إيران .. الاتفاق النووي ومستقبل الأمن الإقليمي

الأحد 25 أكتوبر 2015 08:10 ص

هناك عدد من الأساليب التي يمكن عن طريقها تحليل تأثير الاتفاق النووي مع إيران، أو ما يعرف بـ(خطة العمل المشترك الشاملة)، على الأمن الإقليمي في المنطقة، من هذه الأساليب، على سبيل المثال، طرح أسئلة من قبيل: هل ستكون المنطقة أقل أمناً، إذا تم تنفيذ الاتفاق، أم أن الفشل في التوصل لاتفاق، كان سيمثل تحديات خطيرة أيضا؟ 

هل التهديد الإقليمي، يتعلق في المقام الأول بإمكانيات إيران في مجال تصنيع الأسلحة النووية، أم أن المشكلة الأكثر خطورة هي وضع إيران الجيوبوليتيكي المعزز، وتعافيها الاقتصادي المتوقع بعد الاتفاق؟ إذا نجح الاتفاق، فهل سيقود ذلك لعهد جديد من العلاقات الأميركية- الإيرانية؟ وهل سيكون تأثير ذلك على دول الخليج سلبياً أم إيجابياً؟

ليس هناك شك في أن «خطة العمل المشترك الشاملة»- في المدى القصير- ستضع قيوداً على قدرة إيران على تصنيع أسلحة نووية إذا افترضنا أنها ستلتزم بشروط الاتفاق.

لو لم يتم التوصل لاتفاق مع إيران، أو لو كان هذا الاتفاق قد رُفض من قبل كونغرس الولايات المتحدة، أو الحكومة في إيران، لكانت إيران قد استمرت في الخضوع للعقوبات الصارمة المفروضة عليها، ولكنها ربما ستكون أيضاً قادرة على استئناف برنامجها الخاص بتخصيب اليورانيوم حتى تصبح على بُعد شهور قليلة من تصنيع قنبلة نووية.

تأجيل المخاوف

هكذا يمكن القول إن أحد منافع الاتفاق يتمثل في أن المخاوف الإقليمية بشأن قنبلة نووية إيرانية وشيكة، يمكن أن تؤجل لعدة سنوات قادمة.

الجانب السلبي للاتفاق، من منظور دول الخليج، هو أنه طالما ظلت إيران ملتزمة ببنود الاتفاقية، فإنها ستتمتع بإعفاء من العقوبات، وتغدو بالتالي قادرة على استئناف تصدير النفط، والغاز بمستويات أعلى من المستويات الحالية. وإذا أخذنا في الحسبان، العدد الكبير من الشركات الأجنبية التي تطمح للعمل في إيران، فإن معنى ذلك أن الاقتصاد الإيراني يمكن أن يشهد نهضة كبيرة.

والسؤال الجيوبوليتيكي المهم في هذا السياق هو ما إذا كانت إيران الأكثر ثراءً وثقةً في النفس، ستصبح أكثر عدوانية في المنطقة، وتلجأ لاستخدام قوتها الاقتصادية في تخويف الجيران.. أم أن تعافيها الاقتصادي في حد ذاته سيجعل منها دولة «أكثر طبيعية»، تتلهف على الاشتباك الإيجابي ليس فقط مع المنطقة، وإنما مع العالم أيضاً، وبالتالي أقل ميلاً للتصرف بطريقة عدوانية، مثلما اعتادت.

إجابات الكثير من تلك الأسئلة، سيعتمد على نتيجة الحروب الحالية المندلعة في العراق، وسوريا، واليمن، وأفغانستان؛ وعلى الحد الذي يمكن لهذه الحروب أن تمضي إليه نحو أن تصبح أكثر طائفية وأيديولوجية، وأكثر قدرة بالتالي، على اجتذاب المزيد من القوى الخارجية إلى ساحتها.

الحرب في سوريا

الحرب المشتعلة الآن في سوريا تشمل عملاً عسكرياً مباشراً من قبل روسيا، وإيران، والولايات المتحدة، وتركيا، والسعودية، والأردن، وفرنسا، والمملكة المتحدة، وتنطوي على مخاطر جسيمة، ليس أقلها إمكانية وقوع مواجهة بين روسيا، وإيران، ونظام بشار الأسد، والقوى الأجنبية الأخرى التي تتشارك في هدف هزيمة تنظيم «داعش»، والعمل من إجل إنهاء نظام بشار الأسد.

