انعكاسات تمويل عجز الموازنة السعودية بالديون

الخميس 10 سبتمبر 2015 07:09 ص

مع بداية الطفرة البترولية الثالثة عام 2003، ودّعت المملكة العربية السعودية، ظاهرة تحقيق العجز بالموازنة العامة، بعد أن استمرت طيلة عقد التسعينات.

وبحسب بيانات التقرير الاقتصادي العربي الموحد لعام 2005، فإن العجز بالموازنة السعودية انخفض من سالب 6% في عام 1999 إلى سالب 2.9% عام 2002، ثم تحول العجز إلى فائض عام 2003 ليبقى عند 4.4%. 

ويشير تقرير 2013، أن فوائض الموازنة في المملكة توالت من 2003 وحتى 2013، باستثناء 2009، حيث بلغ العجز سالب 5.5%، بسبب الأزمة المالية العالمية، وتراجع الطلب على النفط وانخفاض أسعاره.

إلا أن أزمة انهيار أسعار النفط التي شهدتها السوق الدولية، منتصف عام 2014، ولا تزال آثارها السلبية قائمة، ألقت بتبعات غير مرغوبة على موارد الاقتصاد السعودي، الذي يعتمد على النفط كمنتج رئيس في الصادرات السلعية، ويمثل أكثر من 90% من الإيرادات العامة للدولة.

ووفقاً لتقرير صندوق النقد الدولي، نُشر في 17 أغسطس/آب الماضي، فإن عجز الموازنة السعودية سيصل 19.5% بنهاية عام 2015.

وقد أوصى تقرير بعثة الصندوق، بأن يتم تمويل هذا العجز بالعتماد على إصدار سندات حكومية في السوق المحلي، من أجل أمرين، الأول: تنشيط سوق السندات بالنسبة للقطاع الخاص السعودي، والأمر الثاني: الحفاظ على احتياطيات المملكة من النقد الأجنبي، وعدم استنزافها في تمويل الموازنة، حيث أُعلن من قبل المسؤولين أن ما تم سحبه منذ أواخر عام 2014 وحتى الآن بلغ نحو 100 مليار دولار أمريكي، من إجمالي احتياطيات النقد الأجنبي تقترب من 740 مليار دولار.

مظــاهر الأزمــة

اجتمعت على الاقتصاد السعودي سلبيتان، خلال الأشهر الماضية، أدتا إلى   تحقيق العجز الموازنة العامة، الأولى تتمثل في انخفاض أسعار النفط في السوق الدولية، منذ ما يزيد عن عام، ويُتوقع لها أن تستمر، على الأقل، خلال العامين المقبلين، مما أثر على الإيرادات العامة، أما الثانية فتتمثل بدخول المملكة في حرب مفتوحة في اليمن (منذ 26 مارس/أذار الماضي)، لها تداعياتها الإقليمية، والتي مثّلت عبئاً إضافياً على الإنفاق العام في البلاد.

مظاهر أزمة عجز الموازنة للمملكة، تجلّت في تصريحات وزير ماليتها، إبراهيم عساف، مؤخرًا لوسائل الإعلام، حيث أعلن أنه سيتم تخفيض بعض بنود الإنفاق العام غير الضرورية خلال  العام  الحالي، مع الاستمرار في الإنفاق على المشروعات المتعلقة بالتنمية.

وقال إن تمويل العجز بالموازنة سيتم من خلال الاستمرار في إصدار سندات محلية، وقد تفكر المملكة في إصدار صكوك بنهاية عام 2015.

ومع ذلك حرص الوزير على التأكيد أن بلاده قادرة على الحفاظ على أداء اقتصادها بشكل قوي في ظل انخفاض أسعار النفط.

وحسب بيانات وزارة المالية السعودية للعام المالي 1435/1436(الهجري) (2014/1015)، فإن الدين العام المحلي بلغ ما يعادل 20 مليار دولار، وبما يمثل نسبة 2.7% من الناتج المحلي للعام المالي 1434/1435(الهجري)، وهي نسبة شديدة التواضع مقارنة بما كان عليه الحال في عام 2004، حيث بلغ الدين المحلي السعودي وفق تقديرات الصندوق العربي الموحد لعام 2005، نحو 162.3 مليار دولار، ما يعادل 64.8% من الناتج المحلي الإجمالي لعام 2004.

ولكن في ظل الظروف الحالية والتي لم تتضح فيها معالم أزمة تراجع الإيرادات النفطية، يُتوقع أن تتزايد قيمة ومعدلات الدين العام في المملكة، بسبب عجز الموازنة، واللجوء لتمويل هذا العجز من السندات المحلية وإصدار الصكوك.

وبلا شك فإن هذه الخطوة لها دلالات سلبية، يمكن الإشارة إليها فيما يلي:

مـزاحمـة القطـاع الخــاص

لا شك أن دخول الحكومة السعودية كمقترض من البنوك والمؤسسات المالية، أو من خلال مشاركة الأفراد والشركات بالاكتتاب في السندات المصدرة من قبل الحكومة لتمويل عجز الموازنة، سيكون على حساب نصيب القطاع الخاص من الاقتراض لتمويل مشروعات في المجالات الإنتاجية والخدمية.

والثابت من التجارب الدولية أن البنوك والأفراد يفضلون الاستثمار في سندات الدين الحكومية عن غيرها من المجالات الأخرى، نظرًا لأن العائد على تلك السندات يكون أعلى من المعدلات السائدة بالبنوك، والأهم أن معدل المخاطرة  في الاستثمار بالسندات الحكومية صفر، لضمان الحكومة لها، لاسيما في وضع الحكومة السعودية التي تُعد حتى الآن، أكبر منتج للنفط في العالم.

