ذكرت بعض المصادر الصحفية أن اللواء «عبد الفتاح حرحور» محافظ شمال سيناء أعلن أن إنشاء المنطقة العازلة على الحدود مع قطاع غزة «يتطلب إزالة مدينة رفح المصرية بالكامل» مضيفا أنها «سوف تزال بالكامل».
إن حق لنا أن نأخذ هذه التصريحات مجمل الجد، فإن الأمر سيكون له تداعيات على عدة أصعدة منها الصعيد التاريخي حيث تحتل هذه المنطقة مكانة مهمة عبر التاريخ سواء في الحروب أو الفتوحات، أوعلى الصعيد الاجتماعي فإن السكان على شطري الحدود ينتمون إلى عائلات واحدة.
وعلى الصعيد الأمني، في ظل عدم ثبوت قيام أي طرف فلسطيني بأعمال ضد الجيش أو المواطنين المصريين وفي ظل إدانة كل الأطراف الفلسطينية للأعمال التي أعلن عنها تنظيم «بيت المقدس» في سيناء، وقيام أجهزة الأمن الفلسطيني بتأمين الحدود من جهتها، فإن المستفيد من هذا العزل هو الاحتلال الاسرائيلي الذي يقوم بإحكام الحصار على قطاع غزة.
وتحت عدة ذرائع من ضمنها مواجهة «الإرهاب»، شرعت السلطات المصرية في حملة لهدم وإزالة بيوت قريبة من الحدود يصل عددها إلى أكثر من 1200 بيت تأوي قرابة 2000 عائلة.
وكان الرئيس المصري «عبد الفتاح السيسي» قد أعلن خلال نوفمبر/تشرين الثاني من العام الماضي أن المنطقة العازلة «تأتي من أجل ألا تكون مصر تحت التهديد ».
أما الرئيس الفلسطيني «محمود عباس» فكان أكثر وضوحا في تأييد الخطوة المصرية وقال: «نحن أيدنا كل الإجراءات الوقائية التي اتخذتها السلطات المصرية لإغلاق الأنفاق (بين مصر وقطاع غزة) ومنع تهريب الأسلحة والأشخاص ما بين غزة وسيناء، وسنؤيد كل إجراء يحمي مصر من أي مخاطر». وأضاف: «إذا ثبت أن أفرادا أو جماعات من حماس قد تورطت في أعمال إرهابية ضد مصر فمن حقها ملاحقة ومعاقبة هؤلاء».
لكن المنطقة العازلة التي تم البدء في تنفيذها في أكتوبر/تشرين الأول الماضي كان من المقرر أن تكون على مسافة 500 متر بطول 14 كم، قبل أن تقرر السلطات المصرية توسيعها لتمتد إلى 1000 متر داخل الأراضي المصرية. ثم جاء التصريح الأخير من محافظ شمال سيناء للحديث عن عملية متدرجة ستؤدي بالنهاية لإزالة المدينة بأكملها.
وبالرغم من الإعلان عن تعويضات للسكان قيل أنها ستصل لمليار جنيه، والحديث عن إنشاء مدينة جديدة، لم يفلح الأمر في تخفيف سخط المواطنين المصريين على الحكومة المصرية التي لم تعطهم مهلة كافية ولم تستند على مسوغات قانونية ويعتبرون أن ما تقوم به هو تهجير قسري.
أما الحكومة فترى أن من حقها القيام بذلك؛ خاصة وأن المواطنين يقيمون ضمن شروط حق الانتفاع وليس حق التملك.
وتزداد حالة السخط مع تداول الحديث في ظل زيارة «السيسي» للكويت حول تملك رجال أعمال خليجيين لأراضي في سيناء في حين لم تقم الحكومة بخطوات جادة فيما يتعلق بالتنمية في محافظة شمال سيناء، بيد أنها تبدو جادة تماما في إقامة المنطقة العازلة حيث قامت بتفجير عشرات البيوت في المنطقة .
وعلى الطرف المقابل من الحدود تتزايد حالة الاستياء من إجراءات الجيش المصري الذي قام بهدم الأنفاق التي كانت تقوم بدور رئيسي في تخفيف الحصار عن قطاع غزة، كما قام عناصر من الجيش المصري بإطلاق النار على الفتى الفلسطيني «زكي الهوبي» 18 عاما ليكون أول شهيد فلسطيني في 2015 يسقط برصاص الجيش المصري.
وترى حركات المقاومة الفلسطينية أن هذه المنطقة تستهدف تضييق الخناق على المقاومة الفلسطينية وخاصة منع وصول الأسلحة التي تعتمد عليها المقاومة الفلسطينية في مواجهاتها مع (إسرائيل).
وبالعودة إلى العام 2002 فإن جيش الاحتلال الاسرائيلي الذي كان متواجدا على الحدود قد بدأ حملة استمرت قرابة سنتين هدم فيها أكثر من 3 آلاف بيت فلسطيني بالقرب من الحدود. ثم تبعها بتشييد جدار حديدي يصل إرتفاعه إلى 8 أمتار.
ويخشى متابعون فلسطينيون أن تكون المنطقة العازلة هي ثمرة تعاون أمني اسرائيلي مصري، وأن تكون عملية التوسيع هي مقدمة لعملية إسرائيلية جديدة ضد قطاع غزة. أو مقدمة لتنفيذ خطة إسرائيلية سابقة لغمر هذه المنطقة بالمياه من خلال إنشاء قناة تصل للبحر المتوسط وهو ما سيكون له تداعيات خطيرة على المياه الجوفية في المنطقة.
ولا تتوقف المخاوف عند هذا الحد فإن واشنطن، التي تؤيد السلطات المصرية في إقامة المنطقة العازلة وتعتبرها من ضمن خطط الدفاع عن النفس، قد قامت وفق تقرير نشرته صحيفة «الوطن» المصرية في ديسمبر 2012 باعداد مخطط مع إسرائيل لاقامة منطقة عازلة في سيناء بعمق عشرات الكيلومترات.