«واشنطن بوست»: هل الوثائق السعودية فعلا مهمة؟

الاثنين 22 يونيو 2015 10:06 ص

في يوم الجمعة، نشر موقع ويكيليكس وصحيفة «الأخبار» اللبنانية أكثر من ستة آلاف برقية دبلوماسية مسربة من أصل نصف مليون برقية تخص المملكة العربية السعودية. وجاءت الاستجابة الفورية للإعلان في صورة سيناريو متوقع. أولا، هرعت النخب السياسية المتعاطفة مع المملكة العربية السعودية بالتقليل من أهمية البرقيات، معلنة، استنادا إلى عدد من الوثائق التي تم الاطلاع عليها، أنه لا يوجد هناك شيء جديد أو مثير للاهتمام يمكن العثور عليه في الوثائق التي تم نشرها حتى الآن. في الوقت ذاته، بدأ الكثير من العرب يقلب في صفحات الإنترنت ويستخدم مهارته في البحث من أجل العثور على وثيقة ربما تضيف إليه جديدا.

وستظل هذه التسريبات مستحوذة على وسائل الإعلام ووسائل التواصل الاجتماعي لفترة وربما حتى انتهاء شهر رمضان مع تسريب جزء من هذه الوثائق تباعا، حيث أعلنت ويكيليكس أن عدد الوثائق التي في حوزتها تقترب من نصف مليون وثيقة.

لن تؤدي هذه التسريبات إلى شيء قوي يُذكر، وسيكون تأثيرها محدودا كما حدث مع تسريبات ويكيليكس السابقة، فلا ننتظر أن يكون هناك دور لتسريبات في منطقة مثل الشرق الأوسط بها الكثير من المشكلات والصراعات الطائفية والحزبية. كما سيكون تأثير هذه التسريبات محدودا على السياسية المباشرة في منطقة الشرق الأوسط التي تسيطر عليها الاستقطابات بشكل كبير. ولا يتوقع أحد أن مثل هذه التسريبات يمكن أن تؤدي، على سبيل المثال، إلى انتفاضة في الرياض أو طرد دبلوماسيين سعوديين من عواصم عربية.

وعلى الرغم من عدم وجود أهمية كبيرة للتسريبات، ينبغي ألا نهمل النظر في هذه الوثائق؛ لأنها إن صحت فمنها ما يشير إلى قضايا هامة للغاية في المنطقة؛ منها: القضية النووية الإيرانية، وحروب الوكالة بين المملكة العربية السعودية وإيران،  وقضية الانتفاضات التي اجتاحت المنطقة في عام 2010 و2011.

وبدا أن الحكومة في المملكة قد اعترفت، بطريق غير مباشر، بصحة هذه الوثائق بشكل عام عندما حذرت مواطنيها من انتشار بعض الوثائق المزورة على مواقع الإنترنت، وقالت إن بعض الوثائق التي اطلعت عليها هي صفحات متفرقة مقتطعة من سياق أكبر، وهو ما قد يجعل من الصعب تقييم هذه الوثائق. تقييم تلك الوثائق والبرقيات لا يكون سهلا بمجرد نشر بعضها أو الكشف عن عدد منها، حيث إن هذه الوثائق مجرد بعض من كل كبير، ولا يتأتى فهم هذا البعض إلا في سياق الكل لأخذ الصورة كاملة من جميع الجوانب. ولكن في الوقت ذاته تحتاج المعلومات الواردة في هذه الوثائق إلى أن تبقى قيد النظر والتحليل والفحص، فعلى سبيل المثال؛ برقية دبلوماسية سعودية حول النشاط القطري في اليمن يمكن أن تكون دقيقة، ويمكن أن تكون تصورا دبلوماسيا، أو ربما تكون معلومات دقيقة واردة من مصدر معلومات استخباراتي هو في حد ذاته خطأ. البيانات الفقيرة في التقارير المذكورة ضمن وثيقة رسمية يمكن أن تكشف عن تصورات المسؤولين، ولكن في الوقت نفسه يمكن أن تظل تحليلا فقيرا أو دليلا سياسيا لا يمكن الوثوق به أو الاعتماد عليه.

