الوثائق «المنسوبة» للدبلوماسية السعودية، التي كشف عنها موقع «ويكيليكس»، أول أمس الجمعة، يبدو أنها «لا تحتوي على مفاجآت صادمة عن المملكة الخليجية؛ كالتنصت على الولايات المتحدة أو شحن أكياس من الأموال للمجموعات المسلحة»، وفق تقرير نشرته صحيفة «نيويورك تايمز» الأمريكية اليوم الأحد.
لكن هذه الوثائق، حسب الصحيفة الأمريكية، تحتوي على تفاصيل ومعلومات كافية لتسلط الضوء على خبايا دبلوماسية المملكة، ومن شأنها أن تحرج بعض المسؤولين السعوديين، وأولئك الذين يضغطون عليهم من أجل الحصول على مساعدات مالية.
وأضافت الصحيفة أن تلك الوثائق المسربة تعطي الفضوليين لمحة عن التفاعلات المعقدة بين السعودية، التي ينظر إليها كثيرون باعتبارها العم الغني في الشرق الأوسط، وبين زبائنها من أفريقيا إلى أستراليا.
واعترفت الخارجية السعودية بأن تسريب هذه الوثائق متعلق بالهجوم الإلكتروني الأخير، الذي تعرضت له الوزارة، وحذرت من تداول تلك الوثائق بحجة أن كثيرًا منها "مفبرك"، وهددت بمعاقبة من يخالف ذلك، وفقًا لقانون جرائم الإنترنت في المملكة.
صحيفة «نيويورك تايمز» قالت في تقريرها إن موقع «ويكيليكس» سرب حتى الآن أكثر من 60 ألف وثيقة، لافتة إلى أن الموقع وعد بتسريب المزيد من هذه الوثائق.
وتشمل الوثائق المسربة بطاقات هوية وبطاقات بنكية وملخصات لتغطيات وسائل الإعلام في المملكة، لكن الوثائق التي تحتوى على معلومات ذات قيمة كانت البرقيات الدبلوماسية المتبادلة بين السفارات السعودية حول العالم ووزارة الخارجية السعودية، والتي تم إرسال الكثير منها إلى الملك لاتخاذ القرار النهائي بشأنها، حسب «نيويورك تايمز».
وأشارت الصحيفة إلى أن معظم البرقيات تركز على فترة الاضطرابات في الشرق الأوسط، بداية من فترة ما بعد ثورات الربيع العربي التي أسقطت رؤساء عرب في عام 2011، وحتى مطلع العام الجاري.
وقالت إن يتضح من خلال الكثير من تلك البرقيات جهود السعودية، كقوة سنية، لمواجهة إيران الشيعية، منافسها الإقليمي، فضلًا عن وكلاء إيران كحزب الله اللبناني.
وذكرت أن برقيات أخرى متعلقة بالعراق تقترح جهودا لدعم السياسيين المعارضين لرئيس الوزراء العراقي السابق، «نوري المالكي»، المقرب من إيران.
إحدى هذه البرقيات قالت إن المملكة أعطت ألفي تأشيرة حج لـ«إياد علاوي»، المنافس الرئيسي للمالكي، حينئذ، وذلك لتوزيعها على من يراه مناسبا.
وبرقية أخرى متعلقة بطلب تقدم به إلى السعودية السياسي اللبناني المسيحي، «سمير جعجع»، للحصول على مساعدات من أجل حل مشاكل مالية داخل حزبه.
وجاء في البرقية إن «جعجع» ساند مواقف السعودية في مقابلات مع وسائل إعلام، معارضا نظام بشار الأسد، و«أبدى استعداده لفعل أي شيء يُطلب منه».
برقيات أخرى سربها «ويكيليكس» تظهر سعي السعودية إلى المحافظة على نفوذها الإقليمي؛ حيث تتهم المملكة في إحدى البرقيات قطر بإثارة الإضرابات في اليمن، الجار الجنوبي للمملكة.
وأظهرت برقيات اتصالات بين المملكة والإخوان في مصر بعد ثورة 25 يناير / كانون الثاني 2011، في محاولة لإطلاق سراح الرئيس المخلوع «حسني مبارك»، الذي ظل حليفا للسعودية لفترة طويلة.
وفي هذا السياق، ذكرت إحدى البرقيات إن قيادي في جماعة الأخوان المسلمين (لم تذكر اسمه) قال إن الجماعة يمكن أن تضمن أن مبارك لن يذهب للسجن في مقابل 10 مليار دولار. لكن رد تمت كتابته بخط اليد على هذه الوثيقة قال إن دفع «فدية» لـ«مبارك» «ليس فكرة جيدة»؛ لأن جماعة الإخوان ليس بمقدورها منع حبسه.
برقيات أخرى سربها « ويكيليكس » تظهر جهود السعودية المكثفة في تشكيل التغطية الإعلامية الإخبارية داخل وخارج المملكة.
وتقترح إحدى البرقيات أن تضغط الحكومة على أحد الأقمار الاصطناعية العربية المزودة لخدمات البث التليفزيوني لحجب الخدمة عن محطة تلفزيون إيرانية. في برقية أخرى، يقترح وزير الخارجية أن يستخدم مزود الخدمة "وسائل تقنية للتقليل من قوة بث المحطة الإيرانية".
برقيات أخرى تقترح تدخلا على أعلى المستويات لتشكيل التغطية الإعلامية المحلية بما يتناسب مع مصالح المملكة.
وفي برقية معنونة بـ«سري وعاجل» وتاريخها أوائل 2012، أخبر الملك الراحل «عبد الله بن عبد العزيز» كبار الوزراء عن محادثات جديدة بين المملكة وروسيا بشأن الأزمة في سوريا، وطلب منهم أن «توجيه وسائل الإعلام بعدم التعرض للمسؤولين الروس وتجنب مهاجمتهم لتفادي الإضرار بمصالح المملكة».
وأشارت الصحيفة الأمريكية في تقريرها إلى أن الوثائق تفتقر لأي دليل على دعم سعودي مباشر للمجموعات المسلحة في سوريا، أو أماكن أخرى.
ونقلت عن «بروس ريدل» المسؤول السابق بـ«وكالة الاستخبارات المركزية الأمريكية» (سي آي أيه)، أن هناك أدلة معتبرة على وجود برامج سعودية لدعم المسلحين في سوريا، لكن ذلك يحدث على يد الاستخبارات السعودية، والخارجية السعودية ليست ضمن تلك الدائرة، وهو ما يسمح بإنكار السعودية للعب دور في دعم المسلحين، بينما تجري اتصالات مع وكالات استخبارات أخرى لدعم الثوار هناك.
من جانبه، علق «عبد الخالق عبدالله»، أستاذ العلوم السياسية في الإمارات، على الوثائق المسربة «المنسوبة» للدبلوماسية السعودية، قائلا إن الوثائق تؤكد ما يعلمه الجميع بشأن ممارسة السعودية لما أسماه بـ«دبلوماسية دفتر الشيكات»، حسب ما صرح به لـ«نيويورك تايمز».
وأضاف موضحا أن هناك منافسة في الوقت الراهن على استخدام هذه السياسة بين الدول الغنية في دول الخليج مثل: السعودية وقطر والكويت والإمارات.
واعتبر أن من بين مفاجآت الوثائق المسربة، كما قال، هو أن وزير الخارجية السعودي السابق، الأمير «سعود الفيصل»، كان يستأذن من الملك في أمور بسيطة؛ ما يعني أن «الملك هو الملك بغض النظر عن شخصية الأمير».