أعلنت مصر رسميا أمس توسيع المنطقة العازلة على حدود قطاع غزة لتصل مساحتها الى كيلومتر بدلا من خمسمئة متر، وبدأت تدمير المزيد من بيوت المواطنين في المدينة، ما يعني تشديد الحصارعلى قطاع غزة المدمر، واضعاف فرص البدء في اعادة تعميره في عقاب جماعي لقي ادانات حقوقية محلية ودولية.
وجاء القرار فيما تشهد «خارطة الارهاب في مصر» توسعا وتحولات نوعية غير مسبوقة، من جهة عدد العمليات واساليبها ومواقعها واهدافها، ما يطرح سؤالا بديهيا ومشروعا ان كان توسيع المنطقة العازلة الرد المناسب لوقف تصعيد الجماعات الارهابية ام انه دليل اضافي على الفوضى والارتباك ومحاولات حرف الانتباه عن العجز الذي يميز جهود النظام في هذا المجال؟
وتحتاج إجابة موضوعية هنا إلى وضع القرار في سياقه الطبيعي ضمن هذا المشهد بالغ التعقيد، والتوقف عند نقاط محددة:
أولا: ان توسيع المنطقة العازلة يفترض ضمنيا ان الانفاق هي المصدر الرئيسي للعمليات الارهابية في سيناء، فاذا كان هذا صحيحا من اين اتى العشرات الذين هاجموا اللنش البحري شمال دمياط الاسبوع الماضي، في عملية وقعت بعد اقامة المنطقة الامنية على الشريط الحدودي، وترحيل مئات العائلات من رفح؟ وكيف تمكنوا من اختراق الكمائن والاجراءات الامنية المشددة على طول الطريق من شمال سيناء الى مدينة دمياط، بما في ذلك عبور قناة السويس؟
ثانيا: من المفهوم ان للدولة الحق في اتخاذ ما تراه من اجراءات لتأمين حدودها ضمن القوانين ذات الشأن، بما في ذلك تدمير الانفاق، ولكن هل من مصلحة الامن القومي المصري ان يؤدي هذا الى عقاب جماعي لاهالي سيناء وقطاع غزة، بأن يحولهم الى حاضنة شعبية للارهاب، بعد ان كانوا داعمين او متضامنين مع الجيش المصري في جهوده لتحقيق الامن؟
ثالثا: تمثل مبايعة داعش التي أنشأت ما يسمى بـ «ولاية سيناء» تحولا نوعيا في خارطة الارهاب محليا واقليميا، اذ اصبحت مصر رسميا في مرمى اكبر تنظيم ارهابي، ونجح في حل مشكلتين اساسيتين: اولا توفير قيادة بديلة للجماعة بعد مقتل زعيمها شادي المنيعي على ايدي الجيش المصري، وتأمين مصدر جديد للتمويل بعد تقطع الصلات مع «القاعدة» وزعيمها ايمن الظواهري. ويظهر هذا التحول نوعا من البراغماتية السياسية، في ضوء الخلاف بل والتقاتل الذي حدث بين جبهة النصرة وهي الفرع السوري من «القاعدة» وداعش. كما تمثل اشارة الجماعة في فيديو «صولة الانصار» الى تحرير معتقلي سيناء كهدف من عملياتها سعيا الى توسيع نطاق التجنيد، وهي عوامل تنذر مجتمعة بصعود غير مسبوق للهجمات في المرحلة المقبلة.
رابعا: بينما نجح الفيديو المذكور في تحقيق انتصار مهم للجماعة على صعيد الحرب النفسية، باظهار صور دموية بشعة للقتلى والجرحى من الجنود المصريين، بدا اداء النظام المصري مرتبكا على الصعيد الاعلامي. ومثال ذلك انه يترك الشعب المصري حتى الآن فريسة للتكهنات والتسريبات الصحافية بشأن حقيقة الهجوم البحري شمال دمياط، وهي عملية خطيرة وغير مسبوقةـ تظهر تعرض مصر الى حرب عسكرية مخابراتية اعلامية نفسية محترفة وليس مجرد» عمليات ارهابية»، وبالتالي يجب ان يكون الرد بالمثل وليس عبر سياسات حكومية مضطربة، او تصريحات رومانسية او تراخ أمني، او تغول في قمع الآراء السياسية المخالفة، او الاعتماد على «عاهات اعلامية» تشوه صورة الدولة وتنفر المؤيدين للنظام قبل المعارضين له. وفي هذا الاطار يبدو توسيع المنطقة العازلة كنوع من الهروب الى الامام بتركيز الاضواء على جزء محتمل لكن بسيط من مشكلة الارهاب سعيا للتعتيم على الاسباب الحقيقية المركبة لها، وفي القلب منها غياب الرؤية السياسية للنظام.
خامسا: مع استمرار هذه المعطيات، وفي غياب البرلمان او اي آلية للمحاسبة للحكومة او الأجهزة الأمنية او المؤسسة العسكرية بشأن التقصير الواضح في مواجهة الارهاب، تتعاظم المخاوف من ان مصر تنزلق تدريجيا الى متاهة من الدم والفوضى، ربما لن تصل الى ما يعرفه المحيط الاقليمي من مجازر واضطرابات او حروب اهلية، لكنها كافية لتعطيل عودة الأمن، والنهوض الاقتصادي، واستئناف التحول الديمقراطي، من ثم الانفتاح على المجهول.