب الشيعية في العراق، وينتمي إليه «العبادي»، والمالكي الذي تولى رئاسة الحكومة بين عامي 2006 و2014.

وحمل «السيستاني» المسؤولين، الذين حكموا البلاد منذ سقوط نظام «صدام حسين» عام 2003، مسؤولية الأوضاع الحالية؛ لأنهم «لم يراعوا المصالح العامة للشعب العراقي، بل اهتموا بمصالحهم الشخصية والفئوية والطائفية والعرقية».

وتشكل مواقف «السيستاني»، بكلمته المسموعة في العراق لا سيما في الأوساط الشيعية، عائقا أمام أي معارضة علنية من القوى السياسية.

ويوضح أستاذ العلوم السياسية في جامعة بغداد، «إحسان الشمري» أن المرجعية هي «الأداة الفاعلة بالنسبة للعبادي لمواجهة خصومه السياسيين؛ لأن القوى الشيعية لا تستطيع أن تعارض رغبات السيستاني بشكل علني (…)؛ لأن ذلك يعد انتحارا سياسيا لها».

ورغم ذلك، يرى أن «العبادي» لا يزال «يتردد لأنه يدرك أن الوضع السياسي معقد جدا في العراق».

سيف ذي حدين

وقد يتحول دفع «السيستاني» إلى سيف ذي حدين؛ ففي حال لم يتمكن «العبادي» من مجاراته، قد يؤدي ذلك لرفع الغطاء عنه، وإنهاء مسيرته.

وكان «السيستاني» حسم العام الماضي النقاش حول ترشح «المالكي» لولاية ثالثة، بدعوته إلى «التغيير»، في رسالة واضحة له بالتنحي.

ويقول «الشمري»: «إذا كانت هناك إشارة واحدة من المرجعية (…) بأنه (العبادي) عجز عن المضي بالإصلاحات، فسيكون إيذانا بتقديم استقالته».

ونادرا ما يعلن «السيستاني» مواقف سياسية مباشرة، إلا أن نداءاته تلقى صدى لدى ملايين العراقيين.

ومن أبرز هذه المواقف، فتوى الجهاد الكفائي بعد هجوم تنظيم «الدولة الإسلامية»، والتي تجاوب معها عشرات الآلاف من العراقيين الشيعة الذين حملوا السلاح، وانضموا للقتال ضد التنظيم.

  كلمات مفتاحية

العراق الإصلاح السيستاني العبادي

«السيستاني» يحذر من خطر «تقسيم» العراق في غياب «إصلاح حقيقي»

«السيستاني»: لن يتحق إصلاح حقيقي دون تأهيل القضاء

برلمان العراق يمنح «العبادي» دعما قويا بالموافقة بالإجماع على خطته للإصلاح

«العبادي» يلغي مناصب حكومية كبيرة ويطيح بـ«نوري المالكي»

«العبادي» يدعو لتخفيض رواتب المسؤولين لتجاوز أزمة العراق المالية

«السيستاني» يرفض استقبال «سليماني» ويدعو إيران لعدم التدخل في انتخابات العراق

المرجعية الشيعية تحث الرئاسات الثلاث في العراق على تفهم مطالب الإصلاح

جهات موالية لإيران تعارض الاحتجاجات الشعبية في العراق

مرجع شيعي عراقي بارز: تشكيل «الحشد الشعبي» شرعن نهب المال العام