استطلاع رأي

أي من هذه الدول تمارس الدور الأكثر إيجابية في حرب غزة؟

السعودية

مصر

قطر

إيران

تركيا

أهم الموضوعات

طبقات اليمين الإسرائيلي وبصيرة دا سيلفا

عن أوهام التفاؤل الأميركي

أزمة اقتصاد مصر وانتظار الفرج من الخارج

نحو وقف الحرب على غزة

سيناريو اليوم التالي للحرب

في وداع «هيكل»

الاثنين 22 فبراير 2016 04:02 ص

في بداية المرحلة المتوسطة، وقعت على كتاب "سنوات الغليان"، وهو يتناول الفترة من نهاية حرب السويس عام 1956 إلى منتصف الستينات. شدني السرد بشكل أساسي، إذ قدمت الشهادة التاريخية على الأحداث والتطورات السياسية بأسلوب روائي ساحر، وبلغة سلسة تجمع بين التعابير الأدبية الفخمة، والتوثيق للوقائع التاريخية. كانت هذه بداية، تلتها قراءات متتابعة لكتب أخرى، كتبها محمد حسنين هيكل، ركزت على توثيق صراعات النصف الثاني من القرن العشرين في المنطقة العربية، وتحليل الظواهر السياسية بالاتكاء على الخلفيات التاريخية والحقائق الجغرافية.

لعل أهم ما قام به هيكل ليصل إلى هذه المكانة، ويحافظ على استمرار حضوره عبر العقود المختلفة، والتغييرات الكبيرة التي اجتاحت الوطن العربي، عمله الناجح على التكيف مع الظروف والمتغيرات، وبالذات في الإعلام، ما سمح له بالحضور في مراحل مختلفة، عند أجيال مختلفة، فمن جيل قرأ مقاله "بصراحة" في الأهرام، أو سمعه مذاعا عبر إذاعة صوت العرب، إلى جيل قرأ كتبه المهمة، ثم إلى الجيل الجديد الذي عرفه على شاشات التلفزيون، في مقابلاته وبرنامجه الذي عرض فيه تجربته الطويلة. تمكن هيكل من مجاراة التطور في الإعلام، واستثمار قوة الصورة التي جاءت على حساب الصحافة الورقية، واستطاع أن يقدم نفسه بوصفه أكثر من مجرد صحافي كبير، فقد كان محللا، وفاعلا سياسيا، وكاتبا في التاريخ المعاصر، يروي شهادته بالوثائق (عكس من يتهمونه بالكذب، وهم يلقون الكلام من دون تحقق أو مصادر).

لكن مجاراة التطور الإعلامي لم يكن لها وحدها أن تكسب هيكل كل هذه الهالة، إذ كانت موهبته وقدراته الكبيرة الأساس في كل ما أنجزه، وفي حفر اسمه في ذاكرة الثقافة والسياسة العربية، فليس قربه من جمال عبدالناصر وحده ما جعله يحظى بمكانة مهمة، وإن ساعده هذا كثيرا في علاقاته على مستوى العالم، بل إن الرجل كان يتمتع بذكاء كبير، وقدرة تحليلية عميقة، ومتابعة قل نظيرها لآخر الأبحاث والمعلومات التي يتم تداولها على مستوى العالم، وفي مراكز الأبحاث والجامعات المرموقة، وقد حافظ على هذه المتابعة الدقيقة حتى آخر حياته، وبقي متقد الذهن، قادرا على تجديد مصادر معلوماته، والتفاعل مع ما يستجد من أحداث وتطورات، بما يعزز الاهتمام بما يقوله، بغض النظر عن الاختلاف والاتفاق معه، بل إن صوت الاختلاف العالي معه، وخصوصا من المناوئين تقليديا لرؤيته وموقعه السياسي والفكري، يدل على أهميته ومكانته.

