الرابحون والخاسرون من هبوط أسعار النفط

الجمعة 23 يناير 2015 06:01 ص

فاجأ هبوط أسعار النفط بأكثر من 40 في المئة منذ حزيران (يونيو) كثيرين من المراقبين والمؤسسات والخبراء لأن كثيرين منهم كانوا يتوقعون ارتفاع الأسعار في ظل الاضطرابات الجيوسياسية استناداً إلى تطورات أسعار النفط في الماضي التي تشير إلى الارتفاع في ظل بيئة عالمية مضطربة في مناطق البلدان المنتجة والمصدرة للنفط.

وأثار هبوط أسعار النفط جدلاً بين المهتمين والمتابعين حول الأسباب التي أدت إلى ذلك وهل هي اقتصادية يمكن تعليلها وفهمها بتطور النمو البطيء للطلب على النفط أو النمو المرتفع للعرض من النفط خصوصاً النفط الصخري في الولايات المتحدة، أم هي سياسية هادفة إلى الضغط اقتصادياً على روسيا وإيران وفنزويلا لتحقيق بعض المآرب السياسية.

الحسم في هذا الموضوع غير ممكن والمراقبون غير متفقين على أسباب الهبوط المفاجئ لأسعار النفط لكن الأطراف يقدمون أسباباً قد تجمع بين الأسباب الاقتصادية والمادية والسياسية. وما دام الأمر كذلك، لن أخوض في أسباب هبوط أسعار النفط بل سأحاول استعراض آثار الهبوط في الاقتصاد العالمي، وفي البلدان المستوردة للنفط، والبلدان المصدرة له، والتعرف على السياسات المناسبة التي يحبذ ان تتبناها كل من البلدان المستوردة والمصدرة للنفط.

حسب صندوق النقد الدولي، فإن أسعار النفط المنخفضة الناجمة من زيادة عرض النفط هي أخبار سارة للاقتصاد العالمي في شكل عام لكن توزيع الآثار بين مستوردي النفط ومصدريه كبير. ويعتمد التقدير الكمي للآثار على افتراضات حول حجم زيادة عرض النفط وفترة استمرارية الزيادة.

وحسب الصندوق أيضاً فإن الزيادة في الناتج المحلي الإجمالي العالمي ستبلغ 0.7 في المئة عام 2015 و0.8 في المئة عام 2016 أي ان آثار انخفاض أسعار النفط على الاقتصاد العالمي هي زيادة تقدر بنحو 571 بليون دولار و688 بليون دولار في 2015 و2016 على التوالي باعتبار ان الناتج المحلي الإجمالي العالمي يقدر قبل هبوط أسعار النفط بنحو 81.1 تريليون دولار و86 تريليون دولار في 2015 و2016 على التوالي.

والسؤال من هم الرابحون من زيادة الناتج المحلي الإجمالي العالمي الناجمة عن هبوط أسعار النفط؟

لننظر في الآثار على البلدان المستوردة: يؤثر انخفاض أسعار النفط في البلدان المستوردة من خلال ثلاث قنوات هي اثر زيادة الدخل الحقيقي في الاستهلاك فانخفاض أسعار النفط يزيد دخل الأفراد لأن النفقات على النفط تقل وبالتالي يزيد الاستهلاك، وأثر الانخفاض في تكلفة إنتاج السلع النهائية وبالتالي في الأرباح والاستثمارات، والأثر في معدل التضخم.

هذه الآثار الناجمة عن انخفاض أسعار النفط تختلف قوتها بين البلدان المستوردة للنفط. وحسب صندوق النقد الدولي، فإن اثر الدخل الحقيقي في الولايات المتحدة اقل من الأثر في منطقة اليورو أو اليابان، فالولايات المتحدة تنتج حالياً أكثر من نصف النفط الذي تستهلكه.

