وفاة أيمن هدهود.. ريجيني جديد في مصر

الثلاثاء 12 أبريل 2022 11:49 ص

تسلط وفاة الباحث الاقتصادي المصري "أيمن هدهود"، الأضواء على مآسي الإخفاء القسري في البلاد، والتي تزايدت خلال حكم الرئيس الحالي "عبدالفتاح السيسي".

وتحظى القضية المثارة محليا ودوليا، باهتمام إعلامي كبير، بعد احتجاز الراحل بصورة غير قانونية في مقر جهاز "الأمن الوطني" (جهة استخباراتية داخلية) التابع لوزارة الداخلية في منطقة الأميرية بالقاهرة، قبل أن يتم إيداعه في مشرحة للجثث، الشهر الماضي.

وتحيط الشكوك بالروايات المتداولة رسميا بشأن وفاة عضو الهيئة العليا لحزب "الإصلاح والتنمية"، في ظروف غامضة، ما يعيد للأذهان واقعة مقتل طالب الدكتوراه الإيطالي "جوليو ريجيني" العام 2016، في القاهرة، وسط اتهامات لأربعة ضباط شرطة مصريين بالمسؤولية عن تعذيبه حتى الموت.

رواية الأسرة

وفق رواية شقيقه المحامي المصري "عمر هدهود"، فإن "أيمن" خريج الجامعة الأمريكية، تعرض للإخفاء القسري مساء يوم 3 فبراير/شباط الماضي، بعد تناول العشاء معه في حي الزمالك بقلب العاصمة المصرية القاهرة.

لاحقا، حاولت الأسرة معرفة مكان احتجازه، لكنها لم تتوصل لمعلومة، حتى فوجئت بأمين شرطة يخبرها بالقول: "أيمن عندنا"، وبالبحث والسؤال في قسم شرطة الأميرية التابع له محل سكنه، تبين أنه كان موجوداً بالقسم لأيام، حيث تم احتجازه في مبنى الأمن الوطني في الأميرية، بحسب "الشبكة المصرية لحقوق الإنسان".

بعد أيام، توصلت الأسرة المكلومة إلى أن "هدهود" متواجد في مستشفى الأمراض العقلية بالعباسية، لكن المستشفى أنكر وجوده في البداية، ثم أقر بوجوده تحت الملاحظة لمدة 45 يوماً، وأنه لا يسمح بزيارته إلا بإذن من النائب العام والنيابة العامة، وهو ما دفعها إلى محاولة استخراج تصريح بالزيارة، ليتم إبلاغها من قبل النيابة المصرية بأن "أيمن" ليس محبوسا على ذمة أي قضية.

هذه التطورات زادت من قلق الأسرة، التي تقدمت بشكل عاجل ببلاغات إلى النائب العام المصري، ووزارة الداخلية، والمجلس القومي المصري لحقوق الإنسان، معلنة اختفاء نجلها، ومطالبة بالكشف عن مصيره.

فجر الأحد 10 أبريل/نيسان الجاري، كانت المفاجأة، بإعلان الأسرة وفاة الباحث بمجال التنمية ومكافحة الفساد بالشركات الصغيرة والمتوسطة، في ظروف غامضة، وبشهادة وفاة مثيرة للجدل، تحمل عبارة "قيد البحث" في خانة "سبب الوفاة".

مقابر الصدقة

يزيد الجدل حول وفاة "هدهود" الذي عمل حتى وفاته مراقبا ماليا في الجامعة الأمريكية، صدور تصريح دفن له من نيابة مدينة نصر (شرقي القاهرة)، بدفنه في "مقابر الصدقة" باعتبار أنه "مجهول الهوية"، وهو ما رفضه شقيقه "عادل هدهود"، مؤكداً للنيابة أن "أيمن" كان يحتفظ بأوراق هويته الشخصية حين اعتقاله.

تواصل التخبط الرسمي إزاء الواقعة، بمنع شقيق الضحية من تصوير "هدهود"، بعد معاينته لجثمانه، ليكتشف كسورا في جمجمته، حاول تصويرها، لكن العاملين بالمستشفى منعوه وأجبروه على حذف الصور التي التقطها، بحسب وسائل إعلام مصرية.

