الاتفاق النووي.. حسابات معقدة مع دخول مفاوضات فيينا أيامها الحاسمة

الجمعة 18 فبراير 2022 11:57 م

أعربت الولايات المتحدة في فبراير/شباط الماضي عن استعدادها للعودة إلى المفاوضات لإحياء الاتفاق النووي الإيراني لعام 2015.

وقد اعتبر الرئيس الإيراني السابق "حسن روحاني" هذه التصريحات دليلا على إهانة طهران لـ "الشيطان الأكبر" وتوقع رفع العقوبات فوراً، وكانت تعليقاته دليلاً على فشل النظام الإيراني في فهم كيفية صياغة الولايات المتحدة لسياستها الخارجية بشأن مسائل المصلحة الوطنية.

وكان الهدف الأساسي لإيران من المشاركة في المحادثات مع الولايات المتحدة في فيينا هو الإزالة التدريجية لجميع العقوبات التي تفرضها واشنطن.

ويصر المفاوضون الإيرانيون على أنهم ملتزمون ببنود الاتفاق النووي، بل إنهم مستعدون لتجاوز بنود انقضاء المدة لاستئناف أنشطتهم النووية والحفاظ على مراقبة مكثفة لسنوات إضافية.

لكنهم يقولون إن الولايات المتحدة مترددة في رفع جميع العقوبات - وتطالب الآن بالإفراج عن 4 سجناء أمريكيين في إيران - الأمر الذي يخلق عقبة كبيرة أمام الوصول إلى اتفاق متوازن من وجهة نظرهم.

من غير المحتمل رفع جميع العقوبات

منذ بدء المفاوضات في أبريل/نيسان الماضي، أوضحت إيران أن أنشطتها الإقليمية وبرنامجها الصاروخي غير مطروح على الطاولة.

وعلى عكس المزاج في طهران، روج المفاوضون الإيرانيون بانتظام للتقدم المحرز في فيينا.

وقد ألمح كبير المفاوضين الإيرانيين إلى موقف الولايات المتحدة الحازم بشأن أنشطة إيران غير النووية، قائلاً إن النتيجة المربحة للجانبين ممكنة عندما تحل النوايا الحسنة محل الشك والتعنت فيما عارض المسؤولون الأمريكيون الإنهاء الشامل لنظام العقوبات المفروضة على إيران لأن هناك عقوبات غير مرتبطة ببرنامجها النووي.

وكثيرًا ما يشير المسؤولون الأمريكيون، بمن فيهم الرئيس "بايدن"، إلى أنشطة إيران المزعزعة للاستقرار، بما في ذلك استخدامها لوكلاء إقليميين في لبنان وسوريا والعراق واليمن، كمبررات مقنعة للإبقاء على بعض العقوبات.

وفي وقت سابق، أعرب وزير الخارجية الأمريكي "أنتوني بلينكن" عن عزم بلاده على فرض "أشد العقوبات الممكنة للتعامل مع الدعم الإيراني للإرهاب".

وكررت نائبة "بلينكن"، "ويندي شيرمان"، ما قاله عندما شددت على تصميم الولايات المتحدة "على الإبقاء على العقوبات المتعلقة بانتهاكات حقوق الإنسان ودعم الإرهاب".

وبالنسبة للولايات المتحدة، فإن إلغاء جميع العقوبات سيتطلب أكثر من امتثال طهران لشروط الاتفاق النووي المتفق عليه؛ حيث يستلزم ذلك تغييرا في سلوكها الإقليمي.

قد قدم "بايدن" بعض التنازلات لدفع إيران في هذا الاتجاه.

ومن الأمثلة على ذلك إزالة الحوثيين من قائمة المنظمات الإرهابية الأجنبية لتشجيع التوصل إلى تسوية تفاوضية للصراع هناك. 

كما تجاهل "بايدن" مبيعات النفط الإيرانية للصين. 

لكن إشارات حسن النية لم يكن لها تأثير يذكر، فلم تدفع إيران حلفاءها الحوثيين إلى تقليص جهودهم للاستيلاء على المزيد من الأراضي.

وذهب المفاوضون الإيرانيون إلى فيينا على افتراض أن الولايات المتحدة تريد إغلاق الملف النووي بأي ثمن قبل الانسحاب من الشرق الأوسط للتركيز على المحيط الهادئ.

ونظر الجمهور الإيراني بريبة إلى المهارات الدبلوماسية لفريق الرئيس "إبراهيم رئيسي" المفاوض في فيينا، معتبراً إياهم أقل مهارة من دبلوماسيي "روحاني" ذوي الخبرة.

