الروبي نموذجا.. عذابات يومية للمطلق سراحهم بمصر أو إعادة الاعتقال

الأحد 2 أكتوبر 2022 10:28 ص

ما بين ضيق أسوار السجن والتمتع بالحرية الجزئية، يفاجأ المفرج عنهم في مصر بعذابات يومية مفروضة عليهم بقوانين مشبوهة غير دستورية.

أقل هذه العذابات هي: المتابعة الأمنية، وقطع الأرزاق، والفصل التعسفي من الوظائف، ومصادرة الأموال والممتلكات، والمنع من السفر، وحرمان الأبناء من الالتحاق بالوظائف، بل وفصلهم من أعمالهم نكاية في الأسرة المعارضة.

وقد حولت هذه الإجراءات مصر الدولة إلى سجن كبير لكل من خرج من السجون أو حتى لكل مواطن لم يدخل السجن.

ولعل إعادة اعتقال الناشط السياسي "شريف الروبي"، بعد نحو 4 أشهر من الإفراج عنه، ما يؤكد أنه لا حصانة للمفرج عنهم من قبل النيابة العامة أو بقرارات عفو رئاسية.

وعلى مدى العقد الماضي، عندما شدد الرئيس المصري "عبدالفتاح السيسي"، قبضته على السلطة في بلاده، جرى حسب منظمات حقوقية، اعتقال عشرات الآلاف من السجناء السياسيين، ولكن مع اقتراب موعد الحوار الوطني المرتقب، أطلق سراح البعض منهم.

وكان "الروبي"، أحد من تم إطلاق سراحهم، إلا أنه أعيد اعتقاله مؤخرا، بعد ظهوره على قناة "الجزيرة مباشر"، متحدثا عن معاناته بعد الخروج من السجن، وأنه لا يستطيع العمل والسفر والحركة بحرية.

وأثارت المداخلة مع قناة "الجزيرة"، وتغريداته المعارضة على "تويتر" حفيظة أجهزة الأمن، حيث عبّر ما قاله "الروبي" عن عكس ما يتم الترويح له في الخطاب الرسمي بشأن الحرية الكاملة للمفرج عنهم، وعدم فرض قيود عليهم من أي نوع، ما دفع إلى إعادة اعتقاله.

وقال "الروبي" خلال المداخلة: "أُجري هذه المداخلة للحديث عن معاناة المعتقلين بعد الإفراج عنهم، ولا نتحدث هنا عن النظام ولا معارضته، قد أتعرض بعد هذه المداخلة للاعتقال مجددا".

وأضاف أن "أي معتقل سياسي عندما يخرج (من السجن)، مهما كان وضعه، يكون في وضعية سيئة للغاية".

وتحدث "الروبي" عن معاناته ومعاناة بعض الزملاء الذين خرجوا من السجن اجتماعيا واقتصاديا، وقال: "أنا وعبد الرحمن طارق موكا وكثير من الناس الذين خرجوا الفترة الأخيرة، والذين خرجوا من قبلنا، نعاني من مشاكل كثيرة من بينها الضائقة المالية، وعدم وجود عمل حتى أنني ذهبت لمحل فول وطعمية في منطقة شعبية للعمل، ولكن بمجرد أن علم صاحب المحل بوضعي، رفض عملي معه".

ونقلت المحامية "ماهينور المصري"، وهي معتقلة سابقة أيضا، عن أحد المحامين الذي حضر التحقيق مع "الروبي"، أن النيابة واجهته بما كتبه من آراء على "فيسبوك" عن صعوبة الأوضاع بعد السجن.

وأضافت أن "الروبي شرح لوكيل النيابة وضعه الاقتصادي الصعب كأب لأسرة بها 3 أطفال بالمدرسة، ولا يجد وظيفة بسبب ظروف حبسه".

وأذكى إعادة اعتقال "الروبي"، على خلفية تصريحاته عن أوضاعه المعيشية الصعبة بسبب الملاحقة الأمنية، تعاطفا واسعا وشجع المعنيين بقضايا المعتقلين على تسليط الضوء على تلك المشكلة.

وحسب استطلاع آراء بعض المعتقلين السابقين، سواء من النشطاء السياسيين أو المنتمين لجماعة الإخوان، أو من أحزاب ليبرالية، أو حتى المواطنين العاديين الذين انتقدوا النظام عبر بعض حساباتهم الشخصية على مواقع التواصل، فقد أكد أغلب هؤلاء أن "كثيرين ممن أفرج عنهم صدموا بعدم قدرتهم على العمل بسبب المضايقات الأمنية، حتى ضاقت بهم الأرض بما رحبت".