والراحل (42 عاما)، سبق له خوض انتخابات البرلمان في 2010 بدائرة الزيتون أمام رئيس ديوان رئيس الجمهورية الأسبق "زكريا عزمي"، كما كان يكتب تحليلات اقتصادية تخالف سياسات نظام "السيسي".

وفق شقيقه "عمر" (محام )، فإن "رئيس لجنة الحقوق المدنية والسياسية في المجلس القومي لحقوق الإنسان محمد أنور السادات كان الحلقة الأخيرة في التدخل لإعلان ظهور أيمن، قبل محاولة السلطات دفنه في مقابر الصدقة كمتوفى مجهول، وتندثر سيرته دون معرفة مصيره، شقيقي كان يحمل البطاقة الشخصية الخاصة بعد وقت اختفائه وعنوانه معروف فكيف يتم التعامل حتى مع جثته بهذه الطريقة".

مختل عقليا

ما يثير الريبة حول الواقعة، البيان الصادر عن وزارة الداخلية المصرية، والذي زعم أن "هدهود" لم يختف قسريا، ولكن ألقي القبض عليه إثر بلاغ بتاريخ 6 فبراير/شباط 2022، دون الكشف عن رقم البلاغ، وهو ما يتناقض مع رواية شقيقه التي أفادت بأنه اختفى قسريا مساء يوم 3 من الشهر ذاته.

وفي محاولة لحبك الرواية الرسمية، برر البيان القبض عليه بأن بلاغ من حارس أحد العقارات بمنطقة الزمالك بالقاهرة (لم يسمه البيان)، "بتواجد المذكور داخل العقار ومحاولته كسر باب إحدى الشقق وإتيانه بتصرفات غير مسؤولة.. وقد تم اتخاذ الإجراءات القانونية في حينه وإيداعه بإحدى مستشفيات الأمراض النفسية بناءً على قرار النيابة العامة".

كذلك حاولت النيابة المصرية تدعيم رواية "الداخلية"، بأنها "حاولت استجواب هدهود في ما نُسب إليه من اتهام بالشروع في السرقة، ولكن تعذر استجوابه لترديده كلمات غير مفهومة، وتشككت في سلامة قواه العقلية، فاستصدرت أمراً من المحكمة المختصة بإيداعه أحد المستشفيات الحكومية"، دون إخطار أهله أو جهة عمله، أو السماح لذويه بزيارته.

وأضافت النيابة أنها "أُخطرت بوفاة المتهم بالمستشفى المودع بها جراء هبوط حاد في الدورة الدموية وتوقف عضلة القلب، فناظرت النيابة العامة جثمانه، وتبين لها خلوه من أي إصابات، كما انتدبت مفتش الصحة لتوقيع الكشف الظاهري على جثمانه، فتأكد عدم وجود شبهة جنائية في وفاته، وأكدت تحريات الشرطة كذلك أنه لا توجد شبهة جنائية في وفاته".

شكوك وتساؤلات

تلاحق التساؤلات الروايتين الصادرتين عن "الداخلية" والنيابة المصريتين، أولها لماذا التضارب بين تاريخ إخفاء "هدهود" قسريا وتاريخ البلاغ المحرر بواقعة السرقة المزعومة، وثانيا لماذا تم منع أهله من زيارته خلال تواجده بمستشفى العباسية، وثالثا لماذا تم إبلاغ أسرته بأنه ليس محبوسا على ذمة أي قضية؟.

يبقى التساؤل الأخطر، لماذا جرى تقييد الراحل باعتباره "مجهول الهوية"، وسط محاولات رسمية لدفنه في مقابر الصدقة، وإسدال الستار على حقيقة وفاته؟.

كذلك كيف دخل مستشفى الأمراض النفسية بهويته المعروفة، كما أشارت الرواية الأمنية الرسمية، تم تحرر شهادة وفاته باعتباره مجهول الهوية؟.

كذلك تساءل "حسام بهجت"، المدير السابق للمبادرة المصرية للحقوق الشخصية: "لماذا تم إخفائه وهو متهم في قضية عادية؛ اقتحام بغرض السرقة، ولماذا تم إخفاء خبر وفاته لمدة تزيد عن شهر؟، بحسب موقع "مصر 365".

