«هيكل» بعيون سعودية.. لا يختصر بسنواته الأخيرة

الأحد 21 فبراير 2016 05:02 ص

غالبا ما يتأثر الحكم على الإنسان بمواقفه في سنواته الأخيرة. فهي الأقرب للذاكرة، والأكثر رسوخا في أذهان المتابعين له، خاصة عند الحديث عن الشخصيات العامة. وموقف الخليجيين بشكل عام، من محمد حسنين هيكل، لن يكون استثناء من هذه القاعدة، وهنا الحديث عن عموميات الموقف، لا تفاصيله. فالجيل الشاب قد لا يعرف الكاتب الصحافي المصري الراحل، إلا من خلال لقاءاته في قناة "الجزيرة"، قبل أقل من عقد من الزمن. تلك اللقاءات التي يمكن اعتبارها سرد هيكل لنفسه، ورؤيته، وتتويجا لها، وإلا فـ"الأستاذ" بحسب تسميته في الصحافة العربية، يملك تاريخا حافلا وطويلا، لرجل مات تسعينيا بعد أن عاصر جل تجليات التحولات الكبرى في العالم العربي في القرن المنصرم. 

ربما سيكون الأكثر بؤسا في الحكم على هيكل، الاقتصار على مواقفه في سنواته الأخيرة، سنوات ما بعد الربيع العربي، والتي كان أبرزها، دعم انقلاب عبد الفتاح السيسي في مصر، ودعواته لتقارب مصري مع إيران (وهذا موقف لم يكن جديدا له) واعتباره الأمين العام لـ"حزب الله" اللبناني، حسن نصر الله "قوميا عربيا مقاوما"، وتبرير تدخل "حزب الله" في سورية، باعتباره "تدخلا دفاعيا"، وتجاهله الصعود السياسي لدول الخليج، وانتقاداته المتكررة للسعودية وسياساتها في المنطقة. 

ربما تلخص إحدى عبارات هيكل، رؤيته للعالم العربي، قبيل مغادرته عالمنا، إذ قال في حوار معه، نشر منتصف العام الماضي، في صحيفة "السفير" اللبنانية: "لقد دخل العالم العربي كله في فراغ. هناك فكرة انهارت وهناك قوى إقليمية ظهرت، لم تظهر لدينا قوة بديلة أو فكرة بديلة". لكنه ربما، لم يكن يريد أن يحدد الفكرة التي انهارت، ولا القوى الإقليمية الصاعدة، حيث لن يروق له الاعتراف بهذا التغير في المنطقة، وهو الذي ما يزال يرى المنطقة باعتبارها منطقة توازن إيراني – تركي – مصري، متجاهلا الدور الخليجي من جهة، ومقللا من أهمية الصراع مع إيران على العراق وسوريا، من جهة أخرى، وهذه هي سمة السياسة المصرية اليوم، برفض دعم سياسات السعودية في سوريا. 

من المثير في سياق هيكل السعودي، أنه كتب في 1997 مقدمة واحد من أهم الكتب السعودية التي تتناول تاريخ الملك المؤسس، عبدالعزيز بن عبدالرحمن، وهو كتاب عبدالعزيز بن عبدالمحسن التويجري "لسراة الليل هتف الصباح". التويجري واحد من أهم الشخصيات السعودية المؤثرة في الدولة، وكان مقربا للملك الراحل، عبد الله بن عبد العزيز، وقد جمعته علاقة وثيقة بهيكل، أشار إليها الأخير في مقدمة الكتاب.

ومما جاء في مقدمة هيكل لكتاب التويجري: "إن الملك عبد العزيز آل سعود أسس دولة وأنشأ نظاما، وتلك مهمة تعهد بها المقادير لرجال لا يتكررون بسهولة". وأضاف: "وربما أن جزءا كبيرا من شرعية الدور الذي قام به الملك عبد العزيز هو انحيازه التلقائي والفطري في بعض الأحيان لقضايا الأمة، وفي مقدمتها قضية فلسطين. وهذا الانحياز التلقائي والفطري للملك عبد العزيز لقضية فلسطين حقيقة تشهد بها المواقف والوقائع وتسجلها الوثائق الدولية بما لا يترك سببا للشك". وكتب هيكل أيضا: "إن الملك عبد العزيز آل سعود قضية متفق عليها ودور معترف به، فهو بكل المعايير شخصية تاريخية كبيرة ضمن مؤسسي الدول ومنشئي النظام في هذا العالم العربي". 

