طالبت في مقالة سابقة بوقف برنامج نطاقات وإعادة مراجعة آلية عمله، فالنتائج بعد أربعة أعوام من وجوده لا تدعم بقاءه واستمراره، فالتوظيف الذي أنتجه لم يكن حقيقياً ولم ينتج سعودة حقيقية. وقلت إن بقاء «نطاقات» اليوم سيدعم الاستغناء عن السعوديين مقابل النسبة التي سيتم الاستغناء عنها من الأجانب، لأن فكرة البرنامج قامت على ما يسمى لعبة (رابح - رابح)، والتي ستتحول إلى (خاسر - خاسر) خلال فترة الركود التي بدأت بوادرها هذا العام، لاسيما وأن ما تحقق في غالبه سعودة وهمية لا حقيقية.

هذا الأسبوع أصدر وزير العمل الدكتور مفرج الحقباني قراراً يقضي بقصر بيع وشراء أجهزة الجوالات على السعوديين، والقرار هو الأول للوزارة في عهدها الجديد في ما يخص سعودة بعض الوظائف والمهن.

ونال القرار - كغيره من القرارات - تعليقات المختصين والمهتمين على وسائل التواصل الاجتماعي، ووصفه بعضهم بالجيد، وقلل الآخرون من القرار، ورأوا أنه سيتحول إلى حبر على ورق كما حدث سابقاً مع سعودة «الليموزين» والخضار والفواكه وغيرها من القطاعات.

اقتصادياً، القرار جيد، والوزارة تقول إنه سيوفر 20 ألف وظيفة، وهو شيء جيد إن تحقق. والواضح من القرار أنه يتعلق بإحلال السعوديين محل الأجانب في البيع والشراء والصيانة في هذه المحال، وليس خطة أو دعماً لإنشاء منشآت صغيرة للسعوديين الجدد الذين سيدخلون هذا القطاع.

فالوزارة اشترطت سعودة 50 من المئة بدءاً من مستهل رمضان هذا العام، وسعودة 100 في المئة تبدأ من مطلع ذي الحجة من العام الهجري الحالي (أعطت مهلة ثلاثة أشهر قبل تطبيق القرار تبدأ من 1 جمادى الثانية حتى نهاية شهر شعبان).

وبالطبع ستستخدم الوزارة ذراعها المالية «صندوق هدف» لدعم توطين مبيعات وصيانة الجوالات، بحسب ما ذكر في البيان الصادر عنها الثلثاء الماضي.

القرار كما ذكرنا جيد بافتراض أنه لن يتم التراجع عنه ولا التحايل عليه، ولكن مع ذلك هناك بعض التساؤلات المتعلقة بالقرار، ومنها هل القطاع مناسب للسعودة؟ وهل هو مناسب فعلاً لتوظيف الفتيات اللائي هن مصدر رقم البطالة الكبير في المملكة؟

هل ستقتصر السعودة على المحال الفردية، أم ستشمل الكبار مثل «اكسترا» و«الكترو» و«ساسكو» وغيرها؟ وبالطبع، ما لم تبدأ السعودة من الكبار فلا داعي إذاً لتطبيقها على الصغار فقط. ثم إن الوزارة ذكرت أنها تعمل مع مؤسسة التعليم الفني لإلحاق الشباب بدورات في صيانة الجوالات، فهل تكفي 3 أشهر لتخريج شباب قادر على صيانة الجوالات فعلاً؟ وماذا عن الفتيات فهل سيتم إلحاقهن بدورات صيانة مماثلة أم لا؟

ثم هل تم بالتزامن مع قرار سعودة بيع وصيانة الجوالات العمل على خطة لتصنيع الإكسسوارات وبعض الأجهزة الصغيرة التي تدخل في مكونات صناعتها البتروكيماويات بشكل كبير؟ وبالتأكيد فإن خلق صناعة ولو جزئية أفضل وأرغب من مجرد التوريد والبيع والتوزيع سواءً بشكل فردي أم عن طريق الوكلاء المعتمدين. وإن كانت الصناعة ليست تخصص وزارة العمل إلا أنها يمكن أن تقود مثل هذه المبادرة وغيرها مع الأجهزة الحكومية الأخرى.

كما أن البيع والتوزيع أصبح يخضع لمنافسة قوية من مواقع البيع الإلكترونية الكبيرة مثل أمازون و«ebay» وغيرهما من المواقع العربية والأجنبية، وهو ما يعني أن سعودة البيع ليس لها مستقبل في ظل ميل ميزان المنافسة للعمالقة الكبار.

الخلاصة، سعودة القطاع جيدة، والقرار لا يقبل التعديل ولا التراجع والتراخي، كما أن العمل بشكل موازٍ على تطوير القطاع وتصنيع بعض القطع والإكسسوارات، ودعم الناجحين ليستقلوا بمشاريعهم الخاصة، هو ما سيجعل القرار أكثر أثراً وفائدة، والأهم هو أن تتنبه الوزارة لاستخدام الوكلاء الكبار المؤسسات الصغيرة من الباطن لغرض الصيانة، فهذا سيضيع دم السعودة بين القبائل الصغيرة التي لا يعرف لها مكان ولا عنوان، وبارك الله كل جهد يخدم الوطن ويوظف شبابه.

* د. عبد الله بن ربيعان أكاديمي متخصص في الاقتصاد والمالية.