«ميدل إيست بريفينج»: هل جماعة الإخوان المسلمين الحل أم المشكلة؟

الاثنين 20 يوليو 2015 08:07 ص

يوجد أمران جديران بالذكر قبل أي شيء. أولا: هناك العديد من الروايات غير المؤكدة التي يتم تناقلها وتداولها بين الجهاديين المتطرفين في الشرق الأوسط وهي أن هناك جماعتين تابعتين لتنظيم «الدولة الإسلامية» في باكستان وأفغانستان يعملان على تشكيل منظمة واحدة. وأكد الكولونيل الأمريكي «بريان تريباس» أن طائرات بدون طيار الأمريكية قتلت «حافظ سعيد» و30 آخرين كانوا في اجتماع بمنطقة آشين بمحافظة نانجارهار في أفغانستان في العاشر من يوليو/ تموز. وقد ضم الاجتماع ممثلين من الجماعات التابعة لتنظيم «الدولة الإسلامية» في أفغانستان وباكستان. وكان محور التركيز لهذا الاتحاد الجديد هو بلوشستان والشرق الأوسط؛ ولاسيما مصر. 

أما الأمر الثاني، وهو غير مؤكد أيضا، أن هناك مجموعة من شباب جماعة الإخوان المسلمين في مصر وصلوا إلى تفهم مع تنظيم «الدولة الإسلامية» في سيناء لتنسيق أنشطتهم في مصر. وقد قاوم شباب الإخوان المسلمين علانية الدعوات التي أطلقها بعض قياداتهم لنبذ العنف والتمسك بالطرق السياسية في قتالهم من أجل الإطاحة بالنظام الحالي القائم في القاهرة.

وقد سخر الشيخ البارز «سلامة عبد القوي» مؤخرا، وهو أحد الموجهين للشباب العنيف، من شخصيات دينية أدانت الهجوم على القنصلية الإيطالية، وهدد «الجناح» غير العنيف للإخوان المسلمين «بالمشي على أجسادهم بالحذاء»، وهو تعبير يدل على الإهانة في العامية العربية. ويعيش الشيخ «عبد القوي» حاليا في تركيا.

وبالعودة إلى مسألة الإخوان المسلمين، وما إذا كانوا هم الحل أم جزء من المشكلة في الأزمة الإقليمية الراهنة في منطقة الشرق الأوسط، فينبغي أن نعود إلى حقبة السبعينيات في مصر عندما تم إطلاق سراح عناصر الإخوان المسلمين من السجون للمساعدة في تهدئة الاضطرابات اليسارية الليبرالية بين الطلاب المصريين في تلك الحقبة. وهذه الحقبة الزمنية مهمة لكونها ترمز إلى تحول جماعة الإخوان المسلمين إلى النشاط السياسي. كما تكشف في الوقت ذاته عن نافذة نادرة جدا لكيفية نظر الجماعة إلى العلاقة بين الأنشطة السياسية والعنف. وقد تم توثيق جميع المعلومات المتعلقة بتلك الحقبة سواء على الإنترنت أو في مذكرات الشخصيات الرئيسة في تلك الفترة. وتكمن أهمية تلك النافذة النادرة في نفي المزاعم الحالية لجماعة الإخوان المسلمين بأنهم دوما كانوا ينحازون إلى الوسائل السلمية، وتوضح كيف حاول التنظيم الجمع بين النشاط السياسي والعنف من أجل الوصول إلى هدفه النهائي، وهو إقامة «الخلافة» أو إمبراطورية إسلامية تحل محل الدولة القومية، وإقامة قوانين الشريعة كما يفسرها التنظيم.

وقد وصل «صالح سرية»، وهو جهادي فلسطيني، إلى القاهرة في عام 1971 مع زوجته وتسعة أطفال حاملين معهم خطابات توصية من الإسلاميين الموجودين في الأردن والعراق وسوريا. وكان «سرية» عضوا في حزب التحرير الإسلامي، وتمكن من الوصول إلى شبكة إقليمية واسعة من الإسلاميين. وقد عاش في العراق وسوريا والأردن قبل أن يصل إلى وجهته الأخيرة: القاهرة.

