عودة الحريري.. كيف تبددت طموحات الثورة في لبنان؟

الأحد 1 نوفمبر 2020 02:24 ص

لن تجد بسهولة أي لبناني يحتفل بمرور عام على ثورة أكتوبر/تشرين الأول 2019، لأسباب ليس أقلها أن ذلك تزامن تمامًا مع عودة "سعد الحريري" كرئيس للوزراء.

وتعتبر الجهة الوحيدة السعيدة بعودة "الحريري" هي الكتلة الشيعية (حزب الله وحركة أمل)، باعتباره شخصا سنيا له ثقله ومعترف به من قبل الغرب والسعودية، بينما يمكن للثنائي الشيعي اللعب به في ذات الوقت، بشكل لا يختلف عن "قطة تلعب بفأر ميت".

وأظهرت عودة "الحريري" أن اللبنانيين يعانون من حالة مزمنة من "متلازمة ستوكهولم" مع الطبقات السياسية؛ ويمكن القول أن استقالة "الحريري" بعد أسبوعين فقط من اندلاع ثورة أكتوبر/تشرين الأول - التي أشعلتها فكرة حمقاء من وزير لفرض ضريبة على استخدام "واتساب" - كانت إحدى الحركات العبقرية القليلة التي لعبها، في مسيرته السياسية المتقلبة.

وبدت صورة الثلاثي "نبيه بري" والرئيس "ميشال عون" ورئيس الوزراء "سعد الحريري"، وهم جالسون معًا في يوم تنصيب "الحريري"، كأضحوكة ساخرة.

وإن كان ثمة شيء واحد يميز الثلاثة، فهو فن عدم فعل أي شيء سوى الظهور بمظهر ملائم.

تبديد وهم تلو وهم

عندما نتأمل في العام الماضي وعودة "الحريري"، نجد إن اللبنانيين ليسوا قريبين من تشكيل أي نوع من المعارضة السياسية التي كان يمكن للغرب الانخراط معها، وبالرغم من الخطاب الذي ساد وقت الثورة، لا يزال معظم اللبنانيين مرتبطين بزعمائهم وأنظمتهم الطائفية.

ومع اقتصاد في حالة من السقوط الحر؛ استيقظ الكثير من اللبنانيين وتقبلوا فكرة حمقاء مفادها أن العالم سيتدخل ويبني لهم نموذجًا سياسيًا بديلًا.

وكانت استقالة "الحريري" قبل عام ثم عودته مدروسة أكثر من التظاهرات، حيث كانت خطوة بارعة في التلويح بالسوط والحصول على مزيد من الاحترام من معسكر "حزب الله"، فيما يشبه نوبات الغضب الطفولية الابتزازية.

وإلى حد ما نجحت الحركة التي جعلت "الحريري" يبدو كأنه لا غنى عنه بالنسبة لكتلة "حزب الله" التي تمتلك معظم السلطة وبالنسبة للمجتمع الدولي الذي يبدو كأنه يقول: "صحيح أنه ليس لامعًا ولا قادرا حتى، لكننا نعرفه ونشعر بالراحة معه".

والآن، ستمضي خطته لتشكيل مجلس وزراء غير متحالف مع المجموعات السياسية، الأمر الذي سيرضي أنصار خطة "ماكرون" في باريس الذين يعتقدون أن هذا سر الإصلاح، ولكن هذه الفكرة ستكون في الواقع منبع النتائج العكسية.

مسرحية لجذب المساعدات

تدور المسرحية برمتها حول خداع المجتمع الدولي للمضي قدمًا في مؤتمر آخر على غرار مؤتمرات باريس، لتجميع حزمة مساعدات، وهي ليست مساعدة على الإطلاق، بل قروض.

بعد ذلك سيتم سرقتها من قبل نفس أصحاب الثقل في لبنان، وستتم إعادة حوالي 30% من القروض مرة أخرى واستخدامها كشرط لإعادة لبنان إلى المسار الصحيح.

