أهالي رفح المصرية يواجهون مستقبلا مظلما بعد طردهم تعسفيا لإقامة منطقة عازلة مع غزة

الثلاثاء 11 نوفمبر 2014 04:11 ص

رفح، مصر - في مشهد مأسوي، بدأت الحكومة المصرية إجلاء سكان الشريط الحدودي مع قطاع غزة، إجباريا بعد أن أمهلتهم الثلاثاء الماضي نحو 48 ساعة لمغادرة منازلهم، لإقامة مخطط المنطقة العازلة.

رغم من تكثيف قوات الجيش ارتكازات التفتيش عند الطرق المؤدية لرفح، للتضييق على الإعلاميين من الوصول، إلا اننا نجحنا في الوصول إلى الشريط الحدودي، بصعوبة بالغة.

على بعد مائتي متر من الجدار الحجري القصير الذي يفصل رفح المصرية عن الفلسطينية، تقبع مئات المنازل في انتظار حكم الإعدام، الآلاف المواطنين يهرعون لانتشال ما يمكن انتشاله من ذكرياتهم أو ما يحميهم من صقيع الرحيل القسري، وسط تهديدات بتفجير المنازل فوق ساكنيها في حال رفضهم المغادرة.

يجلس أبو كريم القمبز، شاب في بداية الثلاثينات، فوق شاحنة محملة بالأمتعة المتناثرة، حملت على عجل، يمسك بطفله ويقذفه في اتجاه السماء هاتفا "مش مهم يابا احنا نموت بس هما يعيشوا، مش مهم يابا خلي الوطن يعيش".

ومع انسياب دموع القمبز، الذي يقطن في حي صلاح الدين، أقدم الأحياء التاريخية في رفح المصرية، يصرخ قائلا: "في 10 ساعات بدهم أني أرحل من بيتي، اللي شقيت وبنيته وقت غياب الدولة عنا وتهميشنا.. طب وين أروح؟! ".

ويتابع القمبز "بدهم يعطونا 300 جنية بدل سكن لمدة ثلاث شهور، حد يقلهم ان العربية اللي نقلت اغراضنا هتاخد 1000 جنية، حد يقلهم ان أقل شقة بسيطة تحمينا من البرد بدها 1000 جنية شهريا، حد يقول للعالم ان التعويضات بنسمع عنها بس مشفناش حاجة".

وعلى بعد 50 مترا، تقف أم محمد القمبز، امرأة سبعينية، أمام منزل عائلتها المكون من أربعة طوابق، تطل نوافذ البناية على قطاع غزة مباشرة، لا يفصلهما إلا بعض الأمتار القليلة والجدار الحجري الهزيل، تقول أم محمد وهي تتأمل البناية " عشنا هنا وعاش جدودنا، مر علينا جيوش محتلة، من العثمانيين والانجليز والفرنسيين واليهود، وضلينا صامدين ولا أحد قدر يهجرنا، ضلينا وحمينا بلادنا والوطن من شرهم..وفي لحظة بينتهي تاريخنا".

دخلنا البناية، الرجال والنساء والأطفال يحاولون بأسرع وقت ممكن نقل الأمتعة، حركاتهم تسابق الوقت، هرولة النساء تعلوها نحيب، وجوه الرجال تحولت إلى لوحات فنية حزينة تُجسد حجم الكارثة، وربما أشبه بمحاكاة لنهاية العالم، على الأقل بالنسبة لهم.

 "ياربي أيش بدي أشيل" بهذه الجملة عبرت زوجة محمد القمبز، ذات العقد الثالث من العمر، عن عجزها التعبير عن صعوبة الموقف.

 وتقول الزوجة :"مش باقي إلا أربع ساعات ولسه مخلصتش نقل كل الأغراض..كيف بدي أشيل كل حاجة، الضابط بيقلنا لو ممشتوش آخر اليوم رح نفجر الدار على رؤؤسكم". كانت الساعة حينها تشير إلى الثانية ظهرا، (الموافق الأربعاء 29 أكتوبر) في حين يبدأ حظر التجوال في الخامسة مساء.

أسرعت امرأة ثانية في التحدث قائلة "اعطونا مهلة 48 ساعة فقط نمشي فيها، ونصها حظر تجوال، مفروض اعطونا شهر مهلة، مش كل شيء كن فيكن، على الأقل نجهز حالنا ونشوف مكان نقعد فيه بدل الشوارع ومصيرنا المجهول..وبعدين بيقولوا في الإعلام انهم صرفولنا تعويض.. لحتى اللحظة ما شفنا حاجة غير البهدلة وقلة القيمة".

وفي مشهد جانبي، أشبه بلقطة درامية حزينة..تجلس طفلة وسط الأكوام المبعثرة من مكونات المنزل، وهي تلاعب دمية ملامحها مبتهجة، محاولة تغير ملابسها وهي تقول " بدنا نلبس بسرعة يا حبيبتي علشان هنرحل من دارنا، الجيش بدو يفجرها واحنا راح نسافر وما عاد نرجع".