ووفقا لمذكرات البعض ممن سوف يصبحون تلاميذه في المستقبل، توجه «سرية» مباشرة إلى الإسكندرية بعدما وصل إلى القاهرة. وكانت الحاجة «زينب الغزالي»، إحدى رائدات جماعة الإخوان المسلمين في ذلك الوقت،بانتظاره، وقامت باستضافته وعائلته الكبيرة في منزلها لبعض الوقت. وخلال إقامته في محافظة الإسكندرية قدمت الشيخة «زينب الغزالي»، كما اعتاد أن يسميها أعضاء جماعة الإخوان المسلمين، الرجل الشاب إلى حلقة من الطلاب الإسلاميين في الإسكندرية. كما اصطحبته أيضا إلى لقاء «حسن الهضيبي»، المرشد العام لجماعة الإخوان في ذلك الوقت. والمرشد يعد أعلى سلطة موجودة في التنظيم.

ولم يكن «سرية» يؤمن بالنشاط السياسي مطلقا. وقد عبّر عن اعتقاده بأنه «بدون القوة، لن نحقق أبدا الانتصار على الحكام غير الإسلاميين والعالم المعادي للإسلام»؛ كما جاء في كتابه الوحيد الذي تم نشره. ووفقا لمذكرات بعض أعضاء الحلقة الطلابية، قدمت «زينب الغزالي» لـ«سرية»، «مبلغا كبيرا من المال»، وأخبرت الحلقة بأنه مهما يكن من أمر يعتزمون القيام به، فإن جماعة الإخوان المسلمين سوف تتبرأ منه. وقالت إن «الجماعة سوف تنكر أي علاقة معهم، وهم لا ينبغي أن يتحدثوا عن علاقاتهم أو اجتماعاتهم مع قادة الإخوان المسلمين».

وقد قام «سرية» بتوسيع مجموعته من الطلاب (وقال أيمن الظواهري إنه التقى سرية ذات مرة، وتأثر بشدة بأفكاره. ومع ذلك؛ لم يشرك سرية الظواهري في حلقته)، كما نشر أيضا كتابه «رسالة الإيمان». وقد حمل الكتاب الدعوات القطبية الجهادية العنيفة المعتادة للإطاحة بجميع الأنظمة «الكافرة» التي تحكم الدول الإسلامية.

والشيء الغريب بشأن هذا الكتاب، هو أنه رغم توجهه الصارم والصلب، إلا أنه يسمح بالحق في المشاركة في الأنشطة السياسية القانونية إذا ما كان الهدف النهائي هو إقامة دولة إسلامية تحكمها الشريعة. كما أنه سمح بشغل المناصب الرسمية، لأن ذلك سوف يساعد، من وجهة نظر «سرية»، المجاهدين على مواصلة جهادهم لتمكين الشريعة. وكان من المفهوم أن تلك «المرونة» مفصلة لتناسب سياق الإخوان المسلمين. وقد تم طباعة الكتاب وتوزيعه بواسطة الإخوان المسلمين الذين كانوا يسيطرون على اتحاد الطلاب في جامعة القاهرة في عام 1973. (وفي حقيقة الأمر؛ كتب سرية الكتاب قبل مجيئه إلى مصر. وقد نوقش الكتاب وتمت الموافقة عليه من قبل جماعة الإخوان المسلمين قبل أن تتم طباعته).

وليس هناك أدنى شك في أن هذا الكتاب قد كشف لأول مرة في صيغة مطبوعة النوايا الحقيقية لجماعة الإخوان المسلمين. ومع ذلك، قيدت الجماعة دورها في دعم «سرية» وأتباعه بصورة غير مباشرة بقدر الإمكان.