ويحكي "محمود" (اسم مستعار) الأستاذ الجامعي، عن صعوبة استعادة حياته وإصلاح الأضرار التي طالته هو وأسرته لنحو عامين وأربعة أشهر قضاها في الحبس الاحتياطي على ذمة قضية اتهم فيها بالانتماء إلى جماعة إرهابية.

وأُفرج عن "محمود" بعفو رئاسي منذ عدة أشهر، لكنه فوجئ بقرار فصله من جامعته، بعد نحو شهرين من قرار الإفراج، ليجد نفسه أمام أزمة جديدة.

في حديثه مع "بي بي سي"، يقول "محمود"، إنه توجه إلى جامعته بعد الإفراج عنه بأيام، مطالبا باستعادة عمله، لكن الجامعة طالبته بخطاب من نيابة أمن الدولة يفيد بموقفه القانوني.

أضاف "محمود" أنه أوضح لإدارة الجامعة أن النيابة لا تخاطب الأفراد، خاصة أن مدة الاحتجاز طويلة.

ويعاني "محمود" مما وصفه بـ"آثار غير محدودة" على المستوى المادي والمعنوي، بسبب توقفه عن العمل بسبب ما يصفه بـ"البيروقراطية والتعنت الإداري"، لكنه يحاول مواجهة التأثيرات التي نتجت عن فترة احتجازه.

المشكلة ذاتها يواجهها "حسين" (اسم مستعار) الموظف الكبير بإحدى الشركات الحكومية، والذي تم احتجازه لمدة عامين وشهرين للتحقيق معه في اتهامات بالانضمام لجماعة إرهابية ونشر أخبار كاذبة وإساءة استخدام مواقع التواصل الاجتماعي.

وقال: "خرجت من الحجز بعفو رئاسي ولم أتمكن من العودة إلى عملي، لأني مازلت مقيدا على ذمة القضية، وبعض الشركات والجامعات وأماكن العمل لا تفضل إعادة من هم على ذمة قضايا إلى أعمالهم على اعتبار أنهم مذنبون، رغم أننا لم ندان، وقلب القانون يقول إن المتهم برئ حتى تثبت إدانته".

وحاول "حسين" العودة إلى عمله بعد إخلاء سبيله، لكن إدارة عمله رفضت تسليمه مهامه، وطالبته أيضا بالحصول على شهادة من نيابة أمن الدولة العليا تفيد بفترة احتجازه، وحفظ التحقيقات في القضية المتهم فيها، وهو الطلب الذي يصفه الموظف الحكومي بـ"التعجيزي".

وتابع: "بما أن الموضوع من بدايته استثنائي، نتمنى أن يكون الحل استثنائي من الإدارة السياسية".

وتساءل "حسين" عن الطرق التي يمكن عبرها حل الأزمة: "يحتاج الموضوع إلى وقت وبالنسبة لي وللعديد من الأشخاص، لن نتحمل لا ماديا ولا نفسيا أن نبقى من دون دخل للأسرة، خاصة وأن مثل هذه القضايا قد تستمر لسنوات، كيف ستتصرف حينها، وهل نظل نتقاضى نصف الراتب إلى ما لا نهاية؟.. في النهاية ليس بأيدينا إسقاط التهم أو غلق القضايا".

وقال المحامي والمعتقل السابق "ع.ع" إن "النظام لا يقدم أي ضمانات بعدم اعتقالك مجددا لأي سبب، مما يجعل لديك هواجس باعتقالك في أي وقت".

وأضاف في تصريحات لـ"الجزيرة": "اضطررت إلى مغادرة مصر بعد اعتقالي أكثر من مرة واستمرار ملاحقتي والتضييق علي، ولأني محام كان من الصعب أن يزورني أي عملاء، لأنهم لن يتعاملوا مع محام مهدد بالاعتقال في أي وقت".

من سابق تجربته، أكد أن "المفرج عنهم لا يتم قبولهم في أي وظيفة غالبا، حتى وإن كان عملا شاقا، لأن صاحب العمل يتخوف من توظيفهم حتى لا يرى قوات الأمن تداهم مقر عمله وأكل عيشه ويخرب بيته، أما بخصوص الصادر بحقهم أحكاما نهائية، فإنهم يفصلون من وظائفهم نهائيا ويتركون في الشارع".

أما "م.ع" والذي كان يعمل مدرسا بوزارة التربية والتعليم، فاعتقل لنحو 10 أشهر بسبب نشاطه على مواقع التواصل الاجتماعي، فقال: "أنا مواطن عادي طبيعي، لا أنتمي إلى حزب سياسي وليس لدي نشاط سياسي، ولم يخطر ببالي أن تداهم قوة أمنية المنزل وتروع الصغار والكبار، لإلقاء القبض علي كأني أحد المجرمين المسجلين خطر، ولم أعلم بسبب اعتقالي إلا بعد أن تمت مواجهتي بآرائي على صفحتي بموقع فيسبوك".