ويتسائل محمد القمبز، رب الأسرة في حديثه إلى "المونيتور": "في أكثر من ألف طفل في المدارس هيشردوا، هل اللي بيتكلم عن الأمن القومي فكر فيهم قبل اتخاذه القرار في هذا الوقت..بقول للمسئولين أن الأمن القومي هو احنا وتهجيرنا يعني ضاع الأمن وضاع الوطن..لأنه احنا على مر العصور كنا جرس الإنذار وحماية الوطن من الطامعين".

ويختلط في المشهد صوت مروحيات الاباتشي العسكرية، التي تحلق بكثافة على مسافات مقتربة من المنازل، مع صوت الشاحنات والحيوانات التي تنقل المهجرين، ففي كل بضعة ثواني تمر شاحنة محملة على ابعاد مرتفعة، ويعلوها السكان والأطفال، في طريقهم إلى أحد اقاربهم بالمناطق المحيطة خارج حيز التهجير، أو الظهير الصحراوي.

يقول، مصطفى سنجر، الباحث والسياسي في شؤون سيناء: "مشروع المنطقة العازلة قديم، وأمريكا دعمت وجود المشروع منذ عهد مبارك، وخصصت ميزانيات لتنفيذه من خلال اقتطاع جزء من المعونة الأمريكية لمصر، وكان يشرف على محاولات التنفيذ في عهد مبارك بشكل مباشر، مكتب التعاون العسكري الأمريكي في السفارة الأمريكية، الذي كان يزور رفح بشكل أسبوعي ودوري..لكنه فشل وسط الإرادة الشعبية الرافضة".

ويتابع سنجر "لا يمكن تجاهل وجود رغبات إسرائيلية وأمريكية في منع وصول سلاح إلى حركات المقاومة في غزة، ولا أعتقد أن تشكيل منطقة عازلة برفح سيوقف الإرهاب بسيناء، قد تكون الأنفاق جزء ولكنها أبدا ليست المشكلة".

ويرى سنجر، ان قرار إخلاء السكان بهذه السرعة، سيخلق أزمات جديدة واحتقان في النفوس، قائلا" كان يجب أن تتوفر بدائل للسكان قبل ان يتم مباغتتهم بقرار الإخلاء في خلال 48 ساعة". مؤكدا أن تداعيات القرار ستطال حق أبناء المهجرين في التعليم بانتظام وحقهم في الصحة وفرص العمل في المناطق التي سيرحلون إليها.

ومن جانبه، أكد اللواء عبد الفتاح حرحور، محافظ شمال سيناء، في تصريحات صحفية، على صرف مبلغ 300 جنيه لكل أسرة شهريا، ولمدة 3 شهور، مقابل إيجار سكن مؤقت، وكذلك صرف قيمة التعويضات عن المساكن بواقع 1200 جنيها للمتر المربع بالنسبة للمبنى الخرسانى و700 جنيها للمتر المربع لمباني الحوائط الحاملة، مضافا لهما مبلغ 100 جنيها كقيمة تعويضية لكل متر مربع من الأرض المقام عليها المبنى، فور إخلاء المنطقة.

ويذكر أن عمليات الإخلاء لمنطقة الشريط الحدودي برفح لمسافة 500 مترا من الجدار الحدودي، وبطول 13.5 كيلو متر، من المنطقة الممتدة من ساحل البحر شمالا وحتى معبر رفح جنوبا ، وتشمل 802 منزلا يقطنها 1156 أسرة وفقا لعمليات الحصر التي تمت (لمن يحق لهم التعويض بخلاف منازل وأسر لم تحصر لوجود أنفاق تهريب داخل المنازل).ويقدر أجمالي أعداد المهجرين نحو عشرة الآلاف مواطن.

وإلى ذلك تبقى سيناء متجهة إلى طريق مجهول، متعلق بكيفية تعامل النظام السياسي الحالي، مع مشاكل تزداد تعقيدا كلما استخدم معها الحل الأمني، مع غياب حلول أخرى يتأملها أهالي سيناء منذ عقود.

المصدر | المونيتور

  كلمات مفتاحية

سيناء رفح تهجير سكان رفح الحل الأمني المنطقة العازلة

مشروع قطري لتشغيل 20 ألف عامل من قطاع غزة

«المونيتور»: مصر في خطر بعد مبايعة جهاديى سيناء لـ«الدولة الإسلامية»

تداعيات توسيع المنطقة العازلة بين مصر وقطاع غزة

«ولاية سيناء» يقوم بأول عرض عسكري له على الأراضي المصرية

النتائج المتأخرة لكامب ديفيد

«جهاد الخازن» يدعو «السيسي» إلى إخلاء سيناء من سكانها وقتل كل من يبقى!

اتهامات للجيش المصري بقتل صبيين ومدرس في سيناء بعد أيام من اعتقالهم

«رويترز» تصنف مصر ضمن محاصري غزة استجابة لطلب إسرائيلي

الجيش المصري يمد أنابيب مياه عملاقة على طول الحدود مع غزة لتدمير الأنفاق

الجيش المصري يبدأ عملية ضخ المياه لإغراق الحدود مع قطاع غزة

مصر تفتح معبر رفح مع قطاع غزة لأول مرة منذ 3 أشهر