«ميدل إيست بريفينج»: كيف يمكن لأمريكا والعرب احتواء إيران بعد الاتفاق النووي؟

الاثنين 9 نوفمبر 2015 01:11 ص

كان الاتفاق النووي الإيراني بالفعل نقطة تحول في ميزان القوى في الشرق الأوسط. كان تأثير الصفقة مكونا من شقين أو طبقتين. من ناحية، فقد أعطى إيران فرصة من أجل تجميد مسيرتها نحو امتلاك السلاح النووي لمدة 15 عاما، في أحسن الأحوال، في مقابل تطبيع علاقاتها الدولية. كما أنه حررها من القيود الثقيلة للعقوبات وملأ خزائنها بأموال كثيرة، كما إنه قد حقن مؤسساتها السياسية بالثقة وأكد لها أن التحدي وعدم احترام المعايير الدولية يمكن في الواقع أن يعود على صاحبه بسخاء.

على مستوى التصورات، فقد ساهم الاتفاق النووي في تضخيم التصورات المسبقة بأن الولايات المتحدة سوف تنسحب من المنطقة، وقد كانت الصفقة مسبوقة بالفعل بانخفاض في معدل الاشتباك الإقليمي للولايات المتحدة. ساعد هذا السياق في تأطير التصور العربي بأن الولايات المتحدة قد وقفت في صف إيران وتخلت عن حلفائها التقليديين في المنطقة.

استمعنا جيدا إلى نظريات غير مخبوزة جيدا حول كون الولايات المتحدة سوف تعمل مع إيران في مرحلة شرق أوسط ما بعد الاتفاق النووي. ورأينا أيضا نظريات أخرى تبالغ في تأثير الصفقة المنتظر على مواقف المعتدلين في طهران، وكيف أنها سوف تساعد «روحاني»، ومع ذلك، فقد سارت الأمور بشكل مختلف.

أكثر عدوانية

اختارت إيران، بعد توقيع الاتفاق، سياسة إقليمية أكثر عدوانية مع ارتفاع سقف طموحاتها الإقليمية. لماذا كانت الافتراضات الخاطئة حول إيران أكثر تعاونا في مرحلة ما بعد الاتفاق النووي بعيدة كل البعد عن حقيقة ما حدث؟

أحد هذه الأسباب قد يكون ناجما عن القراءة الخاطئة لحقيقة نوايا إيران ما قبل الاتفاق، ودور البرنامج النووي في مسار خطتها الاستراتيجية في الشرق الأوسط. لم يكن في الواقع لدى إيران أي نوايا، لا قبل الصفقة ولا حتى بعدها ، لتغيير سلوكها الإقليمي ولا لتنسيق سياساتها مع الولايات المتحدة، هذا على افتراض أن نوايا إيران يمكن تعديلها بموجب اتفاق كان خارج تماما عن السياق، كان ينبغي أن يكون الافتراض الصحيح أن العدوانية الإيرانية سوف تزيد، بدلا من الانخفاض، في أعقاب الصفقة.

على كل حال، فقد شكل هذا الوضع مشكلة بالنسبة لكل من الولايات المتحدة والعرب. الولايات المتحدة، ونتيجة لاستراتيجياتها المسبقة بتقليل الاشتباك في الشرق الأوسط وكنتيجة للاتفاق النووي، فقد تم الحد من نفوذها الإقليمي إلى مستوى مقلق. وقد نوهنا قبل عدة أشهر، وقبيل توقيع الاتفاق النووي، أن الولايات المتحدة تخسر العرب ولا تربح الإيرانيين. أردنا أن نشير إلى مستويات خطيرة من الانخفاض في نفوذ الولايات المتحدة في هذه الفترة.

ومع ذلك، تم توقيع اتفاق على أي حال. في حد ذاتها، قد لا تكون الصفقة مرفوضة بشكل كامل كما أكدنا مرارا وتكرارا. ومع ذلك، فإن المشكلة كانت تكمن على وجه التحديد في توقيع الاتفاق وعواقبه من جهة، واستراتيجية طهران الإقليمية من جهة أخرى.

