«المونيتور»: جبهات حرجة في الأنبار

الأحد 3 مايو 2015 06:05 ص

يحتلّ تنظيم «داعش» منذ أكثر من عام 6 بلدات رئيسيّة في الأنبار، تمتدّ من القائم إلى الرطبة، ثمّ عانة وراوة، وصولاً إلى هيت والفلّوجة. وقد فتح خلال الشهرين الأخيرين وحتى اليوم 6 جبهات جديدة، في وقت متزامن، تشمل حديثة ووسط الرمادي والثرثار وعامريّة الفلّوجة والكرمة والبغدادي، لاستكمال احتلال الأنبار بشكل نهائيّ.

ورغم أنّ انتقال «داعش» إلى إشعال جبهة الأنبار، يرتبط في شكل مباشر بمحاولة تعويض الهزيمة التي مني بها في تكريت، فإنّ هذا الانتقال لم يكن مفاجئاً، خصوصاً أنّ الأنبار مثّلت على الدوام ساحة مفتوحة وواسعة ونموذجيّة أيضاً، من خلال البيئة الجغرافيّة المعقّدة للتنظيمات المتطرّفة طوال السنوات الماضية. فقد كانت مقراً لتنظيم القاعدة وعدد كبير من الفصائل المسلحة مثل الجيش الاسلامي وجيش المجاهدين وحماس العراق وشهدت عمليات عسكرية كبيرة طوال فترة الاحتلال الاميركي للعراق 2003 - 2012.

لكنّ خريطة انتشار «داعش» في الأنبار، والتي تتداخل مع المناطق التي لم يتمكّن من حسم السيطرة عليها، ترتبط أيضاً بطبيعة الانقسام العشائريّ هناك، وبتمسّك القوّات العراقيّة بالدفاع عن مواقعها التي لم تتخلّ عنها في شكل كامل منذ أكثر من عام على الرغم من كثافة هجمات التنظيم. القوات العراقية احتفظت بقاعدتي البغدادي والحبانية العسكريتين ومركز مدينة الانبار وقضاء حديثة . ففي شباط/ فبراير عام 2014 شن التنظيم هجوماً واسعاً لاحتلال قاعدة البغدادي لكن القوات العراقية نجحت في صده. وفي مارس/اذار الماضي أحبطت القوات هجوماً على حديثة وكان تنظيم «داعش» حاول السيطرة على حديثة في أكتوبر/تشرين الأول الماضي وفشل ايضاً. كما أنه حاول في أكثر من مرة احتلال مدينة الرمادي وإسقاط المجمع الحكومي فيها لكنه فشل ايضاً.

على الأرض، حسم «داعش» منذ يناير/كانون الثاني 2014 سيطرته على مدينة القائم، في أقصى شمال غرب الأنبار، بالتزامن مع حسم سيطرته على مدينة الفلّوجة في أقصى شرقها، وإعلانه في أغسطس / آب المدينتين ولايتين مستقلّتين تابعتين له، وساعدته في ذلك التركيبة الديموغرافيّة للمدينتين، حيث يضعف العامل العشائريّ فيهما ويتنوّع، ليتقدّم العامل الدينيّ، وتزداد تبعاً لذلك البيئة الحاضنة للتنظيم.

لكنّ «داعش» لم ينجح في حسم معركته في الرمادي، وهي عاصمة الأنبار ومركزها الإداريّ، بسبب قوّة العامل العشائريّ هناك، ووجود قوّة رسميّة متمركزة وسط المدينة، إضافة إلى فشل التنظيم على الرغم من محاولاته العديدة السيطرة على بلدة حديثة التي تضمّ بيئة عشائريّة رافضة له، وقوّة عسكريّة نظاميّة مشكلة من الجيش وتنظيمات الحشد الشعبي وبعض العشائر المتحالفة مع الجيش لحماية سدّ حديثة المائيّ.

