قالت صحيفة «الشروق» المصرية الخاصة إن العاهل السعودي، الملك «سلمان بن عبدالعزيز»، اتصل، ظهر اليوم الخميس، بأسرة الكاتب المصري الراحل «محمد حسنين هيكل»، وقدم واجب العزاء في وفاته.

وأضافت الصحيفة، دون أن تكشف عن مصدر معلوماتها، أنه «من المعروف أن هناك علاقة إنسانية خاصة جمعت بين ملك السعودية والأستاذ هيكل، منذ الخمسينات من القرن الماضي؛ خصوصا عندما كان الأمير السعودي وقتها دائم التردد على مصر».

ولفتت إلى أن «الملك التقى الكاتب الراحل قبل سنوات قليلة في إيطاليا، ودار بينهما حوار لم يتطرق إلى القضايا السياسية، وطبقا لمصادر فإن العلاقة ظلت قائمة بصورة أو بأخرى رغم الملاحظات التي كان يوجهها الكاتب الكبير لبعض التوجهات السعودية في قضايا المنطقة».

انتقادات لاذعة متكررة

وخلال الشهور الأخيرة من حياته وجه «هيكل» انتقادات لاذعة لسياسات الملك «سلمان» الخارجية والداخلية. 

آخر انتقاداته لسياسة الملك السعودي كانت قبل وفاته بـ 55 يوما؛ فخلال حديثه عبر برنامج «مصر أين.. ومصر إلى أين؟»، المذاع على فضائية «سي بي سي» المصرية الخاصة في 25 ديسمبر/كانون الأول 2015؛ اتهم «هيكل» دول التحالف العربي، الذي تقوده السعودية،  بتدمير اليمن قائلا: إن «الغارات الجوية دمرت ما استطاع الشعب اليمني إنجازه في 100 عام، وما قامت به الدول العربية في اليمن خاضوه بالوكالة عن أمريكا».

وانتهز «هيكل»، المعروف بموالته لإيران، اللقاء ليمدح دولة إيران، العدو التاريخي للسعودية؛ حيث وصفها بأنها «دولة كبرى تحررت من أوامر الغرب»، مشيرا إلى أنه «من الخطأ أن يكون الخلاف المذهبي له علاقة بتوجهات مصر الاستراتيجية، وأن معاداة العرب لإيران جاء بعد خروجها من طوع الغرب».

وفي 18 ديسمبر/كانون الأول 2015،  هاجم «هيكل» أفكار الإمام «محمد عبد الوهاب»، الذي تقوم على أفكاره ومبادئه المذهب السلفي في السعودية، وقال الكاتب الصحفي المصري الراحل، الذي كان معروفا عنه كرهه للإسلاميين ودفاعه الشديد عن التيار العلمانية، في تغريدة عبر موقع «تويتر»: «الفكر الوهابي حول العادات و التقاليد إلى شيء مقدس لا يمكن النقاش فيه!».

وفي 15 ديسمبر/كانون الأول 2015، انتقد الرجل إعلان السعودية عن تشكيل «التحالف الإسلامي العسكري لمحاربة الإرهاب»، المكون من 35 دولة على رأسها المملكة، زاعما، في تغريدات عبر «تويتر»،  أن بعض الدول المشاركة في هذا التحالف «من أهم الداعمين لتنظيم داعش (الدولة الإسلامية) الإرهابي»، في إشارة محتملة إلى تركيا، التي اتهمتها روسيا بشراء النفط من التنظيم.

كما رأى «هيكل» في تغريدة أخرى أن السعودية اتجهت لتشكيل هذا التحالف «بعد فشل عاصفة الحزم» في اليمن، معتبرا أن السعوديين قد لجؤوا إلي هذا الحل «للخروج من المأزق»، حسب قوله.

وسخر من تشكيل هذا التحالف، معتبرا أنه «بلا رؤية» و«لا تنسيق» أو «آليات محددة».

وفي 9 أكتوبر/تشرين الأول 2015، انتقد «هيكل»، أيضا، غارات التحالف العربي في اليمن، داعيا «السيسي» إلى زيارة سوريا، وإقامة علاقات مع إيران.

وفي 21 يوليو/تموز 2015، شن «هيكل» هجوما غير مسبوقا على المملكة خلال حوار مع صحيفة «السفير» اللبانية، وانتقد الملك «سلمان» شخصيا، واصفا إياه بأنه «ليس حاضرا بما يكفي»، وأن جيل الصغار متكبرون ويأخذهم غرور القوة، مضيفا أن «النظام السعودي غير قابل للبقاء».