الاستشهاد بكلام هيكل في هذا السياق، لتأكيد أن موقفه من الخليج لم يكن صلبا رافضا له بالمطلق كما يشاع، على الرغم من حساسية العلاقة بين مصر والسعودية في الحقبة الناصرية، والتي كان هيكل أحد رموزها. كما أن هذا الموقف، لم يمنع رجل دولة سعودي، مثل التويجري، من الإقرار بمكانة هيكل عربيا، والطلب منه أن يكتب مقدمة "لسراة الليل هتف الصباح" عن مؤسس المملكة. 

من ناحيته، يرى الإعلامي والكاتب السعودي، رئيس التحرير السابق لمجلة "المجلة" عبدالعزيز الخضر، بأن هيكل احتفظ بمدرسة صحافية خاصة، وبقلم متفرد بمواقف وسمات جدلية في رؤية المشهد العربي وتحولاته، ويضيف الخضر، في حديثه لـ "العربي الجديد": "ومع ذلك فهيكل ليس واحدا من الناحية التاريخية، فتغير المراحل والظروف السياسية وتحولات الزمن العربي، يجعلنا نرى هيكل بأكثر من نسخة وأكثر من قصة وموقف. ما كان يكتبه هيكل: "هو نوع من الخيال السياسي .. نعم هيكل ساحر منوم، يدغدغ عواطف من؟ رئيسه أم شعبه أم الأعداء؟" كما يقول عبد الله العروي عنه".

يقول الخضر: "لمحمد حسنين هيكل قصة طويلة مع السعوديين عمرها أكثر من نصف قرن، مليئة بالتفاصيل، لكن جزءا كبيرا منها دفن مع مرور السنوات ورحيل أجيال الخمسينيات والستينيات المتتابع، ولم يدون تأثيره وإبهاره لذلك الجيل كما يجب. فإلى أي مدى تأثروا به، مع المرحلة الناصرية التي يعد هيكل أحد تجلياتها.

ومن خلال اطلاعي على كثير مما كتب أولئك الأجيال بصور متقطعة ومتفرقة في لقاءات صحافية أو كتابات هنا وهناك، فإن أغلب ما طرحه ذلك الجيل لم يقدم تفاصيل هذا التأثر والإعجاب، وجزء منه حديث مجالس، والبعض الآخر قدمه في سياق مرحلة تالية أصبحوا فيها ضد هيكل". ويضيف الخضر: "لم يظهر في صحفنا إلا الموقف المتسق مع الموقف الرسمي حيث استمرت هذه الحملات لعدة عقود إلى وقت قريب جدا. جزء كبير من هذه الكتابة رديء في الهجاء والنقد لما يقدمه، فهو مجرد كلام إنشائي، ينتهي أثره بعد أيام. وقد يصاحب هذا الطرح تجهيل للقارئ بقدرات هيكل، ويدخل في نقده كتاب يحاولون الانتفاع من نقده وتحقيق بعض المنافع الصحافية، فيكون طرحهم أقل من مستوى مغالطات هيكل. كان يأتي هذا النقد على صورة حملات متفرقة بين مرحلة وأخرى، ويمكن تتبعها عند بعض المحطات السياسية والمواقف التي دائما يتحامل فيها هيكل على السعودية والخليج".

يحاول الخضر تفسير اهتمام السعوديين بما يكتب هيكل، على الرغم من انتقاد كتاب ومثقفين كثر للسعودية والخليج، بأنه ليس "غوغائيا" كما يحاول خصومه تصويره. ويقول الخضر: "هيكل مهما كثرت مغالطاته، ومواقفه المتحاملة، فإن قدراته ليست كما يصفه مهاجموه بأنه غوغائي ومهرج وفاقد للذاكرة وتجاوزه الزمن .. فالواقع أن له أسلوبا يتفوق على غيره، وقد يؤثر على جمهور عريض في العالم العربي حينها، فقراء هيكل وكتبه كانت رائجة. تحامله ضد السعودية والخليج أحد ثوابت هيكل التي استمرت معه، ولم يستطع التخلص منها، بالرغم من كل المتغيرات التي حدثت والنتائج التي أظهرت مغالطته في تصوير بعض الأزمات السياسية".

