قناة السويس الجديدة.. أزمة "إيفر جيفن" تكشف فشل رهان السيسي

السبت 27 مارس 2021 03:57 م

باتت قضية جنوح سفينة الحاويات العملاقة في قناة السويس واحدة من أهم الأزمات الدولية خلال حكم الرئيس المصري "عبدالفتاح السيسي"، الممتد منذ 7 سنوات؛ ما جلب تدقيقا غير مرحب به (من قبله) بشأن رهان بمليارات الدولارات أقدم عليه قبل سنوات، وتمثل في مشروع توسعة الممر المائي العالمي.

ففي عام 2015، دشنت حكومة "السيسي" مشروع توسعة للقناة، أطلقت عليها اسم "قناة السويس الجديدة"، قائلة آنذاك إنها تمثل "ولادة جديدة لمصر".

وكان الهدف من "قناة السويس الجديدة"، التي تكلفت 8.5 مليار دولار، هو مساعدة البلاد على طي صفحة اضطرابات الربيع العربي، واستيلاء الجيش على السلطة، الذي أوصل "السيسي" إلى الحكم.

وكانت الحكومة تأمل في أن يعزز المشروع من حركة الشحن بالقناة، ويحقق المزيد من الإيرادات للدولة المصرية، ويعزز مكانة "السيسي" عالميا.

ومع ذلك، لم تتحقق طفرة في إيرادات القناة، التي باتت الآن واحدة من أكثر ممرات الشحن ازدحاما في العالم، في ظل اضطراب لسلسلة التوريد العالمية تسبب فيه جنوح سفينة الشحن الشاهقة "إيفر جيفن"، التي يبلغ ارتفاعها 1300 قدم، الثلاثاء الماضي.

إذ تنتظر حوالي 300 سفينة على طرفي القناة من أجل العبور. ويواجه الشاحنون وشركات التأمين خسائر بمليارات الدولارات.

ونتيجة لذلك؛ يتعرض "السيسي" إلى ضغوط هائلة من أجل إعادة استئناف الملاحة في القناة خلال أقرب وقت ممكن، أو المخاطرة بمستقبل حركة الشحن عبر مصر؛ لأن أسعار النفط الأرخص تجعل الرحلات الطويلة حول جنوبي القارة السمراء (عبر طريق رأس الرجاء الصالح) أكثر تكلفة.

وفي هذا الصدد، قال "أحمد درويش"، وهو وزير ورئيس سابق في عهد "السيسي" لـ"المنطقة الاقتصادية لقناة السويس": "إنهم (المسؤولين المصريين) يحتاجون حقا إلى تقديم انطباع بأننا كفؤون، وإننا بإمكاننا تولي الأمر".

وأضاف: "أعتقد أن الضرر (الواقع على مصر جراء انسداد القناة) هو ضرر تسويقي أكثر من كونه ضرر مالي حقيقي".

ولا يزال المحققون المصريون يعملون لتحديد كيفية جنوح السفينة.

فقد أشار مسؤولون مصريون في البداية إلى سوء الأحوال الجوية، لكنهم عادوا، الخميس، ليقولوا إن التحقيق في الأمر لا يزال جاريا.

وحذر خبراء الشحن البحري من أن الأمر قد يستغرق أياما، إن لم يكن أسابيع؛ لاستئناف حركة الملاحة العادية على طول مجرى القناة.

وخلال الأزمة (حتى الآن)، لم يعلق "السيسي" علنا على إغلاق القناة، وظل بعيدا عن الأنظار إلى حد كبير.

وتأتي الأزمة الحالية على القناة في أعقاب سلسلة من كوارث النقل الأخرى التي حدثت خلال رئاسة "السيسي".

ففي عام 2015، أسقط تنظيم "الدولة" طائرة ركاب روسية فوق شبه جزيرة سيناء؛ ما أسفر عن مقتل 224 شخصا.

وفي عام 2016، تحطمت طائرة تابعة لـ"شركة مصر للطيران" (الناقل الرسمي للدولة) في البحر المتوسط؛ ما أسفر عن مقتل جميع ركابها البالغ عددهم 66 شخصا.

وفي عام 2019، أدى حادث اصطدام قطار وحريق نتج عنه إلى مقتل أكثر من 20 شخصا في "محطة مصر"، وسط العاصمة القاهرة.

وذكرت وكالة أسوشيتيد برس أن قطارين اصطدما جنوبي مصر، الجمعة؛ ما أسفر عن مصرع 32 شخصا على الأقل، وإصابة العشرات.

تمثل أزمة انسداد القناة تحديا من نوع جديد لـ"السيسي"؛ حيث أصبحت متشابكة للغاية مع مكانة مصر ورئيسها نفسه في العالم.

فقد جعل الجنرال السابق مشروع توسيع قناة السويس بقيادة الجيش محور برنامجه الاقتصادي.

وسعى "السيسي" إلى تحفيز الروح الوطنية المصرية من خلال الاحتفالات، التي تم تنظيمها بمناسبة تدشين المشروع، والتي تضمنت دعوة رؤساء دول، وعروض جوية بالطائرات المقاتلة.

أيضا، وعدت الحكومة الشعب بتحقيق عائد هائل من وراء المشروع.