لا حاجة لترديد عبارة مستهلكة في مثل هذا الموقف، مثل القول، إن لهيكل مواقف أو تقديرات يمكن الاختلاف معها، فليس هناك شخصية يمكن الاتفاق معها في كل ما تطرحه. لذلك، يبدو هذا النوع من العبارات اعتذاري الطابع، في لحظات تكريم أو تأبين شخصيات كبيرة ومؤثرة، ونحن هنا نتحدث عن قامة كبيرة في الصحافة والسياسة، الاختلاف معها وارد، لكن شيطنتها، بسبب رأي، تعسف ينم عادة عن عقلية اختزالية تبسيطية. على الرغم من ذلك، يمكن فهم نقده بشراسة من خصوم لموقعه السياسي، غير أن ما يدعونه على الرجل، في كثير منه، متهافت، وليس هناك أسوأ من ادعائهم أنه كاتب سلطة. 

لم يكن هيكل كاتب سلطة، بل كان صاحب رؤية، يحاول التأثير على السلطة لتبنيها، وعلى الرغم مما يمكن أن يقال من محاذير وملاحظات على سعي المثقف إلى التأثير على السلطة، وطبيعة علاقته بها في هذا الإطار، إلا أن سعي هيكل إلى التأثير لا علاقة له باتهامه بتلميع السلطات أو منافقتها، وسيرته شاهد على العكس، إذ إنه توافق مع السادات في ضرب ما سمي وقتها "مراكز القوى"، ثم اختلف معه بعد حرب أكتوبر/ تشرين أول عام 1973، فأخرجه السادات من "الأهرام" وعينه مستشارا للرئيس، ولم يقبل أن يكون مستشارا، وظل يصطدم بمحاولة السادات تجريف ما أنجزه عبد الناصر في مصر، واتجاهه في التطبيع مع إسرائيل، حتى اعتقله السادات في نهاية عهده، كذلك لم يكن مقربا من حسني مبارك، وعارضه علانية في السنوات الأخيرة قبل ثورة يناير.

الأسوأ أن اتهام هيكل أنه كاتب سلطة يصدر غالبا من كتاب سلطة فعليين، ينعمون بأحضان السلطات المهيمنة على الغالبية الساحقة من وسائل الإعلام العربية، ويروجون دعايتها وأجندتها السياسية، فيما حافظ هيكل على رؤيته الناصرية، بالضد من معظم الإعلام المصري والعربي منذ السبعينيات، والذي روج الأفكار المعادية للناصرية، ولم ينخرط في تلميع النظام العربي الرسمي، بل ظل على موقفه النقدي، فيما كان عدد من منتقديه المثقفين يقبلون توظيفهم في الترويج الدعائي للسياسات العربية الرسمية، منذ السبعينيات إلى اليوم.

ساعد العمر الطويل هيكل أن يقدم ما أمكنه تقديمه للقارئ والمكتبة العربية، من مقالات وكتب وتحليلات، لكن هذا لا يمنع من القول، إن رحيله يفقدنا في هذه المرحلة صوتا يحتاجه الوطن العربي، فقد ظل متابعا باستمرار كل ما يحدث حتى لحظاته الأخيرة بحضور ذهني فريد، يعيد رسم الصورة، لفهمها بشكل أدق وأعمق، ما يجعل الحاجة إلى عقله وفكره مستمرة، حتى بعد كل ما زرعه في الذاكرة العربية.

المصدر | العربي الجديد

  كلمات مفتاحية

مصر محمد حسنين هيكل الوطن العربي

وفد من «حزب الله» اللبناني يزور القاهرة للعزاء في «هيكل»

الملك السعودي يعزي في وفاة «هيكل» صاحب الانتقادات المتكررة لسياساته

«حزب الله» ينعي «هيكل» ووفد إيراني يشارك في تشييع جثمانه

«هيكل»: دول الخليج لم توظف قوتها المالية بشكل جيد والتحالف العربي دمر اليمن

«هيكل» يهاجم «التحالف الإسلامي» بقيادة السعودية ويعتبره «متخبطا وبلا رؤية»

«دويتشه فيله»: هل نيران «هيكل» دليل تأزم علاقات مصر والسعودية؟

«هيكل» بعيون سعودية.. لا يختصر بسنواته الأخيرة