ويضيف الخضر: "لقد أثر هيكل على كثير من السعوديين حتى من هم ضده، فقد كان له قراء إلى مرحلة منتصف التسعينيات، وقد حاول بعض الصحافيين قديما محاكاة هيكل في الكتابة السياسية، بصفحتين كاملتين لكنها فشلت ومنهم فهد العرابي الحارثي في آواخر السبعينات بمجلة اليمامة، وبعض رؤساء التحرير الأقل كفاءة". 

يلخص الخضر مواقف الأجيال السعودية من هيكل، بقوله: "جيل قراء الثمانينيات والتسعينيات لهيكل أكثر تحررا في التمييز بين مواقفه والاعتراف بمقدرته الكتابية، أما جيل الإسلاميين فموقفهم سلبي جدا منه، ولم يكونوا من قرائه بسبب الموقف من عبد الناصر ومسألة الإخوان، وجروحها التاريخية. أما الجيل الأخير الذي تفتح وعيه على الإنترنت فيبدو أنه أقل اتصالا بكتبه وانشغالا عنه بأولويات أخرى، وبالرغم من كثرة الهجاء والسخرية بهيكل إلا أنها سخرية عامة تختزل غزارة إنتاج الشخص بمواقفه التاريخية والأخيرة.

وقد ساعد على رواج وأحقية هذه السخرية، أن هيكل بدا في العقد الأخير أن الزمن تجاوزه بصورة فاضحة، وأخذ يأكل من بقايا رصيده .. ولو اعتزل الكتابة كما أعلن عن ذلك مع دخوله العقد الثامن من العمر، لربما احتفظ بشيء من الاعتبار لتجربته، التي انتهت بين سلطتين كمثقف سلطة أكثر منه مثقف معارضة".

"الإعلام السعودي المحلي لم يكن منصفا لتاريخ الراحل محمد حسنين هيكل"، هكذا يقول رئيس تحرير جريدة عرب نيوز السابق والكاتب الصحافي د. خالد المعينا.

ويشدد على أن كثيرا من الذين انتقدوه وهاجموه حتى بعد مماته لم يقرأوا كتبه، أو مقالاته، ولا يعرفون حقيقة الرجل. ويقول: "يظل هيكل أحد أساطير الإعلام العربي، ولا بد أن نحترم من يختلف معنا في الرأي، فكتاباته ممتازة وهو مؤرخ مهم حتى ولو أخطأ في بعض الأمور، لا أقول إنه لا يخطئ، ولكن لا يستحق الهجوم الكبير عليه، فلا بد أن نكون واقعيين معه ومع تاريخه".

ويضيف: "لا يوجد كاتب ضدك، هذه مشكلة الإعلام السعودي وبعض المسؤولين، عندما كنت في عرب نيوز كانوا يقولون إنني أستضيف كتابا ضد السعودية، وهذا غير صحيح، فكل كاتب حر في أن يكتب ما يعتقد، وأسلوب هيكل وكلماته كانت محترمة، صحيح كان يختلف معنا ولكن لا يجب أن نهينه لأجل ذلك، بعض من ينتقد هيكل وصفه بأنه مطبلاتي، هذا خطأ كبير، فالشتم لا يصل لهذه الطريقة". 

ويستغرب المعينا من أن هناك البعض ممن ينتقدون هيكل لا يعرفون تاريخ الرجل الإعلامي، ويقول: "للأسف بعض صغار الصحافيين دخلوا في خط النقد، وهاجموا هيكل، دون أن يكونوا قرأوا كتابا واحدا له، أو حتى مقالا، علينا أن نكون موضوعين، وأن نبتعد عن مثل هذه الألفاظ الجارحة".

المصدر | بدر الراشد، خالد الشايع - العربي الجديد

  كلمات مفتاحية

السعودية مصر محمد حسنين هيكل إيران حزب الله

وفد من «حزب الله» اللبناني يزور القاهرة للعزاء في «هيكل»

في وداع «هيكل»

الملك السعودي يعزي في وفاة «هيكل» صاحب الانتقادات المتكررة لسياساته

«حزب الله» ينعي «هيكل» ووفد إيراني يشارك في تشييع جثمانه

«هيكل»: دول الخليج لم توظف قوتها المالية بشكل جيد والتحالف العربي دمر اليمن

«هيكل» يهاجم «التحالف الإسلامي» بقيادة السعودية ويعتبره «متخبطا وبلا رؤية»

هيكل... في نقد الأسطورة