في الأسبوع الثاني من شهر يناير/ كانون الثاني لعام 1963، وقع حدثان كانا يبدوان أنهما لا علاقة لهما بالدور المتغير لبريطانيا في العالم بشكل عام، وفي الشرق الأوسط بشكل خاص. يوم الأربعاء، استأنفت بريطانيا العلاقات الدبلوماسية مع المملكة العربية السعودية، والتي كانت قد كسرت في وقت سابق قبل سبع سنوات نتيجة أزمة السويس. يوم الجمعة، آخر حاكم بريطاني في عدن، السير «تشارلز جونستون هيبورن»، كان قد تنازل عن السلطة رسميا لصالح ما صارت تعرف اليوم باليمن.
اليوم، لا تزال المملكة العربية السعودية الحليف المقرب من بريطانيا، بينما لا يزال اليمن يغرق في حرب أهلية قبيحة قال عنها الصليب الأحمر أنه بعد خمسة أشهر من الصراع، فإنها صارت كسوريا التي يمزقها الصراع منذ 5 سنوات. كما حثت المنظمة الدولية بريطانيا على التوقف عن تقديم أسلحة إلى المملكة العربية السعودية.
مر الآن ستة أشهر منذ تشكيل ائتلاف من الدول وعلى رأسها المملكة العربية السعودية، بهدف محاربة المتمردين الحوثيين المدعومين من إيران، والذي اجتاح البلاد في وقت سابق من هذا العام. أسفر النزاع عن سقوط ما يقرب من 3000 آلاف شخص ووضع 20 مليون شخص قيد الحاجة إلى المعونات، بينما يعاني نصف مليون شخص من أبناء اليمن الآن من أمراض سوء التغذية. ومما يحسب للحكومة البريطانية أنها تلعب دور الجهة المانحة الرئيسية في أوروبا لمواجهة الأزمة حيث وفرت 50 مليون يورو لأغراض الإغاثة بما في ذلك توفير المياه في البلد الذي كان يعاني مخاطر ندرة المياه قبل حتى أن ينجز إلى العنف.
إلى الآن، لا تزال الأزمة في جوهرها أزمة سياسية. وعلى الجبهة السياسية فإنها تمثل فشلا دبلوماسيا واسعا. بخلاف وزارة التنمية الدولية، فإن سائر قطاعات الحكومة البريطانية يبدو أن صارت تعمل كوكيل خارجي للمملكة العربية السعودية وغيرها من أعضاء الائتلاف مانحة إياهم، في الواقع، تفويضا مطلقا بشن هذه الحرب بمثل هذه الطريقة التي تسمح بسقوط عدد كبير من الضحايا المدنيين وتزيد من كلفة المساعدات الإنسانية اللازمة لمواجهة الأمر.
وقد تم توثيق انتهاكات حقوق الإنسان وجرائم الحرب المحتملة التي ارتكبتها جميع الأطراف على أرض الواقع في اليمن. تم استهداف المدنيين مباشرة في انتهاك للقانون الدولي. الحكومة اليمنية في المنفى وقوات التحالف التي تقودها السعودية تضرب حصارا خانقا على دولة تعتمد بشكل رئيسي على المساعدات في الغذاء والوقود. بدون وقود، لا يمكن للإمدادات الغذائية التجارية الوصول إلى الأسواق كما لا يمكن تشغيل مولدات المستشفيات ومضخات المياه. هذا التناقض في استراتيجية المملكة المتحدة تجاه اليمن يأتي تحت غطاء من الصمت من وسائل الإعلام الغربية ناتج عن رفض المملكة العربية السعودية دخول معظم الصحفيين إلى اليمن.
وفي مواجهة هذه الأزمة الإنسانية الضخمة والنظر إلى الروابط التاريخية لبريطانيا مع اليمن، يجب علينا أن ننظر في جميع جوانب التورط البريطاني في الأمر ومعالجة هذا التناقض الواضح. بادئ ذي بدء، وكحليف للمملكة العربية السعودية، ينبغي علينا البدء في اتخاذ خطوات فورية لوقف الحصار على الوقود وإعادة فتح موانئ اليمن على البحر الأحمر لأغراض المساعدات الإنسانية والحركة التجارية، وضمان وصول الإمدادات الحيوية إلى المدنيين اليائسين في جميع أنحاء البلاد. والبديل هو مجاعة مماثلة لتلك التي شوهدت في إثيوبيا منذ 30 عاما. المملكة العربية السعودية لا تريد لذلك أن يحدث على عتباتها.
بوصفنا أصدقاء حقيقيين سواء للحكومة اليمنية في المنفى أو للمملكة العربية السعودية، يجب أن نوضح أن منهجهم شن هذه الحرب لديه القدرة على إطلاق العنان للفوضى في منطقة مضطربة بالفعل. وضع حد للهجمات على المدنيين والعودة إلى طاولة المفاوضات لمحادثات السلام، ينبغي أن تكون هي النقاط التي تمارس بريطانيا ضغوطا لأجل تحقيقها على أعلى المستويات الممكنة وفي العلن إذا اقتضت الحاجة لذلك.
إذا استمر القتال أكثر من ذلك، فإن العديد من الأطفال سوف يلقون حتفهم بسبب الجوع والآلاف من اللاجئين سوف يفرون إلى أوربا وسوف تتوسع مخاطر الصراع الدموي إلى ما هو أكبر من ذلك.
يمكننا القيام بما هو أكثر من ذلك في الداخل للتخلي عن هذا النهج الذي ينفي مسؤوليتنا. المملكة المتحدة ظلت لفترة طويلة توفر كميات هائلة من الدعم العسكري للمملكة العربية السعودية بما في ذلك منذ بداية هذه الأزمة: في الواقع، القوات الجوية السعودية لديها الآن ضعف عدد الطائرات الحربية بريطانية الصنع التي يمتلكها السلاح الجوي الملكي البريطاني. يجب علينا أن نأخذ على محمل الجد احتمال أن تستخدم الأسلحة بريطانية الصنع لقتل المدنيين في اليمن.
وقد كانت الحكومة البريطانية، ولفترة طويلة، بطلا لمعاهدة الأمم المتحدة التي تحظر بيع الأسلحة إلى المناطق التي يرجح أن يتم خلالها استخدامها في انتهاكات حقوق الإنسان. «كريسبين بلانت»، رئيس لجنة الشؤون الخارجية، دعت لجنة الرقابة على صادرات الأسلحة لممارسة دورها في التأكيد على قيام المملكة المتحدة بما التزمت به. وآمل أن رؤساء اللجان الأخرى الذين يشكلون الرباعية سوف يتعاملون مع الأمر كمسألة ملحة.
في ظل الأزمة في سوريا، يواجه الملايين خطر المجاعة في اليمن. في هذا البلد الذي يعاني الجفاف، يجري قصف المصانع التي تنتج زجاجات المياه. المملكة المتحدة أبعد ما يكون عن لعب دور أحد المارة المحايدين في هذا الصراع. نحن متورطون عن طريق الصمت. كأمة إنسانية كبيرة، تمتلك تقاليد سياسية مثيرة للفخر، يجب علينا أن ندافع عن مبادئنا ومصالحنا، حتى عندما لا يكون هناك عناوين متوهجة لنظفر بها.
علاقتنا بالشرق الأوسط قد تغيرت بشكل نهائي ذاك الأسبوع شتاء عام 1963، ولكن التزاماتنا تجاه الشعب اليمني لم تختلف.