وعلى الرغم من محاولات التنظيم المستمرّة، لإخضاع بلدات الكرمة إلى الشمال الشرقيّ للفلّوجة، وعامريّة الفلّوجة إلى الجنوب الشرقيّ لها، إضافة إلى الثرثار شمال المدينة، فإنّه فشل في السيطرة عليها في شكل كامل، بسبب وجود قوّة عسكريّة رسميّة كبيرة، هدفها حماية محيط بغداد الغربيّ المتّصل مع الأنبار..

وتكمن قدرة التنظيم على التحرّك المستمرّ في الأنبار، في التعقيد الجغرافيّ الصحراويّ الذي يحيط بمدن الأنبار المتناثرة على نهر الفرات، وأيضاً في نجاحه في استثمار الانشقاقات في صفوف العشائر، لضمان ولاءات عشائريّة متنوّعة. «داعش» ومن قبله تنظيم القاعدة أجرى أحلاف عشائرية محلية وهو يركز على أخذ البيعة من العشائر، وسبق له أن عرض افلام لعمليات بيعة من بعض العشائر مثل ماحدث في القائم والموصل.

لكنّ انقسام العشائر لم يتسبّب به «داعش» فقط، بل يعود إلى جذور تاريخيّة عميقة وخلافات نمت في بشكل واضح بعد احتلال العراق في عام 2003، حيث برز الانقسام العشائريّ في طريقة التعامل مع الواقع الجديد، وخلّف ظهور مجموعات الصحوة التي هزمت تنظيم «داعش» في الانبار تحديداً بين 2006 –2008 والموقف المضطرب من الحكومة، انقسامات جديدة.

ومع ذلك، فإنّ العشائر التي لم تتحالف مع «داعش» في الجبهات المذكورة، تطلق استغاثات مستمرّة إلى الحكومة العراقيّة لتسليحها منذ يناير/كانون الثاني عام 2014 عندما احتل داعش الفلوجة ومن ثم بعد توسع التنظيم ليحتل أجزاء واسعة في العراق بعد حزيران 2014، كما تحمّل الحكومة مسؤوليّة الانهيارات الأمنيّة الأخيرة في الأنبار بسبب عدم ثقتها بالعشائر.

لكنّ وزير الداخليّة العراقيّ «محمّد الغبان» الذي يقرّ بوجود تعقيد في جبهات الأنبار، لا يعتبر أنّ قضيّة تقاعس الحكومة عن تسليح العشائر هي من تقف خلف تمدد التنظيم.

ويقول «الغبان» لـ«المونيتور» إنّ حكومة «المالكي» سبق أن سلّحت عشائر الأنبار في مناسبات مختلفة، لكنّ المشكلة تكمن في إرادة قتال «داعش»، وفي تنظيم صفوف أبناء المحافظة، حيث يتحوّلون إلى قوّة واحدة تقف أمام العدوّ.

ويضيف: «إنّ عدم توافق أهالي الأنبار تقف خلفه أسباب داخليّة وخارجيّة. وهناك أجندات إقليميّة، كما هناك من يحاول أن يستغلّ الظروف الثنائيّة لتمرير أجندات تخدم مصالح دول إقليميّة، ومن يستجيب إلى هذه الأجندات، ويكون أداة لها»

ويكمل: «تنظيم داعش يحاول عادة استغلال الظروف غير الطبيعيّة، وآخرها حملة التهجير التي جرت في الأنبار لتمرير عناصره إلى بغداد. لذلك، نحن حذرون من محاولة التنظيم تفجير حملات نزوح كبيرة، واستغلالها لدفع عناصره إلى بغداد. وهذا ما برّر بعض الإجراءات الأمنيّة التي رافقت دخول العائلات المهجّرة إلى العاصمة، على الرغم من تقديرنا الظروف الصعبة التي مرّ بها الأهالي».