وأضاف: "كنت أعتقد أن عودتي للبيت هي نهاية كل شيء، ولكني فوجئت أن مستقبلي وأسرتي باتا على المحك، بسبب فصلي من العمل الذي طلب ما يثبت أنني كنت محبوسا احتياطيا وقت انقطاعي عن العمل، لكن نيابة أمن الدولة لا تمنح شهادات بمدد الحبس الاحتياطي للمفرج عنهم، لكني نجحت في العودة للعمل من خلال واسطة".

ووفق تقارير حقوقية، ففي إطار التضييق على المعارضين في مجال العمل، فصلت وزارات الدولة المختلفة آلاف الموظفين سواء في الصحة أو التعليم أو الأوقاف أو غيرها من الوزارات بسبب انتماءاتهم وآرائهم السياسية، رغم أنهم لم يلق القبض عليهم ولم يحبسوا على ذمة أي قضايا سياسية.

وفي القانون رقم 10 لسنة 1972، لا يسمح بفصل الموظفين بغير الطريق التأديبي، لكن المشرع المصري أجرى تعديلات على القانون في نوفمبر/تشرين الثاني 2020، وواجهت انتقادات حادة باعتبارها تهدف "للتنكيل بالموظفين ذوي الآراء السياسية المعارضة للحكومة".

والفصل بغير الطريق التأديبي يعني الفصل المباشر بقرار إداري، دون العرض على جهات التحقيق المختصة بالتعامل مع الموظفين، ومن دون أن يكون القرار صادرا من النيابة الإدارية، وحتى من دون عرض الأمر على القضاء.

من جانبه، يقول المحامي الحقوقي "نجاد البرعي"، إن هذه الإجراءات بأنها "ممارسات بعيدة عن القانون"، مؤكدا أنه لا يوجد قيود قانونية تمنع عودة المتهم الذي اٌحتجز على ذمة قضية إلى عمله بعد الإفراج عنه، لأنه حين يصدر القرار، بحبسه، تقوم أسرته بإجراء يسمى "حفظ وظيفة"، حيث تحصل العائلة على شهادة من النيابة تقدمها لجهة العمل حتى لا يعتبر منقطعا عن العمل ويتم فصله.

ويضيف: "المشكلة تحدث حين يخرج الشخص من الاحتجاز ويرغب في العودة إلى عمله، حينها تطلب جهة العمل شهادة تثبت المدة التي قضاها الشخص قيد الاحتجاز، وعادة ما ترفض النيابة إصدار مثل هذه الشهادات، لأنه في بعض الحالات يقضى المتهم مدة أكثر من الحد القانوني للحبس الاحتياطي، أكثر من عامين".

ويطالب "البرعي"، باتخاذ إجراءين أساسيين لحل هذه الأزمة، الأول هو تسهيل إصدار الشهادات التي تثبت المدة التي قضاها الشخص في السجن، والثاني هو أن يبت في القضايا المعلقة، وأن تغلق هذه القضايا وتمنح شهادات بإغلاقها لمن انتهت بالنسبة إليهم.

من جانبه، يصف رئيس حزب غد الثورة المعارض "أيمن نور"، ما يجري للمعتقلين بعد خروجهم من المعتقل بأنه "غير مسبوق في أي فترة سياسية سابقة، وبات الاستثناء في ذلك سواء في عهد (الرئيس جمال) عبدالناصر أو (أنور) السادات أو (حسني) مبارك قاعدة عامة الآن".

ويوضح أن بعض المراحل السياسية التاريخية شهدت بعض التضييق الأمني على أرزاق المعارضين مؤقتا، خاصة في عهد "عبدالناصر"، وطبقت في عهد "السادات" بشكل محدود في أحداث سبتمبر/أيلول 1981، حين تم نقل عدد من أساتذة الجامعة والصحفيين إلى وظائف أخرى، ولكنهم لم يتركوا في الشارع ويُجَوَّعوا.

أما في عهد "مبارك"، والحديث لـ"نور"، فكان هناك نوع من أنواع الرقابة على تعيين أبناء وأقارب المعارضين في بعض المؤسسات، مثل الجيش والشرطة والقضاء.

ويؤكد السياسي المصري المعارض أن قطع الأرزاق كما يحدث الآن غير مسبوق في تاريخ مصر السياسي، وتحول إلى قاعدة، وما قيل بخصوص هذا الشأن من قبل لجنة العفو الرئاسي هو اعتراف بأن هناك تضييقا على حياة المفرج عنهم.

