اعتبرت صحيفة «ديلي بيست» الأمريكية، أنه عندما دخل الرئيس الروسي «فلاديمير بوتين» الحرب في سوريا، أخذت مقاتلاته في قصف كل من يعارض نظام «بشار الأسد» باستثناء تنظيم «الدولة الإسلامية»، وعند هذا المستوى السطحي، يتضح التناقض بين ما تدعيه موسكو وما تنفذه، فإن ضرباتها أوضحت رؤيتها بأنه «ليس هناك معارضة معتدلة في سوريا بمن فيهم المقاتلون المدعومون من الولايات المتحدة».
وأشارت الصحيفة إلى ما ألمح له «بوتين» بأن «الإرهابيين الذين ينشرون الخراب في العراق وسوريا هم، صناعة أمريكية، وهم من طراز الوحش فرانكيشتاين، وقد تحركت اليوم روسيا القوية، وبعد عام من إخفاق حملة التحالف الذي تقوده الولايات المتحدة، من أجل القضاء على التنظيم»، معتبرا أن كل من لا ينضم إلى روسيا و«الأسد وإيران و«حزب الله» هو «إرهابي» أو «داعم خفي للإرهاب»، ومن الأفضل له الابتعاد عن طريقه، كما أعطى «بوتين لنفسه الحق، وبغطرسة شديدة لقصف يوجهه أيما شاء وحينما يشاء، وهو ما فعله بالتحديد بعد ٤٨ ساعة من إلقائه خطابه في الأمم المتحدة، عندما أصاب عدة أهداف للجيش السوري الحر، بمن فيهم مقاتلين تسلموا أسلحة أمريكية متطورة.
وقالت «ديلي بيست» «شهدنا هذا الفيلم قبل عام ونصف، عندما تحرك متظاهرو الميدان في كييف احتجاجاً على امتناع الحكومة الأوكرانية توقيع اتفاق مع الاتحاد الأوروبي، وأعلن التلفزيون الرسمي الروسي بأن المطالبين باستقالة فيكتور يانوكوفيتش نازيون جدد يتحركون بتمويل من وزارة الخارجية الأمريكية، أو (السي آي ايه)، كما أعلن ذات التلفزيون أن هؤلاء العملاء بدأوا في مهاجمة اليهود وأقليات عرقية روسية، وطلبوا مساعدة أخوتهم في الدم، ولم يكن للتأكيد بأن تلك الأقليات لم تطالب بأي شيء أهمية تذكر».
ولفتت للسياسة الحالية التي يتبعها «بوتين» والتي تأتي تطبيقاً لتعليمات الزعيم الشيوعي «لينين» عندما قال قبل قرابة مائة عام «ليس أخطر أو أشد ضرراً من فكرة فصل السياسة الخارجية عن الداخلية»، ومن المعروف أن موسكو توجه رسالتها إلى جهتين، داخلية وخارجية، وللجهة الأولى أهمية أكبر من أجل بقاء «بوتين» في السلطة وبعيداً عن قفص الاتهام، كما تهدف تلك الرسالة لجعل روسيا في موقع الحصن أمام المشاريع الأمريكية والأوروبية المعادية والشريرة»، وذلك عبر تطبيق القوة الناعمة والفاعلة، ومن هنا ليست صواريخ «إس إي ـ ٢٢» المضادة للطائرات، والقاذفات المتطورة المزودة بصورايخ جو جو، التي نشرتها روسيا في سوريا من أجل دحر زعيم «الدولة الإسلامية» «أبو بكر البغدادي».
ورأت الصحيفة أن البروباغاندا الروسية المحلية تعكس صورة سلبية عن شعور بالعظمة الوطنية، بحيث تضع روسيا في مواجهة مؤامرة خارجية تمكنت من صدها فيما نهضت كقوة عظمى بعد انهيار الاتحاد السوفييتي، وهو الأمر الذي وصفه «بوتين» بأنه «أكبر مأساة شهدها القرن العشرين، ليس لأنه وضع نهاية للشيوعية بل للعظمة الإمبراطورية ولاحترام الذات».
ووصفت الصحيفة «بوتين» بأنه رجل يتمسك بإيديولوجية القوة العظمى، ويسعى لاستعادة مكانة روسيا كقوة مهيمنة في الحقلين الجيو سياسي وفي تعظيم الشعور بالحس القومي. ومن أجل تغذية هذا الشعور القومي، وجد «بوتين» ضرورة لتوجيه الأنظار نحو المشهد الدولي لأن حاضر روسيا ومستقبلها في خطر، فإن هذا البلد بات في حاجة ماسة للمال وللطاقة الفكرية جراء العقوبات وتدني أسعار النفط.
وذكر المؤرخ «تيموثي سيندر» أربعة افتراضات تفسر ما تخفيه مواقف «بوتين الأخيرة على النحو التالي: ١- تعتمد شعبية «بوتين» على التلفزيون، ٢- يكرس التلفزيون الروسي نشراته الإخبارية لأحداث خارجية، ٣- التأكيد على انتصار الرئيس الروسي على الهيمنة الأمريكية، ٤- فيما قادت العقوبات الاقتصادية وتدني أسعار النفط لإعاقة مشاريع روسية عديدة، كان لا بد من تحويل الأنظار عما يجري في الداخل الروسي وفي أوكرانيا بالذات نحو سوريا.