 وكانت الحكومة السعودية قد أصدرت سندات دين على دفعتين خلال الفترة الماضية، الأولى في يونيو/حزيران 2015، بنحو 15 مليار ريال سعودي (حوالي 4 مليارات دولار)، والثاني في أغسطس/آب الماضي، بنحو 20 مليار ريال سعودي (5.3 مليار دولار)، لآجال تراوحت من 5 – 10 سنوات، بسعر فائدة يقترب من 2%. 

وسوف تستمر الحكومة السعودية خلال الفترة القادمة في إصدار سندات أخرى، مما سيشجع على التعامل في سندات الدين الحكومية، وارتفاع حجم الودائع بالجهاز المصرفي، والتي تقدر بنحو 1.6 تريليون ريال في نهاية الربع الأول من العام المقبل. 

ركــود اقتصــادي

في ظل تراجع الإنفاق العام السعودي، بسبب زيادة عجز الموازنة، سيكون من الطبيعي أن تتراجع معدلات الناتج المحلي الإجمالي، والذي يتوقع صندوق النقد الدولي له أن يكون بحدود 2.8% خلال عام 2015، و 2.4% عام 2016، متراجعًا عن نسبة نمو 3.5% عام 2014.

ومما يدلل بشكل كبير على تحقيق ركود اقتصادي في المملكة نتيجة تراجع الإنفاق العام، وتمويل العجز بالدين، أن القطاع الخاص يعتمد بشكل كبير على الإنفاق الحكومي، وخاصة في قطاع البناء والتشييد، الذي  يستوعب الجزء الأكبر من نشاط القطاع الخاص، فضلًا عن أن ما أعلنه وزير المالية بتخفيض بعض بنود الإنفاق غير الضروري، يفتح الباب لاحتمال أن تشمل هذه البنود مجالات مؤثرة على التشغيل، وخلق فرص العمل الجديدة، لاسيما وأن المملكة تعاني من نسبة بطالة تصل إلى 12%، وفي حالة دخول اقتصادها في مرحلة ركود بسبب تراجع معدلات النمو هذا العام والعام المقبل، فسوف تزيد معدلات البطالة عما هي عليه الآن.

الخـدمــات العـامــة

رغم تمتع الاقتصاد السعودي بوجود بنية أساسية قوية، تم بناؤها على مدار عقود، إلا أن زيادة عجز الموازنة، وتمويله بالدين، وقرار الحكومة بخفض بعض النفقات، من شأنه أن يغل يد صناع السياسة المالية في تخصيص الموارد العامة، وتفضيله الوفاء بالنفقات الحتمية، ثم الوفاء بالتزامات الدين العام، من سداد الفوائد والأقساط، وبالتالي فالفرصة البديلة لسداد أعباء الدين، هي تمويل خدمات التعليم والصحة والبنية الأساسية، ويتوقع أن ترى هذه القطاعات تراجعًا في مخصصات الإنفاق الخاصة بها على مدار السنوات القادمة.

وهو ما يفتح المجال للحديث عن ارتفاع نسبة الفقر، وكذلك توقع تراجع ترتيبها على مؤشر التنمية البشرية العالمي، الذي تحسن بشكل ملحوظ خلال العقد الأول من الألفية الثالثة، حيث حلت السعودية عام 2014 في المرتبة الـ 34 من بين 187 دولة على مستوى العالم.

ولكن يلاحظ أن المملكة فضلت اللجوء للدين المحلي ولم تلجأ إلى المصادر الخارجية، لتوفير التمويل اللازم لسداد عجز الموازنة، على الرغم من تميز ملاءتها المالية، وتمتعها بضمان كبير من الاحتياطيات النقدية، والاستثمارات الخارجية، وكذلك رصيدها من الاحتياطيات النفطية، ولكنها حسابات معقدة ترتبط بعوامل سياسية واقتصادية في ظل ظروف غير مستقرة دوليًا وإقليميًا بالنسبة لها.

 

  كلمات مفتاحية

السعودية عجز الموازنة صندوق النقد الدولي المملكة اقتصاد عجز الموازنة النفط الصكوك السندات

«النقد الدولي» يحث السعودية على خفض دعم الطاقة وفاتورة الأجور

السعودية: نسعى للموازنة بين مصالح مستهلكي ومنتجي النفط

البنوك تدفع البورصة السعودية للصعود

«فيتش» تخفض نظرتها المستقبلية لـ4 بنوك سعودية كبرى إلى «سلبية»

توقعات بتجاوز عجز الموازنة السعودية 80 مليار دولار

تمـويــل عجــز المـوازنـة في الفــكر الإسـلامي

دراسة: ارتفاع ثقة المستثمرين بمنطقة الخليج في السعودية

هل تخضع السعودية لـ«صندوق النقد الدولي» بعد تراجع أسعار النفط؟

السعودية.. 840 ألف وظيفة حكومية متوقعة خلال 10 أعوام

كيف يمكن أن تؤثر الأزمة الاقتصادية على الاستقرار السياسي في السعودية؟

«طاقات» تعلن توفر 561 وظيفة أمام 1.5 مليون سعودي يبحثون عن عمل

«القصيبي» السعودية توقع اتفاقا لتسوية ديونها البالغة 6 مليارات دولار