لذا فقد أنتجت الصفقة سياقا زادت فيه طهران من عدوانيتها الإقليمية، وانخفض فيه نفوذ الولايات المتحدة التي صارت تنتظر لفتة للتنسيق مع إيران وشعر العرب فيه بالتخلي عنهم من قبل الحليف التقليدي. كان هذا التكوين حاملا للمشاكل التي سرعان ما انعكست على الأرض: في وقت لاحق، قامت طهران بدعوة «فلاديمير بوتين» للذهاب إلى سوريا، ومن المحتمل أن يمتد الأمر إلى العراق أيضا. كان من الواضح أن جدول الأعمال الإقليمي يشمل استعداد إيران وروسيا للقيام بدور أكبر في الوقت الذي تحد فيه الولايات المتحدة من نفوذها في المنطقة.

كانت الصورة الكلية مدعاة للسخرية. ففي حين كانت الولايات المتحدة تأمل أن الاتفاق النووي سوف يزيد من نفوذها الإقليمي ويقلل من نفوذ روسيا، فإن «بوتين»، وبدعوة من إيران، كان يتحرك في الاتجاه المعاكس.

كان الاتفاق النووي مفترق طرق في الشرق الأوسط كما رأته كل من الولايات المتحدة وروسيا. والآن، يجب على الولايات المتحدة العودة تدريجيا وبحذر إلى الشرق الأوسط والتخلي عن التفكير بالتمني والنظريات المثالية.

الحاجة إلى خطة جديدة

مع اتضاح صورة انعكاسات الاتفاق النووي على الشرق الأوسط الآن، فإن هناك حاجة أقوى للتنسيق العربي الأمريكي. هذه الاستراتيجية يمكن أن تتلخص في كلمتين: احتواء إيران ومعادلة ميزان القوى. في هذه المرحلة، فإن رحى التطاحن في الشرق الأوسط تدور بشكل أساسي في سوريا والعراق. وفي سوريا والعراق يجب أن يتم تطبيق استراتيجية لتجنيب المنطقة عواقب أي تخريب إيراني في المستقبل.

بالنسبة لأولئك الذين يقولون إن إيران لا تفعل شيئا تخريبيا في المنطقة، فإننا نتساءل ببساطة حول سبب تسلل إيران إلى العراق في أعقاب الغزو الأمريكي، وقيامها بقتل كل من الأمريكيين والعراقيين من أجل تهيئة المشهد السياسي لصالحها. وسوف نسأل عن عصابات إرهابية تابعة لإيران تم توقيفها في الكويت والبحرين والمملكة العربية السعودية، كما أن علينا أن نتساءل حول تلك السفن التي تحمل الأسلحة إلى الحوثيين في اليمن والتي تم رصد توقفها قبالة السواحل اليمنية. كما سنتساءل أيضا عن حقيقة أنشطة الحرس الثوري في لبنان وسوريا والبحرين. هذه الأنشطة بالطبع ليست على قبيل السياحة.

ويجري إعادة رسم توازن القوى في المنطقة الآن من خلال المعركة الدائرة في سوريا. سوريا، حيث تتواجد كل من روسيا وإيران والولايات المتحدة والمملكة العربية السعودية وإيران والعرب وتركيا، هي الاختبار الحقيقي لتشكيل الديناميات الإقليمية. منذ 10-15 عاما، كانت هذه الديناميات مختلفة حيث لم يكن هناك سوى العرب والولايات المتحدة. وترجع التغييرات إلى 3 عوامل: أولها هو زلزال الربيع العربي في عام 2011 بما صاحبه من تداعيات على الأمن الإقليمي، والثاني هو التقدم الكبير لإيران في بناء قدراتها العسكرية، والثالث هو تراجع دور الولايات المتحدة في المنطقة.

في وسوريا والعراق، يجب أن يتم تلقين إيران أن جسورها إلى المنطقة يجب أن تكون محددة عن طريق التجارة والتنمية والتعاون لبناء مستقبل إقليمي مشترك لجميع دولها بدلا من الحروب والتخريب والتدخل لإحداث المزيد من الكوارث مثل تلك التي يعاني منها كل من سوريا والعراق.