ففي عام 2015، قال الرئيس السابق لهيئة قناة السويس إن توسعة القناة ستضاعف إيراداتها، من حوالي 5 مليارات دولار سنويا إلى أكثر من 13 مليار دولار بحلول عام 2023.

في ذلك الوقت، أشارت الدراسات التي أجرتها الحكومة إلى عائد متواضع تحققه القناة، حسبما ذكرت صحيفة "وول ستريت جورنال".

إذ تمثل عائدات القناة حوالي 1.5% فقط من إجمالي الناتج الاقتصادي لمصر، لكنها تمثل مصدر مهم للعملة الأجنبية لبلد يعاني من عجز تجاري كبير.

ومنذ أن تم توسيع القناة، زادت الإيرادات منها، لكن بأرقام بعيدة عن المعدل الذي توقعته الحكومة.

فقد حققت مصر 5.6 مليارات دولار كإيرادات من القناة العام الماضي، انخفاضا من 5.8 مليارات دولار في 2019، في ظل تباطؤ حركة التجارة العالمية خلال جائحة فيروس "كورونا".

لكن الاحتمال الأكثر خطورة (لعدم ارتفاع إيرادات القناة على النحو المتوقع بعد التوسعة) هو أن المنافسة بين الممرات المائية تعمل على تآكل مكانة القناة، التي كانت مربحة في السابق كممر هام للتجارة الدولية.

فقد أدى انخفاض أسعار النفط إلى خفض تكلفة طريق الشحن حول الطرف الجنوبي للقارة الأفريقية.

كما فتح الاحترار العالمي إمكانية وجود طريق ملاحي آخر عبر البحر المتجمد الشمالي.

ويحذر بعض الخبراء من أن مصر قد لا تحقق مرة أخرى عوائد كبيرة من القناة.

وبهذا الخصوص، قال "يزيد صايغ"، وهو باحث أول في مركز كارنيجي للشرق الأوسط ومؤلف عدة تقارير عن الاقتصاد المصري: "في أحسن الأحوال ما يمكن للمصريين فعله هو الحفاظ على معدل العائد الحالي".

ومن شأن تقلص عائدات قناة السويس إضافة عبء جديد إلى الأعباء الاقتصادية للبلاد، بما في ذلك الوباء الذي أجبر العديد من المصريين على العودة إلى ديارهم من العمل في الخليج؛ حيث كانوا يرسلون للبلاد تحويلات مالية.

كما يؤدي الانهيار في قطاع السياحة إلى مزيد من الضغط على الاقتصاد المصري المهتز.

وقالت "ميشيل دن"، الخبيرة في الشأن المصري والمستشارة السابقة في شؤون الشرق الأوسط بوزارة الخارجية الأمريكية: "يمكن أن تعاني مصر بالفعل من تغير أنماط التجارة العالمية".

تهدف "قناة السويس الجديدة" إلى استيعاب تدفق السفن التي تنقل النفط والملابس والإلكترونيات وغيرها من السلع بين أوروبا وآسيا.

وتضمنت توسيع أجزاء من القناة وحفر مسار موازي للقناة على طول القسم الشمالي منها بين البحر الأبيض المتوسط ​​والبحيرة المرة الكبرى، وهي بحيرة مائية تربط شطري القناة.

لكن سفينة "إيفر جيفن" جنحت في الجزء الجنوبي من القناة، الذي لا يزال به ممر واحد فقط.

إذ لم تحفر الحكومة مسارا ثانيا على طول الجزء الجنوبي من القناة أثناء التوسعة؛ لأنها قررت أن ذلك لن يستحق الاستثمار الإضافي، وفقا لـ"درويش"، الرئيس السابق للمنطقة الاقتصادية لقناة السويس.

وقال "درويش" إن تحقيق عائد الاستثمار المتوقع من توسعة القناة عام 2014 سيستغرق سنوات؛ لذلك اختار المسؤولون استثمارا محدودا، وأرجؤوا ترقيات أخرى في القناة إلى المستقبل.

وأضاف: "في الوقت الحالي لا يوجد عائد متحقق من الاستثمار (مشروع التوسعة) في هذه القناة"؛ في إشارة إلى مشروع محتمل لحفر مسار ثانٍ مواز للجزء الجنوبي من القناة.

المصدر | وول ستريت جورنال/ جاريد مالسين - ترجمة وتحرير الخليج الجديد

  كلمات مفتاحية

مصر قناة السويس إيفر جيفن

للمساعدة بإعادة فتح قناة السويس.. فريق أمريكي يصل مصر السبت

قد تلجأ لرأس الرجاء الصالح.. واردات النفط إلى سوريا تتعطل بسبب أزمة قناة السويس

قناة السويس: الرياح ليست السبب الوحيد لجنوح السفينة العالقة.. ولا جدول للتعويم

السعودية تقدر كفاءة مصر في التعامل مع حادث سفينة قناة السويس

الكوارث تضرب مصر.. حداد ووعود ولجان والفاعل مجهول

أزمة قناة السويس.. أداء النظام المصري ينعش مشاريع الممرات البديلة

إيكونوميست: إيفر جيفن لفتت الأنظار لمشاريع السيسي غير المفيدة مثل سابقيه