هل احتوى الاتفاق النووي الإيراني الأمريكي على تفاهمات استراتيجية سرية بين الجانبين حول ملفات الشرق الاوسط الرئيسية، والسوري منها على وجه الخصوص؟
الاجابة جاءت بالامس على لسان فيليب هاموند وزير الخارجية البريطاني الذي قال أمام برلمان بلاده بالحرف الواحد «لا نرغب في سقوط نظام بشار الأسد»، واضاف «لن نحصل على النتائج المرجوة إذا انهارت مؤسسات النظام، فالنتيجة المطلوبة هي حصول تغيير سياسي في النظام، والحفاظ على البنية التحتية الأساسية للدولة، وتشكيل شرعية سياسية من قبل مجموعات معتدلة»، واكد على ضرورة عدم تكرار الاخطاء في ليبيا والعراق.
من يعرف طبيعة العلاقة الاستراتيجية الخاصة بين بريطانيا والولايات المتحدة الأمريكية يدرك جيدا، ودون أدنى تفكير، ان وزير الخارجية البريطاني لا يمكن ان يقول ما قاله دون أن يكون حصل على الضوء الأخضر من الإدارة الأمريكية، وتنسيق مباشر معها.
لو كانت الولايات المتحدة وحلفاؤها يريدون فعلا إسقاط النظام السوري، لما اضطروا «مكرهين» على توقيع الاتفاق النووي مع إيران، ورفع الحصار عنها، والاعتراف بها كدولة نووية، وتطبيع العلاقات معها، ومن يعتقد غير ذلك لا يعرف أمريكا والغرب، ولا يفهم دروس العلاقات الدولية في العصرين القديم والحديث.
السياسات الأمريكية تتغير وفق المصالح، وليس وفق الثأرات القبلية والاحقاد الشخصية، فقد حاولت الإدارة الأمريكية تغيير النظام في إيران عبر الحصار الخانق، والتهديدات بضربة عسكرية وفشلت، لأن النظام الإيراني ظل متماسكا وطور قدرات عسكرية ضخمة، ولعب ورقة الخيار النووي بدهاء كبير.
الادارة الأمريكية عندما دعمت المعارضة السورية المسلحة، لم تفعل ذلك حبا في الديمقراطية وحقوق الإنسان، ولا رحمة بالشعب السوري، فمن يقتل مليون عراقي دون أن ترف له جفن، لا يمكن ان يأبه بمقتل 300 الف سوري، ومن يبارك تشريد ستة ملايين فلسطيني لا يمكن أن يحزن لتهجير خمسة ملايين سوري، أمريكا جيشت العرب وأموالهم وإعلامهم في سوريا للضغط على إيران، وعندما توصلت إلى اتفاق معها تخلت عن حلفائها العرب، مثل مناديل «الكلينيكس».
من يريد الحفاظ على مؤسسات النظام ويتحدث عن ضرورة عدم تكرار الأخطاء في العراق وليبيا، يمهد للاعتراف بشرعية النظام السوري، وتطبيع العلاقات معه، وإعادة المياه إلى مجاريها، بصورة أو بأخرى، تماما مثلما فعلوا مع إيران التي لم تعد دولة إرهابية بجرة قلم، وإنما قوة اقليمية عظمى يجب التعاون معها في معظم ملفات المنطقة إن لم يكن كلها، لأن البدائل العربية الاخرى مخجلة تتوسل الحماية الأمريكية والأوروبية ليل نهار.
هناك تطوران رئيسيان يؤكدان كل ما تقدم لا يجب تجاهلهما، إذا اردنا استقراء خريطة التحالفات المستقبلية في المنطقة:
الأول: وصول ستيفان دي ميستورا المبعوث الاممي في الملف السوري الى العاصمة الإيرانية طهران (الثلاثاء)، واجتماعه مع السيد محمد جواد ظريف وزير الخارجية الإيراني ونائبه حسين أمير عبداللهيان لبحث تطورات الملف السوري، مشددا على ضرورة إيجاد حل سياسي، ويكفي الإشارة الى ان سلفه الاخضر الإبراهيمي خسر وظيفته لأنه تحدث عن حضور إيران لمؤتمر جنيف السوري.
الثاني: تأكيد ضابط في قوات حماية الشعب الكردي، المتحالفة مع دمشق، لوكالة الصحافة الفرنسية عن وجود تنسيق بين الجيش السوري وقوات التحالف الأمريكي، عبر وسيط كردي، وأن طائرات سورية شوهدت خلال الأيام القليلة الماضية وهي تحلق في شمال مدينة الحسكة في شمال شرق سورية بالتزامن مع وجود طائرات للتحالف الأمريكي تقصف تجمعات «الدولة الاسلامية».
صحيح أن متحدثا باسم القيادة العسكرية الأمريكية في الشرق الأوسط كورتيس كيلوغ نفى وجود هذا التنسيق، ولكن الوقائع على الأرض تكذبه أيضا، وتكذب إدارته وقادته، ولا ننسى في هذه العجالة أكذوبة أسلحة الدمار الشامل العراقية مع الفارق الكبير في المقارنة.
إيران ليست دولة فقط، وإنما منظومة متكاملة، وسوريا أحد أعمدة هذه المنظومة الأبرز، وطالما أنها خرجت من عنق زجاجة الحصار الأمريكي، فمن الطبيعي، بل والمنطقي، أن تخرج معها سوريا، والنظام الحاكم فيها، الذي رفض كل المغريات المادية العربية، والتهديدات الأمريكية، للخروج من هذه المنظومة، وتحمل حربا ضروسا استمرت أربع سنوات.
أمريكا تغير أحصنتها، مثلما تغير أولوياتها، وأولويتها الأبرز حاليا لم تعد إسقاط النظام السوري، ليس لأنها لا تريد بل لأنها لم تستطع، وباتت تركز الآن على الخطر الأكبر في رأيها وهو «الدولة الاسلامية»، وتعتقد ان الجيش السوري، هو الاقدر على القيام بالدور الحاسم في هذا الاطار، بعد أن فقدت الامل في جيوش حلفائها العرب، وتزايد ضعف قبضة الرئيس رجب طيب اردوغان على السلطة في انقرة.
ماذا عن الشعب السوري، ماذا عن 300 الف قتيل؟ ماذا عن الائتلاف الوطني؟ وقبله المجلس الوطني الانتقالي؟ ماذا عن منظومة اصدقاء سوريا؟ ماذا عن مقعد سورية المجمد في الجامعة العربية؟
نترك لكم الاجابة.. وفهمكم كفاية.