 وما لم يتم إيجاد طريقة للتوصل إلى حل دبلوماسي للأزمة المتعلقة بمصير الأسد، فإن الحرب في سوريا ستستمر، بلا هوادة، ويترتب عليها تداعيات رهيبة إن للمنطقة أو أوروبا. ولكن يجب القول في هذا السياق إن الحرب ضد تنظيم «داعش» غير قابلة للحل الدبلوماسي، وستتطلب شن هجوم كبير بقوات برية، للقضاء عليه في نهاية المطاف.

وهذه المستجدات الإستراتيجية بالغة التعقيد، هي التي ستحدد المعالم العامة لمنظومة الأمن الإقليمي على مدى العقد القادم، وكذلك الحد الذي يمكن لإيران الوصول إليه في مجال القدرة على استخدام إمكانياتها النووية، كرافعة لتحقيق طموحاتها الإقليمية الأوسع نطاقا.

 من منظور العرب السنة، فإن واحدة من النتائج التي يمكن اعتبارها إيجابية لذلك الصراع تتمثل في السقوط النهائي لنظام الأسد، وإضعاف القوة والنفوذ الإيراني والروسي في منطقة الشام.

لكن هناك احتمال أن يؤدي ذلك لدفع إيران لتوجيه المزيد من الاهتمام لتعزيز دورها المؤثر في اليمن، وأفغانستان والعراق- على وجه الخصوص.

وما لم تحدث معجزة ما، ويبرز العراق كدولة أكثر ديمقراطية في نهاية المطاف، فإن الاحتمال الأرجح هو أنه سيستمر واقعاً تحت سيطرة حكومات شيعية، ستعمل بشكل ممنهج على تأجيج الانقسامات الطائفية التي ابتُلي بها هذا البلد.

 من ناحية أخرى، سيعني استمرار نظام الأسد، على الأرجح، حضوراً روسياً وإيرانياً أقوى في منطقة الشام، في حين سيبدو «حزب الله» اللبناني بمظهر القوة التي دعمت الجانب الرابح في الحرب.

روسيا.. نفوذ جديد

من المبكر جداً الجزم بما إذا كان التدخل العسكري الروسي في سوريا سيكون له أي تأثير طويل الأمد على بقاء نظام الأسد أم لا. فلو كان له مثل هذا التأثير، فإن روسيا وزعيمها العنيد فلاديمير بوتين، سيكونان قد تمكنا من إعادة تأسيس وجود قوي في الشرق الأوسط.

أما إذا ما وجدت روسيا نفسها عالقة في تدخل عسكري طويل الأمد، تعاني فيه من خسائر متزايدة على الدوام، فإن خطر وقوع صدام مع الولايات المتحدة والعرب، بل ومع الإسرائيليين والأتراك كذلك، سيغدو أكثر احتمالاً.

في ظروف مثل هذه، فإن الطريقة التي ستستجيب بها الولايات المتحدة للتهديدات الجديدة، ستمثل جانباً بالغ الأهمية في المشهد الاستراتيجي، الذي تتشكل ملامحه تدريجياً، في الوقت الراهن.

مقترحات منقوصة

في ذورة السجال الذي دار حول الاتفاق النووي مع إيران، برز عدد من المقترحات المتعلقة بكيفية قيام الولايات المتحدة بتعزيز علاقاتها العسكرية مع أصدقائها في المنطقة، وخصوصاً الأكثر قلقاً منهم من القنبلة النووية الإيرانية.

كان من الضروري أن تشمل تلك المقترحات، إعلان جديد عن سياسة الردع الأميركية في المنطقة، بما في ذلك تعهد الولايات المتحدة بمد نطاق الضمانات الأميركية النووية لحلفائها، إذا نكصت إيران عن الاتفاق، ومضت قدما في تطوير برنامج تصنيع ونشر القنبلة النووية.

