العقوبات الأيديولوجية على اقتصاد إيران

الأحد 18 أكتوبر 2015 06:10 ص

في جلسة صخب، صادق مجلس الشورى الإيراني على الاتفاق النووي بعد دخول الاتفاق مرحلة التنفيذ في الرابع عشر من أكتوبر/‏تشرين الأول 2015. غير ذلك لم يكن متوقعاً.

فالإشارة التي وجهها المرشد «علي خامنئي» إلى كبير المفاوضين الإيرانيين «محمد جواد ظريف»، للتوقيع على الاتفاق مع مجموعة التفاوض الدولية كانت المبتدأ والخبر.

وفي إيران الآن ورشة عمل أكثر صخباً، استعداداً للمرحلة الأولى من رفع العقوبات الاقتصادية الدولية من مجلس الأمن الدولي، والعقوبات الغربية من الولايات المتحدة والدول الصناعية.

والكل ينتظر تقرير الوكالة الدولية للطاقة النووية المكلفة مراقبة تنفيذ الاتفاق، للوقوف على الخطوات الإجرائية للحكومة الإيرانية للشروع في تنفيذ الاتفاق والبدء في رفع العقوبات تدرجاً.

هل أزف حقاً أوان رفع العقوبات الاقتصادية عن إيران والإفراج عن أرصدتها المالية المجمدة في المصارف الغربية؟ وكيف سيكون مشهد الاقتصاد الإيراني بافتراض ذلك؟ تستدعي الإجابة عن السؤال الأول الإشارة إلى أن مسار رقابة البرنامج النووي الإيراني بموجب الاتفاق نفسه يمتد إلى 25 عاماً.

رفع العقوبات كلياً والإفراج عن الأرصدة الإيرانية دونهما تنفيذ الاتفاق بلا عقبات ولا أفخاخ.

آلية الرقابة شديدة الحساسية وحمّالة أوجه.

فللفريق المراقب ساعة يشاء زيارة كل المفاعلات النووية شريطة «استشارة السلطات الإيرانية مسبقا». من مفاعل بارشين وآراك ونتانز إلى فوردو المثير للجدل.

وعلى السلطات الإيرانية عدم وضع عراقيل أمام فريق الرقابة.

هناك الكثير من الشكوك تحمل على الاعتقاد في أن رفع العقوبات الاقتصادية ليس طوع اليد.

ولا الإفراج عن الأرصدة المالية وولوج إيران النظام المالي العالمي سيتيسران بمرونة.

فالعقبات التي قد تعترض تنفيذ اتفاق استراتيجي بهذا التعقيد تبقى واردة وشديدة الاحتمال.

كانت لافتة في السياق المذكور، الرسالة التي أبلغتها وزارة الخارجية الأمريكية إلى عدد كبير من السفارات، لاسيما منها سفارات الدول الأوروبية، وفيها تأكيد على أن العقوبات على إيران لا تزال قائمة. ونصحت الرسالة شركات الدول المعنية بـ«عدم التسرع في الاستثمار في إيران»، خصوصاً في القطاع النفطي حتى تمتثل على نحو كامل لمضمون الاتفاق.

وسبق للإدارة الأمريكية أن أجرت اتصالات مباشرة في هذا المعنى بكبريات الشركات الأمريكية.

وبينما تزدحم طهران بوفود الشركات النفطية من توتال الفرنسية وداتش شل الهولندية وإيني الإيطالية، وغيرها من الشركات الصناعية الأجنبية، لم يؤم طهران بعد أي وفد اقتصادي أمريكي لمجرد استطلاع فرص الاستثمار.

ولوحظ عدم زيارة أي من ممثلي المصارف الدولية طهران. بما في ذلك الأوروبية منها.

وأما عن الاقتصاد الإيراني، فالمؤكد ليس الإفراج عن الأرصدة الخارجية ورفع العقوبات الاقتصادية على أهميتهما هما الدواء الشافي للاختناقات الشديدة التي يعاني الاقتصاد منها.