وقد كتب «طلال الأنصاري» في مذكراته، وكان وقتئذ طالبا بكلية الهندسة والرجل الثاني في مجموعة «سرية»، أن المجموعة كانت واجهة لجماعة الإخوان المسلمين. وقد ذكر بالتفصيل ما قالته زينب الغزالي للمجموعة، وحجم الأموال التي تلقوها من جماعة الإخوان المسلمين. وقال:«كانت مجموعتنا جزءا من مجموعة أوسع تم تكوينها من قبل الإخوان المسلمين في ظل حالة من الإنكار التام».

وفي شهر إبريل/نيسان من عام 1974، هاجمت مجموعة سرية الكلية الفنية العسكرية في القاهرة بمساعدة من بعض الطلاب الأعضاء في المجموعة في محاولة للسيطرة على عدد قليل من الدبابات والمركبات المدرعة والتوجه نحو مقر الاتحاد الاشتراكي، الحزب السياسي الحاكم الوحيد في مصر في ذلك الوقت. وكان الرئيس أنور السادات يلقي خطابًا هناك في نفس اليوم. وقد تصدت لهم قوات من دبابات الجيش على الطريق وتم اعتقالهم جميعا.

وقد تم الحكم على «سرية» و«الأنصاري» بالإعدام. وفي وقت لاحق، تم إعدام سرية شنقا، وتم تخفيف عقوبة الأنصاري إلى السجن المؤبد. وقد قضى الأنصاري 25 عاما خلف القضبان ثم أطلق سراحه ليكشف عن القصة الحقيقة لهذه المجموعة الغريبة.

وكانت تلك النافذة القيمة على العالم الداخلي «لتقسيم العمل» داخل جماعة الإخوان المسلمين مهمة بالفعل. ونجد أن الجماعة تعتمد في تكتيكاتها على معادلة بسيطة وهي: هدف الجهاديين الذين يستخدمون العنف هو نفس الهدف من المشاركة السياسية، وقد يكون هذا مفيدا. وعلى الأقل، سوف يعزز من الدور الذي تلعبه الجماعة بادعائها أنها تعمل كحاجز ضد العنف. وهذا الادعاء سوف يصبح غير ذي معنى إذا لم يكن هناك عنف. وطبقا لهذه المعادلة، فإن كلا من الاتجاهين، النشاط السياسي والعنف، لديه نفس الهدف. وفي تلك الفترة، أرادت جماعة الإخوان المسلمين من الرئيس «السادات» أن يمنح أعضاءها مساحة سياسية أكبر تتحرك فيها. وكانوا يعتقدون أن دعمهم للعنف سوف يجبر الرئيس المصري على منح تنظيمهم مساحة أكبر. وقد احتفظوا برؤيتهم هذه لدورهم طوال الوقت.

ويقول «الأنصاري» إنه قد تأذى شخصيا عندما أدانته جماعة الإخوان المسلمين هو و«سرية» وجميع أعضاء جماعته قائلا: «كما لو كنا نحن الأعداء، وكما لو أنهم لا يعرفون كل خطوة اتخذناها عندما كنا نقوم بها». وقد تضاعف الأذى عندما تجنبت جماعة الإخوان المسلمين مساعدة أسرهم بعد أن تم اعتقالهم.

والسؤال الآن: لماذا يجب علينا أن نسرد هذا الفصل من تاريخ الإخوان المسلمين في منطقة الشرق الأوسط؟

السبب الوحيد هو أنه لا أحد من أولئك الذين يعرفون جماعة الإخوان المسلمين حقا يعوّل على إدانتهم الخجولة للعنف. ويجب توجيه السؤال إلى جميع مؤيدي الإخوان المسلمين في الإدارة الأمريكية الحالية وخارجها، إذا لم يكونوا يعرفوا الإجابة بالفعل، إلى أي مدى يمكننا أن نثق في قادة الإخوان المسلمين أو في بعضهم عندما يقولوا إنهم يدينون العنف؟

وهل يعني هذا أن نغض الطرف عن الحملة الشديدة ضد حرية التعبير، ووجهات النظر السياسية، والحق في الاحتجاج السلمي في مصر؟ كلا ... البتة. في حين ينبغي النظر في الظروف التي تعمل فيها الأجهزة الأمنية؛ إلا أن هذه الأجهزة تمت عملية منهجتها للخروج عن الطريق السليم في التعامل مع القضايا الصعبة للوضع الأمني في مصر. ولن يساعد في مكافحة العنف العمل على بناء نظام قمعي أو السماح بممارسات خارج النطاق القضائي. وكل أولئك الذين يدينون العنف (وهم حقا لا يشبهون الوضع في السبعينيات) ينبغي أن يسمح لهم أن يعبروا بحرية عن آرائهم بغض النظر عن موقفهم من الحكومة الحالية.