 كما أن تلك المقترحات كانت ستشمل أيضا وجوداً أمامياً أكثر رسوخاً للقوات الأميركية في المنطقة، وبيع المزيد من التقنية العسكرية المتقدمة لدولها.

بيد أن المشكلة بالنسبة لدول المنطقة، هي أن مثل هذه اللفتة الأميركية قد ينظر إليها على أنها أصغر مما يجب، ومتأخرة أكثر مما يلزم، وهو ما سيؤدي بالتالي إلى زيادة الضغوط الإقليمية للحصول على أسلحة نووية، لمواجهة أي انفلات إيراني محتمل، في حالة فشل «خطة العمل المشترك الشاملة»، وعودة الأمور مرة أخرى إلى ما كانت عليه قبلها.

ماذا لو صمد الاتفاق؟

وهو ما يثير سؤالاً منطقياً هو: ماذا سيحدث إذا صمد الاتفاق.. وهل سيقود تطبيقه الناجح إلى تقارب بين الولايات المتحدة وإيران؟

إذا أخذنا في الاعتبار التصريحات الأخيرة للمرشد الأعلى علي خامنئي، فإن فرص حدوث ذلك تعتبر ضئيلة؟ ففي السابع من أكتوبر الجاري، قال خامنئي في حديث له إن إجراء المزيد من المباحثات مع الولايات المتحدة بشأن قضايا أوسع نطاقا «أمر ممنوع». وسبب قوله هذا هو أن المرشد الأعلى يعتقد أن الولايات المتحدة تحاول إضعاف بلاده من خلال تحسين علاقاتها معها!

 وخامنئي صريح للغاية في التعبير عن مخاوفه بشأن هذا الأمر، حيث قال ذات مرة «إن جزءا مهما من أنشطة العدو يتمثل في تغيير حسابات المسؤولين، والعبث بالأفكار الثورية والدينية للشعب، والشباب هم الهدف الرئيسي لهذا العدو، ويجب أن يكونوا متنبهين لذلك تماماً».

 ويمثل هذا الرأي من جانب خامنئي مؤشراً واضحاً للغاية على أنه يدرك الخطر الذي يمكن أن يمثله على نظامه الشباب الإيراني المتعلم الذي يريد تواصلاً أفضل مع الغرب.

حسب كل الروايات، فإنه في حين أن خامنئي كان مستعداً للسماح للرئيس روحاني ومفاوضوه، بالتوصل لاتفاق مع مجموعة( 1+5)، والسماح للبرلمان الإيراني بالموافقة على «خطة العمل المشترك الشاملة»، إلا أنه يشعر بالخوف من زيادة شعبية روحاني التي يمكن أن تمنح زخماً لغيره من الإصلاحيين في الفترة التي تسبق الانتخابات البرلمانية المهمة التي ستجرى في فبراير من العام القادم (2016).

فإذا تمكن روحاني وعناصره الإصلاحية من خلال تلك الانتخابات من الاحتفاظ بمناصبهم، بل ونجحوا أيضاً في تعزيز قاعدة قوتهم في البرلمان وخارجه، فإنه لن يكون أمام أي أحد، بما في ذلك خامنئي نفسه، من خيار سوى الموافقة على مضض على توسيع نطاق العلاقات مع الولايات المتحدة ودول الخليج.

صفقات مُغرية

وبالنظر إلى الآفاق الاقتصادية الطويلة الأمد لإيران، فإن الصفقات التجارية مع الغرب والعالم العربي، يمكن أن تكون مغرية للغاية.

فأوروبا، على سبيل المثال، طالما نظرت إلى موارد الغاز الطبيعي الإيراني غير المستغلة كبديل مجدي للاعتماد على روسيا، وهو ما يعني أن مد خطوط أنابيب عبر تركيا إلى أوروبا لنقل هذا الغاز سيكون استثماراً صائباً لجميع الأطراف.