وأصدر "رئيسي"، وهو متشدد عارض المفاوضات سابقًا، تعليماته إلى فريقه في فيينا بتقديم مطالب متطرفة مثل تأكيدات الرفع الفوري للعقوبات والضمانات بعدم العودة إلى عقوبات الولايات المتحدة والأمم المتحدة.

((3)

لماذا يجب أن تقبل إيران بأقل من ذلك؟

لا يتوقف النجاح في محادثات فيينا على إزالة جميع العقوبات بل على تخفيف العقوبات، فإيران ليس لديها شك بأن بعض العقوبات ستبقى سارية.

وتشتد حاجة إيران إلى هدنة مع الولايات المتحدة لاستعادة بعض أصولها الأجنبية المجمدة والبالغة 100 مليار دولار، لتمويل أهداف سياستها الخارجية واحتياجاتها المحلية الملحة.

ولا تستطيع إيران تحمل فشل محادثات فيينا لأن ذلك سيعني مزيد من التدهور الاقتصادي إلى جانب عمل عسكري محتمل ضد منشآتها النووية في حالة انهيار المسار الدبلوماسي.

وقبل الوصول إلى اتفاق 2015، سجل الاقتصاد الإيراني معدل نمو بلغ -1.3%.

وفي عام 2016، نما بنسبة 13.4%.

وبعد أن انسحاب الرئيس "دونالد ترامب" من الاتفاق تراجع الاقتصاد الإيراني مرة أخرى إلى الركود بنمو نسبته 6.8%.

ولا يمكن لإيران أن تتحمل تبعات العقوبات الإضافية وتداعيات الحرب وسط استياء شعبي متزايد.

لقد منح "بايدن" إدارة "رئيسي" متسعًا من الوقت لتعديل سياساتها وخفض توقعاتها بشأن إسقاط العقوبات دون تغيير جذري في سياسات طهران العدوانية.

الوقت ينفد والفشل في التوصل الى اتفاق ولو مؤقت سيكون على حساب ايران.

ومع ذلك، يبدو "رئيسي" متشددا ففي خطاب تحدٍ في الذكرى 43 للثورة الإسلامية، قال غاضبًا إن القيادة الإيرانية وضعت أملها "في الشرق والغرب والشمال والجنوب ... ولم يكن لديها أمل في فيينا ونيويورك".

لقد كان خطابه أجوفًا لأن إيران لم تكن لتذهب إلى فيينا لو لم تأمل في تحقيق اختراق دبلوماسي دون المساس بطموحاتها الإقليمية.

إن علاقات إيران مع الدول العربية في حالة اضطراب بسبب حملتها الحثيثة لإكراه هذه الدول على الاعتراف بتفوقها الإقليمي.

كما أنه لا يوجد مصلحة لروسيا والصين في صعود إيران كقوة إقليمية مهيمنة، وهما تدعمان طهران فقط لتقويض المصالح الغربية في الخليج.

لا نعرف تمامًا ما الذي يجري في فيينا، خاصة أن "بلينكين" قال إن لدى الولايات المتحدة مخاوف تتجاوز برنامج إيران النووي.

ولم يكن من الصعب العودة إلى الاتفاق إذا لم تكن هناك قضايا أخرى حيث يوجد لدى العديد من البلدان الأخرى، مثل الأرجنتين وجنوب أفريقيا، برامج نووية تسببت في القلق لكن تم حل هذه المخاوف مع الوكالة الدولية للطاقة الذرية بينما نجد أن قضايا إيران مع الغرب ودول الشرق الأوسط تتجاوز برنامجها النووي، وتمتد إلى سياساتها الإقليمية المزعزعة للاستقرار.

وبالنظر إلى الضغوط الشعبية، لا يملك "رئيسي" رفاهية السماح لمفاوضيه في فيينا بالحفاظ على موقفهم الحازم.

وبينما كان "رئيسي" يحتفل بذكرى الثورة، وضع الإيرانيون الغاضبون في طهران لافتات في الشوارع كتب عليها "الموت للديكتاتور والجمهورية الإسلامية".

وفي مدينة "فرديس"، شوهت بعض الملصقات قدسية المرشد الأعلى التي كانت لا تشوبها شائبة.

طموحات إيران غير القابلة للتحقيق

تلعب إيران لعبة محفوفة بالمخاطر لا يمكنها الفوز بها.

إنها تقدم نفسها على أنها نموذج للإنسانية ولكنها لا ترغب في التصرف كدولة طبيعية تتجنب التدخل في الشؤون الداخلية لجيرانها لأن قادتها يعتقدون أنهم في مهمة لتصدير الثورة وتحقيق مكانة بارزة في الشؤون العالمية.