ويجب أن يكون أعضاء جماعة الإخوان المسلمين الذين يدينون العنف حقا ويحترمون القانون خارج نطاق الحملة الأمنية، وأن يكونوا قادرين على التعبير عن آرائهم بحرية. والمشكلة الرئيسة في هذا التنظيم هي أنه يحاول نسف الجسور التي عبر بها إلى السلطة، إذا ما كان عبر إلى السلطة؛ حيث يغير طبيعة الدولة والدستور وهيكل المؤسسات ليكون قادرا على تمكين رؤيته في الحكم.

ولكن القول بأن جماعة الإخوان المسلمين المصرية ما هي إلا منظمة سياسية تلتزم بالمعايير الديمقراطية وهي جماعة غير عنيفة حقا، هو نفس القول بأن «أبو الهول» يمكنه أن يغني أوبرا عايدة. وحتى الآن، يعتقد بعض الأشخاص في واشنطن والعواصم الأوروبية وغيرها من الأماكن أن «أبو الهول» يمكنه أن يكون تينور عظيم. والأسوأ من ذلك أنهم يعرفون أن هذا كذب، ويزعمون لحسابات غبية غير معروفة أنها دار الأوبرا.

ولا يخفى على أحد أن معارضة «السيسي» تزيد في مصر. ولكن مهما كان الذي سيحدث، لا ينبغي النظر إلى دور جماعة الإخوان المسلمين على أنه هو الحل لمشاكل هذا البلد؛ حيث إن الإخوان المسلمون معزولون بالفعل بين السكان، ويجب أن يظلوا معزولين، حيث تحتاج مصر إلى حكم حقيقي وطويل المدى للقانون، وتحتاج إلى حشد السكان ضد العنف من خلال تمكين المجتمع المدني. ولا تعد جماعة الإخوان المسلمين بشيء من ذلك.

  كلمات مفتاحية

مصر السيسي الإخوان المسلمون ولاية سيناء الانقلاب العسكري مرسي صالح سرية

جدلية الثورة والثورة المضادة: مصير مصر بين أربع قوى سياسية وأربعة تواريخ

الأمن المصري يقتل 13 من قيادات «الإخوان» .. والجماعة تحذر من ”غضب المظلومين المقهورين“

«ولاية سيناء» يسعى لاستقطاب شباب «الإخوان» عقب حكم الإعدام على «مرسي»

«فورين أفيرز»: قيادات الإخوان الشابة تقود المرحلة

«الإخوان» يطالبون الجيش المصري بالعودة لثكناته ويؤكدون على حرمة الدم

«روبرت فيسك»: مصر بين مطرقة جنون عظمة «السيسي» وسندان «الدولة الإسلامية»

قيادي «إخواني»: «السيسي» ألغى لقاءه بأوائل الثانوية لأن بينهم أبناء قياديين بالجماعة

مرشد الإخوان في مصر ينفي إجراء أي مفاوضات مع الجيش منذ يوليو 2013

«ساينس مونيتور»: لماذا يتودد السعوديون إلى جماعة الإخوان المسلمين؟

مصر تسعى لسحق الإخوان المسلمين .. فهل تستطيع الجماعة النجاة؟

ماذا يريد الجيل الإخواني الجديد؟

مشكلات المؤسسية في «الإخوان المسلمين»

بيان لم يكتبه «الإخوان»

عن بيان كتبه «الإخوان»

طريق «الإخوان المسلمين» في المشرق من التبشير والدعوة إلى «الفريضة الغائبة»