ولا يخفى على أحد أن التسريبات شكل من أشكال الحرب السياسية، سواء أكانت من طريق الحوثيين اليمنيين أو المنافس الإقليمي الإيراني أو حتى من المعارضين داخل المملكة نفسها. هناك القليل من الجهد المبذول لإخفاء هذا الكشف على أنه صادر من المملكة العربية السعودية ضمن خطاب «المصلحة العامة» وليس هناك شك في أن الكثير من السعوديين قد يفعلون نفس الشيء لإثبات أنهم محظوظون بما يكفي في الوصول إلى أنظمة الكمبيوتر الإيرانية أو القطرية. ولكن الاعتراف بسياسة التسريبات لا يخلق سببا للتغاضي عن أهميتها. ويهتم العرب في جميع أنحاء المنطقة بالوثائق السعودية، كما فعلوا عندما نشرت الوثائق الأمريكية في عام ، والسبب على وجه التحديد؛ لأن سياسات التدخل الإقليمية التي تنتهجها السعودية ورطتها بعمق في سياساتهم الداخلية. ولليمنيين والليبيين والسوريين والمصريين مصلحة في وثائق السياسة الخارجية السعودية، لأنها تؤثر تأثيرا عميقا على بلدانهم.

جدير بالذكر أنه ليس بالوثائق المسربة ما هو مستغرب أو مفاجئ حتى الآن. وتتحدث الوثائق في مجملها عن لعب وتحركات في الساحة العربية بحكم أن المملكة العربية السعودية بين دولها، كما تتحدث عن سياسيين وصحفيين وأفراد حصلوا على دعم مالي من السعودية، بالإضافة إلى وسائل إعلام كانت معروفة بالفعل أنها  متعاطفة مع المملكة العربية السعودية. وقد تم إيلاء اهتمام خاص لوثيقة واحدة بعينها؛ وثيقة تتحدث عن التدخل القطري في اليمن، ومناقشة آخر الاتصالات بين المملكة العربية السعودية وجماعة الإخوان المسلمين، وخاصة القيادي البارز فيها خيرت الشاطر، حول الإفراج عن الرئيس المصري السابق حسني مبارك في مقابل الحصول على دعم مالي كبير . وفي حين أن الكثير من الناس يتحدثون عن الكثير من التفاصيل الجديدة، إلا إن عددا قليلا سوف يندهش أو يبدي استغرابه من الكشف عن محاولة السعوديين السيطرة على وسائل الإعلام العربية، ودفع الأموال الباهظة للسياسيين، وعدم دفع تذاكر وقوف السيارات، أو عدم الاهتمام بإيران .

ولكن وجود وثائق «دامغة» هي النقطة المعنية هنا. وكما قال «هنري فاريل» و«مارتي فينمور» قبل بضع سنوات فيما يتعلق بتسريب وثائق وزارة الخارجية الأمريكية أن النتيجة الأكثر أهمية كانت «تقويض قدرة واشنطن على التصرف بنفاق والافلات من العقاب. خطر تلك الوثائق لا يكمن في المعلومات الجديدة التي كشفت عنها، لكن في التأكيد الموثق أنها تعلن ما تقوم به الولايات المتحدة في الواقع والسبب وراء ذلك». إنه شيء واحد، بالنسبة للجميع في المنطقة فإنهم يعرفون عن جهود السعودية للسيطرة على وسائل الإعلام، ولكن هذا شيء آخر تُقرأ تفاصيله في وثيقة رسمية، وعليها أن تعلم  أن الجميع يقرأون ذلك أيضا.

وكانت هذه الديناميكية دائما بالغة الأهمية في العالم العربي، حيث مارست الأنظمة الاستبدادية رقابة مشددة خصوصا على وسائل الإعلام والخطاب العام. وعندما تم تسريب الوثائق الأمريكية في عام 2010، أشرت إلى أن الأثر الأكبر سيكون في العالم العربي، حيث إن «الحكام هناك يبذلون جهودا مضنية محاولين جعل تلك الوثائق سرية ومنع وصولها للجمهور في منطقتهم»، كما أن تطبيق النفاق العام يعد بعدا أساسيا في الحكم الاستبدادي. آيلات ويكيليكس تدخل ضمن السياق الأوسع للنشاط العربي على الإنترنت بهدف كسر احتكار الدولة للمعلومات، وفضح الوحشية الرسمية والفساد، وخلق منصات وسائل إعلامية وشبكات اجتماعية بديلة. وكما يصور الناشط التونسي «سامي بن غربية»: «هذه ليست معلومات حول الفساد والمحسوبية. لا يحتاج التونسيون إلى تسريبات عن تونس لتقول لهم أن بلدهم فاسدة. التونسيون يتحدثون ويسخرون بشأن الفساد منذ سنوات. يكمن الفرق في التأثير النفسي للمؤسسة التي تواجه الأمر بشكل علني بينما صورتها القبيحة ظاهرة للعيان. كان على الحكومة أن تدرك أن كل الناس يعرفون، داخل البلاد وخارجها، أنها كانت فاسدة واستبدادية».