وقد أوضح وزير خارجية سابق هذا الخيار الأيديولوجي، قائلاً: "لقد اخترنا أن نعيش بطريقة مختلفة ولا نريد شخصًا يخبرنا كيف نعيش".

وتبدو طهران غير مستعدة للتخلي عن طموحاتها الإقليمية وعن وكلائها الذين منحوها قوة إقليمية، وهي تفضل التعايش مع بعض العقوبات للحفاظ على إنجازاتها على مدى 4 عقود بدلاً من إجبارها على التراجع والتركيز فقط على السياسة الداخلية، وهو الأمر الذي سيعني أن الثورة الإسلامية فشلت.

حملت إيران الاضطرابات أيضا إلى تركيا حيث اعتقلت السلطات التركية مؤخرًا 14 عضوًا في شبكة تجسس مسؤولة عن اختطاف نشطاء إيرانيين معارضين فضلا عن التخطيط لاغتيال رجل أعمال إسرائيلي للانتقام لمقتل العالم النووي "محسن فخري زاده" في نوفمبر/تشرين الثاني 2020.

بالإضافة إلى ذلك، حذرت جماعة إيرانية في العراق تحمل اسم "كتائب الوعد الحق" الإمارات من أن هجماتها لا تقتصر على الطائرات بدون طيار والصواريخ البالستية، وحثت ولي عهد أبوظبي "محمد بن زايد" على اغتنام الفرصة والانسحاب من حرب اليمن قبل تدمير التقدم الذي أحرزته الإمارات منذ تأسيسها عام 1971. 

وقد ردت الولايات المتحدة وإسرائيل على عداء وكلاء إيران اليمنيين والعراقيين بالتعهد بالدفاع عن السعودية والإمارات.

وفي الأسابيع الأخيرة، حقق التحالف الذي تقوده السعودية في اليمن تقدمًا إقليميًا كبيرًا ضد الحوثيين، مما دفعهم للتراجع عن شبوة الغنية بالنفط ومعظم مأرب، بالإضافة إلى معقل مهم للحوثيين في صعدة. وستحدد السيطرة على الأراضي في اليمن شكل أي تسوية تفاوضية لإنهاء الحرب.

وفي سوريا، شنت إسرائيل أكثر من 1000 غارة جوية ضد الجماعات المرتبطة بإيران مثل "لواء القدس" والميليشيات الشيعية العراقية و"حزب الله".

وكانت القيادة الإسرائيلية مترددة في شن أول غارة جوية في عام 2013 خوفا من الانتقام، لكن لم يرد النظام السوري ولا إيران ووكلائها.

وشجع ذلك إسرائيل على شن غارات لاحقة، بما في ذلك عمليات الكوماندوز الأخيرة.

ويعد طرد إيران من سوريا هدف إسرائيلي حاسم لا يعارضه الروس في الحقيقة، بالرغم من تصنعهم المعارضة العلنية.

ولا تزال إيران غير مستعدة للعيش في وئام مع جيرانها.

يؤمن الملالي الحاكمون بالتفكير الديني الذي كان معمولا به في العصور الوسطى.

ولا تتوافق سياساتهم الداخلية، ناهيك عن المغامرات الخارجية، مع ذوي العقلية العلمانية في إيران.

لقد قام الإيرانيون بثورتين في القرن العشرين، في عامي 1905 و 1979.

وأدى التدخل الأنجلو-روسي إلى تخريب الأولى، واختطف "الخميني" الثورة الثانية.

ودائما الفعل الثالث هو الذي يأتي بنتيجة.

المصدر | هلال خاشان/ جيبوليتكال فيوتشرز - ترجمة وتحرير الخليج الجديد

  كلمات مفتاحية

الاتفاق النووي رئيسي الثورة الإيرانية الحوثيون فيينا محادثات فيينا

الخارجية الإيرانية: المحادثات النووية في فيينا لم تصل إلى طريق مسدود

شولتس: فرص إحياء الاتفاق النووي الإيراني تتضاءل.. وحانت لحظة الحقيقة

اتفاق نووي وشيك.. إيران: لم نكن قريبين من صفقة كما نحن الآن

جانتس يبحث ونائبة الرئيس الأمريكي تطورات محادثات فيينا مع إيران

الشورى الإيراني لرئيسي: لا تلتزم بأي اتفاق في فيينا إلا بـ5 شروط

هل أصبح الاتفاق النووي بين إيران وأمريكا على الأبواب؟