وفارق "هدهود" الحياة" في الخامس من مارس/آذار الماضي، بحسب ما وثقته أوراق النيابة الرسمية، أي قبل أكثر من شهر من تاريخ إبلاغ أسرته بوفاته، وهو ما يعزز الشكوك المثارة حول ملابسات مقتله.

ويشكك عضو المجلس القومي لحقوق الإنسان "جورج إسحاق"، في بيان الداخلية المصرية، قائلا لموقع "الحرة" إن "المعلومات كلها مشوهة، والداخلية نفت أنها قبضت عليه وهذا كلام لا يعقل".

وأضاف: "كيف لرجل معروف يتهم بأنه كان يقتحم شقة، الكلام كله لا يعقل"، مؤكدا أن ما حدث مع "هدهود"، بمثابة "حالة اختفاء قسري بكل ما في الكلمة من معاني".

ويلوم المدير التنفيذي للشبكة العربية لمعلومات حقوق الإنسان "جمال عيد،"، على النيابة العامة عدم إصدار بيان لتوضيح ملابسات الواقعة، والسماح للداخلية باستباق التحقيقات ببيان، في حين أنها أحد أطراف القضية بمحاولة التعتيم وتضليل العدالة، على حد قوله.

وطالبت المنظمة المصرية لحقوق الإنسان، بالتحقيق في الواقعة، لافتة إلى أن وزارة الداخلية، نفت إخفاء "هدهود" قسريا، واتهمت الداخلية صفحات تابعة لجماعة "الإخوان المسلمون" على وسائل التواصل بتداول تلك المزاعم، بحسب بيانها.

تدخل حكومي

دخل على خط الأزمة، المجلس القومي لحقوق الإنسان (حكومي)، مطالبا في بيان، "بضرورة شمول تحقيقات النيابة العامة لكل ما أثير حول ادعاء تعرض أيمن هدهود للاختفاء القسري قبل وفاته".

الخطير ما طالبت به "الجبهة المصرية لحقوق الإنسان" (منظمة مجتمع مدني مستقلة)، بفتح تحقيق مستقل يشمل الأطباء المسؤولين عن حالة "هدهود"، وطبيعة ومستوى العلاقة الحالية بين جهاز "الأمن الوطني" والمسؤولين فيها، لضمان عدم تحولها إلى مقر احتجاز غير رسمي لصالح جهات أمنية، يودع فيه الأشخاص بصورة غير قانونية.

وكانت منظمة "كوميتي فور جستس" الحقوقية، حذرت في أغسطس/آب 2021، من أن ظاهرة الاختفاء القسري في مصر لم تعد مجرد حالات يتم رصدها أو توثيقها؛ ولكنها أضحت سياسة ممنهجة ومستمرة ضد المعارضين.

وفي مارس/آذار 2021، قالت منظمة العفو الدولية إن "لدى السلطات المصرية سجلاً طويلاً قاتماً من الإخفاء القسري والتعذيب لأشخاص تعتبرهم معارضين أو منتقدين".

وتقدر منظمات حقوقية مصرية عدد المختفين قسریاً بالبلاد خلال حكم "السيسي"، بـ11224حالة إخفاء  قسري تشمل كافة الأعمار السنية، من بينها 3045 حالة إخفاء قسري في العام 2020.

المصدر | الخليج الجديد

  كلمات مفتاحية

أيمن هدهود وزارة الداخلية المصرية النيابة المصرية الإخفاء القسري السيسي العفو الأمن الوطني

منظمات حقوقية تتهم السلطات المصرية بإخفاء حقيقة وفاة الباحث أيمن هدهود

مصر.. النيابة تغلق ملف وفاة الباحث أيمن هدهود: لا شبهة جنائية

مصر.. العفو الدولية تطالب بتحقيق مستقل في وفاة أيمن هدهود

مصر.. تفاصيل جديدة عن الساعات الأخيرة في حياة أيمن هدهود

نيويورك تايمز: هل قادت أبحاث هدهود عن اقتصاد الجيش المصري إلى مصرعه؟

اختفاء شاب فرنسي في مصر بظروف غامضة.. هل يكون ريجيني جديد؟