في سوريا والعراق تجري معايرة موازين القوى الخاصة بالشرق الأوسط. بالنسبة لأولئك الذين ما زالوا يعتقدون أننا من الممكن أن نشهد إيران أكثر اعتدالا فنحن ننصحهم بالاستعداد لمواجهة المزيد من المفاجآت السيئة. لن يتم تحويل إيران إلى قوة أقل عدوانية، ولكن على العكس من ذلك سوف تتحول إلى قوة أكثر عدوانية في أعقاب الاتفاق النووي. وللمساعدة على إعادة تشكيل سياسات إيران الإقليمية، لا بد أن تعلم أن التخريب سوف يجلب لها المتاعب سواء على مستوى المؤسسات السياسية أو الشعب. للأسف، لا توجد وسيلة أخرى لإقناع الحرس الثوري الإيراني للقيام بأي شيء بطريقة مختلفة. في الواقع، فإن السلام الإقليمي يتعارض تماما مع طبيعة وتكوين قائد فيلق القدس الجنرال «قاسم سليماني». إذا كان هناك سلام إقليمي، فإن هذا يعني أن الجناح الأهم للحرس الثوري سيصبح بلا أهمية. ما الذي يمكن أن يحفز قادة الحرس الثوري للسعي نحو السلام في أوضاع مشابهة؟ في الواقع فإن قلقهم الأكبر في أعقاب توقيع الاتفاق النووي أتي من حقيقة أن إيران ربما يتم دفعها للعب دور إقليمي بناء وأكثر إيجابية.

على الولايات المتحدة والدول العربية إعادة بناء استراتيجتهم الإقليمية وعلاقات العمل من أجل تعليم الإيرانيين حقيقة واحدة بسيطة يبدو أنهم لا يرغبون في استيعابها: إن العالم العربي ليس فارسيا، وأن محاولة جعله فارسيا سوف تكون باهظة التكلفة.

يجب أن لا يتم تخفيض علاقات العمل العربية الأمريكية إلى مجرد صفقات للأسلحة. إذا لم تتوقف إيران عن تدخلاتها ودعوة المزيد من أمثال «بوتين» إلى التدخل، فإن الأزمة الإقليمية سوف تتحول إلى ثقب أسود في النظام العالمي. ينبغي تجنب تكرار تجربة أوروبا قبل الحرب العالمية الأولى في الشرق الأوسط مرة أخرى. ولتجنب ذلك، على إيران أن تفهم ما لم تفهمه بعد. وينبغي مناقشة تدابير واضحة علنا توضح للإيرانيين أن أعمالهم قد يكلفهم ثمنا باهظا. فمن خلال التحدث بصوت عال حول هذا الثمن فإن العالم قد يمكنه أن يثني الإيرانيين عن الاستماع لخطاب المتعصبين. كل من المجتمع الدولي والشعب الإيراني يضعون الشرق الأوسط في خطر كبير إذا كانوا يصدقون البيانات المغلفة بالسكر للمسؤولين الإيرانيين. ما يهم هو الإجراءات، والإجراءات تقول إن السيد «سليماني» يجوب المنطقة كما لو أنه قد ضمها فعليا إلى اهلوسته الوهمية للإمبراطورية الفارسية العظمى التي تنبعث من بين الرماد.

  كلمات مفتاحية

سوريا العراق إيران الاتفاق النووي السعودية بوتين الحرس الثوري

«ميدل إيست بريفينج»: الحاجة إلى سياسة جديدة لاحتواء إيران

إيران .. الاتفاق النووي ومستقبل الأمن الإقليمي

«ناشيونال إنترست»: لماذا لا نتوقع تغيرا في سياسة إيران العدائية في الشرق الأوسط؟

«الاحتواء الجديد»: استراتيجية أمريكية للأمن الإقليمي بعد الاتفاق النووي

«إيكونوميست»: الاتفاق النووي الإيراني قد يشعل الصراع السني الشيعي

نائب قائد «الحرس الثوري» يزعم: سياسات أمريكا والسعودية وتركيا دفنت في سوريا

مسؤولة أمريكية: الاتفاق مع إيران لا يعد تغيرا في سياسة واشنطن تجاه حلفائها

العرب وروسيا .. مواجهة حتمية في سوريا

ماذا فعلت إيران في أوطاننا؟

إيران بعد الاتفاق النووي

ما بعد الاتفاق النووي.. إيران بين «تغيير الداخل» و«العقدة الأميركية»

البيان في أسباب حب الأميركان لإيران