وعندما يفهم المرء عملية الفساد في لبنان والتي تسير كأنها شركة راسخة، فربما يفهم أولئك القادة الذين قد يجادلون بأنهم بحاجة إلى أخذ المزيد أكثر من ذي قبل، لأن الأزمة جعلت مؤيديهم فقراء جدا، وأصبح لديهم المزيد من الأفواه التي عليهم إطعامها.

ومن المؤكد أن آخر ما يحتاجه لبنان هو قرض آخر من نوع مؤتمرات باريس، والذي سيُسرق من قبل أولئك الذين يديرون البلاد بينما يتحمل الجيل القادم من الشباب تكلفة سداد هذه الديون. لهذا، فالذهاب إلى باريس والحصول على قرض لإنقاذ لبنان هو في حقيقته إهدار للأموال.

على أي حال، فإن خطة الإنقاذ هذه ليست أكثر من تزيين واجهات بالنسبة لـ"ماكرون" و"الحريري"، وربما يعتقدان أنها ستشتري لهما بضع سنوات أخرى في الحكم.

ولكن في الواقع، سينغمس لبنان أكثر في غضون أشهر قليلة في براثن الفقر مع زيادة معدلات الوفيات، وإغلاق المستشفيات، وارتفاع معدلات الإصابة بالسرطان، وسيصبح سعر المضادات الحيوية باهظ الثمن في السوق السوداء، بحيث لا يتمكن إلا أثرى الأثرياء من شرائها.

مشروع حرب أهلية

إن ما تسمى بـ "الثورة" القادمة لن تكون مظاهرات في الشوارع، بل جرائم يرتكبها بلطجية سياسيون يحملون مسدسات، ويسرقون كل وأيّ ما يستطيعون سرقته.

وفي اللحظة التي تنتقل فيها هذه العصابات إلى حي يوجد فيه عدو لدود لهم، ستجتمع كل الظروف المطلوبة لخلق حالة طوارئ، حين تصبح عمليات إطلاق النار والغارات والاختطاف الانتقامي يومية.

سيتحسر الكثير من اللبنانيين عندما ينظرون إلى الصورة الساخرة للثلاثي "الحريري" و"بري" و"عون" أثناء التنصيب، حيث ستعكس بالنسبة لهم أن لبنان لم يتجاوز على الإطلاق تجربته في "تقاسم الفساد" كحل وسط لتأمين اتفاق سلام في عام 1990.

هذا في الوقت الذي تسير فيه لبنان نحو حرب أهلية جديدة بنفس الجبهات ونفس الوجوه.

ببساطة، فإن القادة في لبنان لا يعرفون ما هو الحكم ولا يستطيعون حتى التظاهر بمعرفته، ولا يستطيع الشعب التعبير عن نوع التغيير الذي قد يرغبون فيه، مما يفسر بإيجاز سبب عودة "الحريري".

وستظل صورة الثلاثي (بري والحريري وعون) تذكر الشعب أن لبنان لم يتطور في الواقع على الإطلاق منذ "اتفاقية الطائف"، وإنما في الواقع تراجع إلى الوراء على جميع المستويات تقريبًا.

المصدر | مارتن جاي/ إنسايد أرابيا - ترجمة وتحرير الخليج الجديد

  كلمات مفتاحية

سعد الحريري ثورة لبنان حزب الله نبيه بري أزمة لبنان

لبنان.. ميقاتي يسمي الحريري رئيسا للحكومة المقبلة

جعجع يتهم باسيل بالتسبب في تأخير تشكيل حكومة لبنان

مصدر مقرب من عون: ضغوط أمريكية وراء تعثر تشكيل الحكومة اللبنانية

على شفا الانهيار.. التنافس الحزبي والطائفي يواصل تمزيق لبنان

عون لرئيس حكومة تصريف الأعمال: سعد الحريري كاذب (تسجيل مسرب)