وتعتمد آثار الدخل الحقيقي والأرباح على كثافة الطاقة في البلدان. فمثلاً ما زال كل من الصين والهند أكثر كثافة للطاقة من الاقتصاد المتقدمة، وبالتالي يستفيدان أكثر من انخفاض أسعار النفط. وفي الولايات المتحدة الأميركية تبلغ نسبة استهلاك النفط إلى الناتج المحلي الإجمالي 3.8 في المئة بينما تبلغ 5.4 في المئة في الصين و7.5 في المئة في الهند واندونيسيا. وبعض البلدان المستوردة للنفط قد يتأثر سلباً بانخفاض أسعار النفط خصوصاً البلدان التي تتلقى مساعدات وتحويلات من الدول المصدرة للنفط أو تصدر سلعاً وخدمات إليها.

أما أثار انخفاض أسعار النفط في البلدان المنتجة والمصدرة للنفط فهي سلبية إذ ينخفض الدخل الحقيقي وكذلك أرباح إنتاج النفط إذ يقل الفرق بين السعر وتكلفة إنتاج برميل النفط. وهذا عكس ما يحصل في البلدان المستوردة للنفط. وكما هي الحال في البلدان المستوردة، يختلف تأثير انخفاض أسعار النفط بين البلدان المصدرة حسب اعتمادها على إنتاج النفط وتصديره.

في روسيا، مثلاً، تقدر حصة النفط من الناتج المحلي الإجمالي بنحو 25 في المئة و70 في المئة من الصادرات، و50 في المئة من إيرادات الحكومة، وفي دول مجلس التعاون تسجل حصة النفط في إيرادات الحكومات نحو 22.5 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي و63.6 في المئة من الصادرات.

وتتجسد الآثار المباشرة لانخفاض أسعار النفط في البلدان المصدرة في شكل ميكانيكي في عجز الموازنة الحكومية. فالمملكة العربية السعودية أعلنت موازنة بنفقات قدرها 229 مليار دولار تقريباً وبعجز تمويلي قدره 38.6 مليار دولار لعام 2015.

وذكر وزير المال إبراهيم عساف، ان المملكة ستمول العجز إما بالسحب من الاحتياطات أو الاقتراض من أسواق المال. ولم تخفض المملكة موازنتها بل أبقتها في مستوى عام 2014 على رغم انخفاض أسعار النفط وبالتالي انخفاض الإيرادات، وحسناً فعلت لأن الاحتياطات التي تجمعت لديها في السنوات الماضية من جراء الفوائض المالية سواء في الموازنة أو في الحساب الجاري في ميزان المدفوعات لا بد من استخدامها وقت الحاجة.

وختاماً نقول إن الآثار المباشرة لهبوط أسعار النفط على اقتصادات البلدان المصدرة سلبية وعلى البلدان المستوردة إيجابية لكن مقدار الآثار يختلف من بلد إلى بلد. لذلك لا بد من قيام كل بلد بإجراء دراسة متأنية وعميقة لتحديد تقدير الآثار ورسم السياسات للتعامل مع الآثار المقدرة.

 

المصدر | علي توفيق الصادق | الحياة

  كلمات مفتاحية

أسعار النفط الرابحون الخاسرون عجز الموازنة صندوق النقد الدولي الاقتصاد العالمي الصين الهند كثافة الطاقة روسيا إيران فنزويلا

اجتماع مقترح بين السعودية وروسيا وفنزويلا والمكسيك .. والخام الأمريكي يهبط لأدنى سعر في 6 سنوات

7 أسباب تدفع السعودية للتمسك بسياستها النفطية الحالية

«ذي إيكونوميست»: مخطط السعودية النفطي يدخل مرحلته الثانية ويهدد المنافسين

الانخفاض الكبير: مقامرة النفط السعودية

مستشار وزيرالبترول السعودي: أسعار النفط في طريقها للاستقرار وستواصل الصعود

خطأ الولايات المتحدة الاستراتيجي في حرب أسعار النفط

قطاع النفط الصخري الأمريكي يتأهب لمزيد من المتاعب مع تجدد هبوط الخام

«التيليجراف»: التوصل لاتفاق نووي مع إيران قد يهبط بأسعار النفط إلى 20 دولارا

رئيس فنزويلا يصل إلى الدوحة حاملا «مبادرات» من أجل سعر قوي للنفط

رئيس فنزويلا: أمير قطر أبدى موافقته على عقد قمة لزعماء «أوبك»