وتحت هذه الظروف، فإن مخاوف دول الخليج المتعلقة بإمكانيات إيران النووية، وخصوصاً بعد 15 عاماً من تجميد عملية تخصيب اليورانيوم في منشأة «فودو» المحصنة داخل جبل بالقرب من مدينة «قم»، قد تصبح أقل حدة، إذا تحسنت العلاقات الشاملة مع طهران. مثل هذا الأفق المستقبلي الوردي، يدعو للتفكير في افتراضات ليس بشأن السلوك الإيراني فحسب، وإنما بشأن موقف ورغبات دول الخليج وغيرها من الدول المجاورة لإيران، بما في ذلك العراق.

فحتى إذا ما توفي المرشد الأعلى، فليس هناك ضمان أن خليفته سيكون أكثر رغبة منه، في احتمال مجتمع منفتح على الخارج وعلى التيارات الحديثة، على الأقل في الأمد القصير.

فبمرور الوقت، يمكن للحماس المكبوت للشباب الإيراني المتعلم للاشتباك أكثر بشؤون العالم والجيران، أن يدفع بإيران كلها إلى عهد جديد من التحديث، وحرية التعبير، ويضع نهاية للقواعد الصارمة، ولكن غير القابلة للفرض في الآن ذاته، المتعلقة باللباس، والفصل بين الجنسين، والرقابة على أجهزة الإعلام.

سيكون السؤال المطروح على دول الخليج في هذه الحالة هو: كيف تتفاعل مع عملية اللبرلة (التحرر) هذه.. هل تعتنقها، أم ترفضها أو تقبل بجاذبيتها العالمية التي لا تقاوم في نهاية المطاف؟

أميركا لن تغادر الخليج

في تقدير كاتب هذا المقال، أن هذه الأمور قد تشكل في مجملها تحدياً يفوق التحدي الذي يشكله التهديد النووي، إذا ما برزت إيران جديدة مصلحة.

أما إذا ما استمرت إيران على صورتها الحالية المنغلقة، والميالة للقتال، والثورية، وتعرض المصلحين للقمع مرة أخرى، كما تعرضوا من قبل، فإن احتمالات المستقبل للمنطقة بأسرها، ستغدو قاتمة وهو ما سيتطلب علاقات أكثر قوة بكثير بين دول الخليج والغرب، والولايات المتحدة، على وجه الخصوص.

بصرف النظر عما يُتداول من شائعات في المنطقة وواشنطن، فإن أميركا ليست بصدد مغادرة الخليج في المستقبل المنظور، يرجع ذلك لأسباب منها أن الولايات المتحدة لديها الكثير من الأصول التي ستتعرض للخطر في حالة مغادرة المنطقة، كما أنه ليس بمقدورها رؤية هيمنتها العسكرية وهي تنتهي، بصرف النظر عما يقوله النقاد، أو يظنونه.

  كلمات مفتاحية

إيران الاتفاق النووي الخليج العلاقات الأمريكية الخليجية أمريكا روسيا التدخل العسكري الروسي

«الجارديان»: السعودية وإيران تدشنان مستوى جديد من الخطاب العدائي

اقتراح لقاء دولي إقليمي يستثني إيران بحثا عن حل في سوريا

الإعلام السعودي يدخل المعركة مع إيران

«رأي اليوم»: الرياض تخطب ود الكرملين حتى لا تكون ضحية المحور الروسي الإيراني

خبراء يمنيون: مبادرة «الحوثي- صالح» مراوغة سياسية بتوجيه إيراني

«رفسنجاني»: إيران فكرت في امتلاك السلاح النووي خلال حرب العراق

انطلاق «حوار المنامة» لدعم استقرار المنطقة والعالم

«ميدل إيست بريفينج»: الحاجة إلى سياسة جديدة لاحتواء إيران

البحرين تمتنع عن إصدار تأشيرة لعضو سابق بفريق إيران النووي

إيران: بدأنا التنفيذ التمهيدي للاتفاق النووي بتخفيض عدد أجهزة الطرد

تناقضات إيران .. نظام محافظ ومجتمع منفتح

«ميدل إيست بريفينج»: كيف يمكن لأمريكا والعرب احتواء إيران بعد الاتفاق النووي؟

مسؤولة أمريكية: الاتفاق مع إيران لا يعد تغيرا في سياسة واشنطن تجاه حلفائها

«ناشيونال إنترست»: تصاعد الصراع الداخلي في إيران

إيران بعد الاتفاق النووي