وجاء إفراج ويكيليكس في عام 2010 عن جملة من الوثائق خلال فترة المراهقة من المجال العام العربي على شبكة الإنترنت، مع وجود عدد مؤثر ولكن صغير نسبيا من النشطاء الموجودين للتعامل مع الوثائق المسربة. ولكن اليوم؛ فإن الجمهور العربي على الإنترنت أكثر تطورا، حيث توجد نسبة أكبر بكثير من المواطنين العرب على الإنترنت، وتنشط على منصات مثل تويتر والفيس بوك. وتكاد تكون التسريبات السعودية مصنوعة خصيصا لجمهور الإنترنت من العرب الذين لهم توجهات سياسية مختلفة لتجرهم إلى عمليات بحث ومشاركة ومناقشة، ما يجعل من المستحيل تقريبا على الدول السيطرة على تدفق المعلومات. ويمكن للقنوات الفضائية ووسائل الإعلام المحلية التي تسيطر عليها الدولة أن تتجاهل الوثائق، ولكن ذلك لن يوقف تداولها بين الملايين من مستخدمي الإنترنت العاديين. تأثير جهود الحكومة لمنع المواطنين السعوديين من نشر الوثائق سيكون اختبارا مفيدا لتوازن القوى الحالي بين الدولة والمجتمع على الإنترنت.

ومع ذلك؛ فإنه لا يوجد مقترح مثالي يشير إلى المعلومات سوف تتدفق بحرية من خلال مجال عام حر. بل على العكس تماما؛ تتدفق المعلومات الجديدة من خلال الشبكات الحزبية المستقطبة التي تسيطر الآن، على حد سواء، على كل من الجمهور العربي على الإنترنت ووسائل الإعلام. وتظهر شبكات المعلومات وسائل الاعلام المؤيدة للسعودية والمناهضة لها وثائق مختلفة على نطاق واسع. ويركز كل اتجاه على الوثائق التي تخدم قضيته، بينما يقلل كل طرف مما يقوم الآخر بنشره أو عرضه أو تناوله بالتحليل. ومن المرجح أن تعزز سياسة التسريبات السعودية أكثر من كونها ستمثل تحدٍ للبيئة السياسية القمعية المخيفة وغير المستقرة في المنطقة.

  كلمات مفتاحية

المعتقلون الفلسطينيون بالسعودية

«حسن نافعة»: وثائق «ويكيليكس» تكشف نفوذ السعودية المالي والديني في المنطقة

«نيويورك تايمز»: تسريبات «ويكيليكس» تسلط الضوء على خبايا الدبلوماسية السعودية

«ويكيليكس»: السفير السعودي بالقاهرة طلب فتح قناة اتصال مع «الشاطر»

«ويكيليكس السعودية»: قطر تسعى للتأثير في الدول المجاورة من خلال علاقاتها مع الإخوان

«ويكيليكس» ينشر 60 ألف برقية دبلوماسية سعودية ضمن نصف مليون وثيقة مسربة

«ويكيليكس» تنشر أسماء الصحفيين والمؤسسات الاعلامية المؤيدة والمعارضة للسعودية

«ويكيليكس»: الخارجية السعودية وضعت آلية صارمة للحفاظ على سرية وثائقها

من يقف خلف تسريب وثائق «ويكيليكس» السعودية؟ ولماذا هذا التوقيت؟ وهل الدسم في الأواخر؟

«ويكيليكس»: عشرات الطلاب السعوديين والخليجيين زاروا السفارة الإسرائيلية في واشنطن

الطبيعة السخيفة للاستخبارات السعودية: ما الذي تقوله وثائق ويكيليكس؟

السعودية بين هموم ويكيليكس وتوسع الإرهاب