وتابع «هيكل» في حينها: «السعودية ودول الخليج أضعف من أن تشاغب على الاتفاق النووي (بين القوى الكبرى وإيران)، ولكن يمكنها أن تشكو إلى الأمريكيين وتعاتبهم وهم يعتبرون توقيع الاتفاق خيانة لهم»، مشيرا إلى أن «الإماراتيين اتخذوا موقفًا إيجابيًا حتى الآن، ولكنني سأستغرب أن تقوم السعودية بالأمر نفسه، ثم أنه علينا أن ننتظر تصرفات هذه الدول وليس مواقفها المعلنة، كلهم يتساوون في الخوف من إيران، وقد قامت دول الخليج بالتحريض على إيران في الفترة الأخيرة والتشكيك في نياتها».

ملاسنات كلامية

انتقادات «هيكل » المتكررة لسياسات الملك «سلمان» قادت إلى إلى قيام إعلاميين وأكاديميين سعوديين بالرد عليه؛ فبدأ الأمر وكأنه ملاسنات كلامية، ومن بين من ردوا عليه الإعلامي السعودي، «عبد العزيز قاسم» الذي قال إن «هيكل» يعاني من «عُقد الفوقية» عند التعامل مع دول الخليج، داعيا إياه إلى الإفاقة من تلك العقد، لافتا إلى أن السعودية ودول الخليج هي التي تشتري حاليا السلاح لمصر، وأنه لولا «الرز الخليجي» لسقطت مصر، في إشارة إلى المساعدات المادية التي قدمتها دول خليجية للسلطات في القاهرة بعد الإنقلاب على «محمد مرسي»، أول رئيس منتخب في تاريخ مصر.

كما رد على «هيكل» الداعية السعودي عضو «هيئة حقوق الإنسان السعودية»، «عبد العزيز بن فوزان الفوزان»، ووصفه بـ«المجرم».

أيضا، استنكر الأمير السعودي، «خالد آل سعود»، هجوم «هيكل»، على السعودية، معتبراً إياه «حاقد على المملكة»، ووجه رسالة له قائلا: «حِذاء إمامنا سلمان أشرف وأكرم من تاريخك كله».

الكاتب الصحفي السعودي المعروف، «جمال خاشقجي»، المقرب من العائلة الحاكمة، سبق أن رد، أيضا، على انتقادات «هيكل» للسياسات السعودية، وقال إن الأخير «ليس خرفا، وهو بكامل وعيه، ويجلس معه المسؤولون المصريون ويوجههم».

حزن إيراني على رحيله

وكان جثمان «هيكل» شيع، أمس الأربعاء، إلى مثواه الأخير بمقابر العائلة شرقي العاصمة المصرية.

وشارك في التشييع وفد من مكتب رعایة مصالح إيران في مصر؛ حيث قدموا خالص مواساة وتعاطف الحكومة والشعب الإيراني مع أبناء وأسرة «هیكل».

كما نعى بيان صادر عن «حزب الله» اللبناني «هيكل»، مشيرا أن الراحل كان مدرسة في السياسة الوطنية، والالتزام المهني الرفيع، والإيمان القومي الصادق بقضايا الأمة.

واليوم الخميس، تناول عدد من وسائل الإعلام الإيرانية نبأ وفاة «هيكل» بحزن وتأسف على رحيله، مشيدة بانتقاده الشديد للأنظمة الخليجية ومدحه المستمر لإيران.

وذكرت وكالة «تسنيم» الإيرانية، أن «أهم ما ميز حياة هيكل، أنه لم يبع ولاءه، ولم يسخر قلمه لخدمة أنظمة وحكام عرب، وكان من أشد المنتقدين للأنظمة الخليجية، لا سيما النظام السعودي الذي فشلت كل محاولاته التقرب إليه والتأثير على مواقفه، وتوصيفه نظام آل سعود بأنه لا يتعدى حكم القبيلة الفاقد لرؤى وطنية وقومية والنظرة الإسلامية الموحدة».

وعززت الوكالة الإيرانية تقريرها الطويل الذي سلطت فيه الضوء على حياة «هيكل» وموافقه، بصور جمعته بمرشد الثورة الإيرانية السابق، «الخميني»؛ عندما زار إيران وأجرى حوارا صحفيا معه فور تسلمه مقاليد الحكم عام 1979، مؤكدة أنه «عرف بقربه من الثورة الإسلامية ودفاعه عن کثير من مواقف إيران وإعجابه الکبير بقائد الثورة ومؤسس الجمهورية الإسلامية الإمام  الخميني»، حسب قولها.