وأعمقها اختناقات أيديولوجية تحول دون الإصلاح الاقتصادي والمالي. وهو ما يعوق إبرام عقود استكشاف النفط والغاز واستخراجهما وتسويقهما.

ويبرز هنا دور الحرس الثوري الإيراني حاجزاً منيعاَ في وجه الإصلاحات. «إيران لن تصبح جنة بعد رفع العقوبات»، كما قال رئيس غرفة التجارة والصناعة والمناجم والزراعة في طهران يحيى إسحاق الذي اعتبر في تصريح للصحافة أن «ما بين 15 في المئة إلى 30 فقط من مشكلاتنا الاقتصادية نتيجة العقوبات. أما السبعين في المئة فمردها إلى سوء الإدارة. ورفع العقوبات لن ينهي مشكلاتنا». 

الخطة الخمسية 2016 - 2021 التي صممتها حكومة الرئيس حسن روحاني وبلغت أرقامها 361 مليار دولار أمريكي، قدرت حصة الاستثمارات الخارجية المباشرة فيها بنحو 150 مليون دولار أمريكي في مرحلة ما بعد رفع العقوبات.

وتستهدف الخطة 8 في المئة نمواً في سنوات تنفيذها الأولى لتعويض فاقد نمو سنوات العقوبات.

وبحسب المصرف الدولي فقدت إيران نحو 16 في المئة (78.7 مليار دولار أمريكي)، من حجم ناتجها المحلي الإجمالي 2014. وتراجع إلى 415 ملياراً في مقابل نحو 493.7 ملياراً في 2013.

هناك شكوك كبيرة في إمكان استقطاب الاستثمارات الأجنبية الحصة التي لحظتها الخطة الخمسية. والسبب المباشر نفوذ الحرس الثوري وهيمنته على معظم مرافق الاقتصاد.

لاسيما النفط والغاز والصناعات الثقيلة وقطاع الاتصالات وغيرها، بدعوى ما تمثله الاستثمارات الأجنبية في القطاعات المذكورة من «تهديد للأمن القومي وخرق للسيادة الإيرانية». ويستند الحرس الثوري والمتشددون إلى المادة 81 من الدستور الإيراني للتحفظ عن الاستثمارات الأجنبية.

الشركة التركية «تيرك سل» أرغمت بضغط الحرس الثوري على التخلي عن مشروع فازت به لمشروع الهاتف المحمول.

تبعات المادة نفسها من الدستور، إضافة إلى اعتبارات أخرى، أتاحت للمحافظين والحرس الثوري الحصول على حيازات كبيرة من الشركات التي أدرجت في برنامج الاستخصاص، وتعد جاذبة لمستثمري القطاع الخاص المحلي المفترض أنه لا يشكل «تهديداً للامن القومي والسيادة». وأسهمت في عزوف المستثمرين الخارجيين في آن معاً.

هذه المنطقة من الحواجز الأيديولوجية والسياسية في وجه نهوض الاقتصاد الإيراني الغني بموارده الطبيعية والبشرية، لم يجرؤ أحد على رفعها أو مقاربتها قبل فرض العقوبات الاقتصادية.

والأرجح أن أحداً لن يجرؤ عليها بعد رفع العقوبات.

  كلمات مفتاحية

إيران العقوبات الاقتصادية الحرس الثوري الإيراني الإصلاحات الاقتصادية الاتفاق النووي

إيران واليابان تتفقان على معاهدة للاستثمار بعد رفع العقوبات عن طهران

رفع العقوبات عن إيران ليس عصا سحرية لاقتصادها

دبلوماسيون يتوقعون رفع العقوبات عن إيران مطلع 2016

«خامنئي» يحذر من انهيار الاتفاق النووي إذا لم ترفع العقوبات

«شل» البريطانية تعتزم تسديد ملياري دولار لإيران بعد رفع العقوبات

تناقضات إيران .. نظام محافظ ومجتمع منفتح

«ناشيونال إنترست»: تصاعد الصراع الداخلي في إيران

الحرس الثوري الإيراني يتطلع للعب دور أكبر في الاقتصاد

‏«روحاني»: الولايات المتحدة أهدرت فرصة الاتفاق النووي ⁦