تؤكد جميع التصريحات التي تصدر هذه الأيام عن اجتماعات فيينا، وجولات المبعوث الدولي «ستيفان ديمستورا»، ان مستقبل سورية يتوقف حول تحقق شرطين:
الأول، القضاء على خطر «الدولة الاسلامية»، والجماعات الجهادية الاخرى المتشددة.
الثاني، انطلاق عملية سياسية تؤدي إلى حكومة انتقالية، وانتخابات رئاسية وبرلمانية، ولكن لا توجد خطط عملية حول كيفية تحقيق هذين الشرطين، أو الأول منهما على وجه التحديد.
بعد حادث تفجير الطائرة الروسية في أجواء سيناء، ومقتل جميع ركابها، وتوجيه معظم أصابع الاتهام نحو «الدولة الاسلامية»، باعتبارها المسؤول الأول، بات واضحا أن خطر هذه الدولة بات عابرا للحدود والقارات أيضا، ولم يعد محصورا في الأرض التي تسيطر عليها على جانبي الحدود السورية العراقية.
حتى هذه اللحظة لم تكشف لنا التحقيقات في هذه الجريمة، وربما لا يراد لها أن تكشف، عن كيفية حدوث هذا التفجير، فهل جرى دس القنبلة في أحد الحقائب، وكيف، أم أن انتحاريا تسلل إلى الطائرة وسط الركاب، وفجر حزامه الناسف فور إقلاعها؟
***
في ظل هذا التكتم الشديد، هناك حلقة مفقودة ربما تسلط الكثير من الاضواء حول هذا التفجير، وتفكك بعض الغازه، حتى أن «الدولة الاسلامية» لجأت الى تكريس هذا الغموض عندما قالت في بيانها الثاني الذي صدر عن «ولاية سيناء» التابعة لها، أنها ستكشف عن الطريقة التي تم من خلالها التفجير «في الوقت المناسب»، ولكنها لم تقل لنا متى سيكون هذا الوقت المناسب، ولا بد أنها استعارت هذه الفقرة من بيانات حكومات عربية.
نظريات عديدة انتشرت صحف ووسائط تواصل اجتماعي، من الصعب تبني أي منها، إحداها تقول أن أحد رجال الأمن في مطار شرم الشيخ تورط في دس القنبلة في إحدى الحقائب بعد مرورها على الجهاز الكاشف للمتفجرات، وأخرى تقول إنه جرى استبدال حقيبة بأخرى، وثالثة تتحدث عن استرخاء عمليات التفتيش، وعدم أخذ الأمر بجدية، لأن الطائرة روسية، وليست أوروبية، وهناك عشرات الرحلات الروسية أسبوعيا إلى هذا المنتجع.
أخطر هذه النظريات تلك التي تحدث عنها خبير عربي يعمل مع الأمم المتحدة، وقال همسا في جلسة خاصة، إن فرضيات لا تستبعد شرب أحد الانتحاريين محلولا معينا، وبعد الاقلاع مباشرة ابتلع «كبسولة» تحول هذا المحلول إلى قنبلة، تنفجر بقوة، وتؤدي إلى انقسام الطائرة في الجو، ولهذا السبب تركز إجراءات الأمن في المطارات الاوروبية إلى منع صعود أي سوائل مع الركاب.
هذه النظريات اذا صحت، ولا نملك أي أدلة على صحتها من مصادر أمنية أو علمية وثيقة، ربما ستحدث أصداء مرعبة في صناعة النقل الجوي، لأنه سيكون من الصعب اكتشاف هذه المادة المتفجرة بالأجهزة المستخدمة حاليا في المطارات.
التكهنات عديدة مثلما قلنا، ومعظمها، أو حتى كلها، سيظل مفتقدا للمصداقية طالما لم يتم نشر نتائج ما ورد في الصندوقين الأسودين للطائرة من قبل الجهات المختصة التي أشرفت على تحليل المعلومات فيهما، والشيء الوحيد شبه المؤكد حتى الآن هو أن الطائرة أسقطت نتيجة انفجار، وليس خللا فنيا، دون تحديد هويته أو المواد المستخدمة فيه.
الأمر الذي يخرج عن نطاق التكهنات ولا يحتاج إلى تأكيد أن «الدولة الإسلامية» تزداد قوة وتمددا، في وقت تتكاثر فيه اجتماعات المسؤولين الروس والأمريكان، ومن يلف لفهم من العرب، يبحثون كيفية مواجهتها والقضاء عليها.
وعندما يقول جنرال أمريكي متقاعد في وزن «بيل ماكرايفن»، القائد السابق للقوات الامريكية الخاصة، إن العالم يخوض «حرب أجيال» مع تنظيم «الدولة الإسلامية»، ويضيف «اذا ثبت أن الدولة تقف خلف انفجار الطائرة الروسية فإن هذا يحتاج الى استراتيجية شاملة لمحاربتها»، ويكشف ضابط سوري في الوقت نفسه، يعمل في قاعدة عسكرية في مدينة حماة في حديث لصحافيين روس ان في قبضة الجهاديين صواريخ مضادة للطائرات من طراز «ستينغر» الأمريكية الصنع قادرة على إصابة أهدافها على ارتفاع 4500 متر، ونجح أحدها في إسقاط طائرة من طراز «ميغ 21» في الرابع من الشهر الحالي فإن الصورة تبدو «غير وردية» على الإطلاق بالنسبة لأعداء هذه الدولة وحربهم ضدها في المستقبل المنظور.
***
لا نتردد في القول بأن هذه «الدولة» متقدمة ودموية في الوقت نفسه، وربما تملك العديد من المفاجآت غير السارة، قد لا يكون تفجير طائرة شرم الشيخ آخرها، ولا نستبعد وجود أسلحة كيماوية في حوزتها، ستستخدمها، إن لم تكن قد استخدمتها فعلا، ضد خصومها، فهي ليست مجموعة من المتشددين «الجهلة» الذين لا يعرفون غير تفجير أنفسهم بأحزمة ناسفة، أو قطع الرؤوس، وحرق الأعداء أحياء، مثلما يتصور الكثيرون في الشرق والغرب، على حد سواء، وإنما مجموعة من العقول في مختلف الميادين العسكرية والأمنية والإعلامية والإدارية.
الأمر يحتاج إلى استراتيجية فعلية لمواجهتها، فمن سيضع هذه الاستراتيجية، وهل قبل المرحلة الانتقالية في سوريا أو بعدها؟ وحتى يحسم هذا الجدل المماثل لنظيره أيهما قبل الآخر: البيضة أو الدجاجة، لا نستبعد مفاجآت اخرى، ربما أكثر دموية في مكان مجهول آخر.