ويصبح الوضع أكثر تعقيدا عندما يتعلق الأمر بأحد أبناء التيار الإسلامي أو جماعة الإخوان المسلمين، حسب الإعلامي "مسعد البربري"، وهو أحد المعتقلين السابقين في السجون المصرية بتهم عدة من بينها الانتماء لجماعة "إرهابية"، قبل أن يطلق سراحه ويغادر البلاد.

ويضيف "البربري"، أن كثيرا من المعتقلين السابقين يجدون صعوبة في العودة إلى عملهم، خصوصا المنتمين لجماعة الإخوان والمحسوبين على التيار الإسلامي؛ لأنه ليس لديه أي ضمانات من أي نوع أنه لن يتم اعتقاله مجددا.

ويتابع: "كما أن العودة إلى العمل الحكومي أو الخاص تتطلب إجراءات أمنية وقضائية معقدة لإثبات حقه في العودة للعمل، وفي كثير من الأحيان لا تتاح له العودة".

والغالبية العظمى بعد الخروج من السجن، حسب "البربري"، تخضع للمراجعة الدورية لمكتب أمن الدولة، وفي كل مرة يتعرضون لأصناف من الضغوط النفسية، بسبب التعنت وإعادة التحقيق والاحتجاز لساعات، إن لم تتقرر إعادة اعتقالهم مرة أخرى.

ويرى "البربري" أن الصمت وعدم الحديث عن أي شيء لأي وسيلة إعلامية أو في أي وسيلة تواصل اجتماعي ليس كافيا أحيانا لكف يد الأمن عن المعتقلين السابقين، وعلى سبيل المثال الصحفي "أحمد سبيع" اعتقل لعدة سنوات ثم أخلي سبيله، قبل أن يعاد اعتقاله من جنازة المفكر الإسلامي "محمد عمارة"، رغم أنه التزم الصمت طوال الوقت.

وتطرح حالة "الروبي" وهذه الحالات، عملية إعادة دمج المفرج عنهم في الحياة، والتي أكد الرئيس "عبدالفتاح السيسي" عليها لتتواءم مع وجود مرحلة تستوجب التعامل معها بسياسات جديدة.

وأعلنت لجنة العفو الرئاسي التي شُكلت في مايو/أيار الماضي والمختصة ببحث حالات المسجونين احتياطيا أنها تعمل على إعادة دمج المفرج عنهم، وحل الأمور الإجرائية الأخرى التي تواجههم، مثل المنع من السفر أو التحفظ على الأموال.

وأبدت اللجنة استعدادها لتلبية احتياجاتهم لإعادتهم لحياتهم الطبيعية، مضيفة أنه تم بالفعل تنفيذ عدد من الإجراءات بعودة البعض لأعمالهم أو توفير فرص عمل.

وفي تصريحات متلفزة، قال عضو لجنة العفو الرئاسي "كريم السقا" إن "السيسي وجّه بأهمية عودة الطلاب المفرج عنهم لدراستهم والموظفين لعملهم".

وأشارت اللجنة إلى قيامها بالتنسيق مع الجهات المعنية بالدولة لحل بعض الأمور الإجرائية المتعلقة بمنع السفر أو التحفظ على الأموال، مع التأكيد أنها دون غيرها هي المسؤولة عن التنسيق مع جهات الدولة في هذا الشأن.

ويرجع عضو لجنة العفو "كمال أبو عيطة" أصل الأزمة إلى أن "الجهات الإدارية في مصر لا تفرق بين إخلاء السبيل على ذمة القضية وبين العفو الرئاسي".

ويقول إن "العفو هو محو الذنب من الأساس، والعفو الرئاسي هنا هو إنهاء المسألة برمتها، وأن لا يتم تعقب من تم العفو عنه بأي شكل، بالعكس، يجب إزالة الخطأ الذي تم بحقه، سواء كان السجن أو غيره".

ويلفت إلى أن اللجنة تعمل على إعداد مشروع قانون تناقشه في إطار الحوار الوطني، يساهم في حل هذه المشكلة.

وتقدر منظمات حقوقية مستقلة عدد السجناء والمحبوسين احتياطياً في مصر بنحو 120 ألف سجين، من بينهم نحو 65 ألف سجين ومحبوس سياسي، وبإجمالي 82 ألف سجين محكوم عليهم، و37 ألف محبوس احتياطي.

المصدر | الخليج الجديد + متابعات

  كلمات مفتاحية

اعتقالات معتقلون معتقلون سياسيون مصر السيسي انتهاكات

تقرير: أزمات المفرج عنهم بمصر لا تقل قسوة عن فترات اعتقالهم

توصيف «الأمن» للمفرج عنهم ضمن قرار العفو الرئاسي بمصر.. وحقوقي: فضيحة

مصر تستبق مظاهرات 11 نوفمبر باعتقال واستدعاء ناشطين