وعن الجدل الذي أثير حول إطلاق عمليّة تحرير الأنبار من قبل الحكومة المحليّة، في التاسع من نيسان/ أبريل الجاري، وهي العمليّات التي ثبت لاحقاً أنّها غير جدّية بسبب عدم إكمال الاستعدادات لها، يقول «الغبان»: «في صراحة، بعد تطهير تكريت، كان على القوّات العراقيّة تأمين الجهّة الغربيّة من بغداد، لكنّ الإعلان عن ساعة صفر لتلك العمليّات لم يكن موفّقاً، وكان خارج السياقات العسكريّة».

واقع الحال أنّ الاضطراب الأمنيّ في الأنبار تقف خلفه أسباب مختلفة. ومن بين تلك الأسباب، ما يتعلّق بالجانب السياسيّ للأزمة، حيث أنّ بغداد تشهد خلافات حول القوّة العسكريّة التي ستتولّى المعارك في الأنبار، وجدلاً حول مشاركة الحشد الشعبيّ أو بعض فصائله فيها.

ويرتبط هذا بحديث متواتر عن وجود «فيتو» أميركيّ أمام مشاركة «الحشد الشعبيّ»، مقابل خلاف سياسيّ بين الجهات السنية التي ترفض في الغالب مشاركة «الحشد الشعبي» والجهات الشيعية التي تدعو الى مشاركته، وعدم اكتمال القوّة العسكريّة التي يحاول مدرّبون أميركيّون تشكيلها من أهالي الأنبار منذ أشهر.

ومع أنّ وزير الدفاع العراقيّ أعلن في 26 نيسان/أبريل الجاري أنّ قوّاته نجحت في صدّ هجمات «داعش» الأخيرة في الثرثار والكرمة وعامريّة الفلّوجة، وصولاً إلى البغدادي والرمادي، إلّا أنّه يتّهم جهّات سياسيّة لم يسمّها بدعوة جنود الجيش إلى إلقاء سلاحهم.

إنّ التشكيك في قدرة الجيش العراقيّ على خوض معركة الأنبار متواصلة في مراكز القرار العراقيّة، حيث تصرّح قيادات في الحشد الشعبيّ بأنّ لرفض السياسيّ لمشاركة "الحشد" في عمليّات الأنبار، هو من ساهم في سيطرة «داعش»على مناطق واسعة، وبأنّه «لو كان الحشد موجوداً في تلك المناطق، لما كان في إمكان داعش احتلالها».

إنّ استمرار الجدل حول القوّة التي ستتولّى معركة تحرير الأنبار، يعني في الضرورة أنّ الساحة ستكون متروكة إلى تنظيم «داعش»، إلى حين حسم القوى السياسيّة العراقيّة أمرها، والاتّفاق على أسلوب ما يضمن مشاركة أهالي الأنبار في تحرير مناطقهم بدعم من الجيش و«الحشد الشعبيّ»، وبغطاء جوّي أميركيّ.

  كلمات مفتاحية

العراق الأنبار الرمادي الحشد الشعبي الدولة الإسلامية

«المونيتور»: «الدولة الإسلامية» يلتقط أنفاسه ويصعّد هجماته .. وخصومه بلا رؤية لما بعد تكريت

«العبادي»: 4 آلاف متطوع من سكان الأنبار مستعدين لمحاربة تنظيم «الدولة الإسلامية»

«الدولة الإسلامية» يضيق الخناق على محيط بغداد ويجهز لمعارك جديدة في الأنبار وصلاح الدين

«الدولة الإسلامية» يحاول السيطرة على أكبر قاعدة جوية في الأنبار

«الدولة الإسلامية» يسيطرعلى مزيد من المناطق في الأنبار

شيوخ الأنبار: «الحشد الشعبي» سيطر علي ربع المحافظة وضمها إلي كربلاء

المتحدث باسم محافظ الأنبار: مقتل 500 ونزوح 8 آلاف بسبب اشتباكات الرمادي

«الدولة الإسلامية» يعلن اكتظاظ معسكرات الأنبار بعد إقبال عشائري لمبايعته هناك

مصادر عراقية: انطلاق عملية لتحرير جزيرة البغدادي غرب الأنبار من 3 محاور