في انتخابات الرئاسة الأميركية يتم تسييس الكثير من الأمور وخاصة في الشأن الخارجي حيث تبقى قضاياه محل نزاع وخلاف وتباين في وجهات النظر، وقلما تبرز قضايا الشؤون الخارجية كقضايا مهمة إلا إذا كانت الولايات المتحدة في حالة حرب كحربي كوريا وفيتنام، والحرب على الإرهاب، وحربي العراق وأفغانستان، منذ مطلع القرن الحالي.
واليوم يبرز ملف إيران النووي كنقطة خلاف محورية بين إدارة أوباما والديمقراطيين من جهة، والحزب الجمهوري المعارض الطامح لانتزاع البيت الأبيض بعد ثمانية أعوام من حكم الرئيس أوباما والديمقراطيين، من جهة أخرى.
وقد تراجع الهم والشأن الخارجي في الدورة الحالية لانتخابات الرئاسة الأميركية التي ستجرى في نوفمبر 2016. لكن الاتفاق النووي مع إيران يفرض نفسه بقوة على مشهد انتخابات الرئاسة الأميركية.
ففي المناظرة التليفزيونية الأخيرة لستة عشر مرشحاً من الحزب الجمهوري أجمع المرشحون على انتقاد الاتفاق النووي والتشكيك فيه، وأعلن أكثر من مرشح أنه سيمزق هذا الاتفاق في اليوم الأول لدخوله رئيساً في البيت الأبيض في 20 يناير 2017.
وتحدث بعض المرشحين الجمهوريين، في تملق لتل أبيب، عن إعطاء أولوية خاصة لحماية إسرائيل وتزويدها بالسلاح لتبقى متفوقة تقنيا على جيرانها، فيما قالت المرشحة للرئاسة «كاريل فيونا» إنها ستتصل بنتنياهو لتعرب له عن دعمها لإسرائيل، وبالمرشد لتحذره من عدم تطبيق بنود الاتفاق، وفي مزايدة وقحة أعلن السيناتور «تيد كروز» أنه سينقل مقر السفارة الأميركية من تل أبيب إلى القدس ويقف مع إسرائيل!
وفي محاولتين خلال الأسبوعين الماضيين أخفق الحزب الجمهوري وقياداته وخاصة في مجلس الشيوخ في تعطيل وإجهاض الاتفاق النووي، وفشلوا في الحصول على الستين صوتاً المطلوبة للتصويت على رفض الاتفاق النووي في مجلس الشيوخ وتكبيل الرئيس أوباما ومنعه من رفع العقوبات الأميركية على إيران، وفي حين تم تمرير المشروع في مجلس النواب بفارق كبير 247-186 إلا أنه لم يُعرض على مجلس الشيوخ المتوقع أن يرفضه.
وحتى في حالة سيناريو التصويت في مجلس الشيوخ على رفضه فقد هدد أوباما باستخدام «الفيتو» الرئاسي، ما يعني أن الاتفاق النووي سيمر وسيتم رفع العقوبات لأن الجمهوريين لا يملكون ثلثي الأصوات الكافية في مجلسي النواب والشيوخ للتغلب على «الفيتو» الرئاسي.
ووصل الأمر بأوباما ووزير خارجيته جون كيري ووزير الدفاع آشتون كارتر إلى حد الدفاع عن إيران علناً وتسويق الاتفاق النووي والإشادة بالتزام طهران بما تعهدت به منذ بدء مفاوضات النووي المباشرة، الماراثونية خلال العامين الماضيين.
لكن ما يغيب عن النقاش في أروقة الكونجرس والبيت الأبيض، وما يقلقنا نحن في دول مجلس التعاون الخليجي، هو عدم التفات واشنطن لاستقواء إيران بالاتفاق النووي. وكذلك استمرارها عبر حلفائها في تعزيز مشروعها بهدف التحول إلى الدولة المحورية والرئيسية في المنطقة، وبغطاء ومباركة من القوى الكبرى. ومنح إيران غطاء الشرعية الدولية وإدماجها في المجتمع الدولي والتغاضي عن مشروعها وزعزعتها للأمن والاستقرار في المنطقة.
ومنذ توقيع الاتفاق النووي صعّدت إيران من تدخلها في شؤون بعض دول مجلس التعاون. وقد اكتشف الأمن الكويتي وفكك أكبر وأخطر خلية إرهابية مكونة من 25 كويتياً وإيرانياً، تم تدريبها وتخابرت مع إيران و«حزب الله». وقبل ذلك اكتشفت السلطات في البحرين وفككت خلية إرهابية قامت بأعمال إرهابية أدت إلى مصرع رجال شرطة بحرينيين، واتهمت إيران و«الحرس الثوري» الإيراني بتدريب وتسليح الخلية الإرهابية.
ومع ذلك لم نسمع تعليقاً مطمئِناً أو انتقاداً من القوى الكبرى ومن الإدارة الأميركية على هذا التدخل الإيراني السافر ضد دولة الكويت ومملكة البحرين! وهذه دلالة واضحة لنوايا إيران المبيتة ضد الدول الخليجية، وقد تكتسب المزيد من الجرأة والتحدي، كما حذرنا قبل وبعد الاتفاق النووي.
وعلى العموم، واضح أن الاتفاق النووي سيفرض نفسه على أجندة انتخابات الرئاسة الأميركية. وسيلعب اللوبي الأميركي- الإسرائيلي دوراً مؤثراً في تأليب الرأي العام الأميركي واستمالة المرشحين الجمهوريين وخاصة من سيفوز منهم بترشيح الحزب في الصيف القادم.
إن على دول مجلس التعاون الخليجي أن تعبر بقوة لمجموعة (5+1) عن الخشية من توظيف إيران للاتفاق النووي ضد مصالحنا، وتقديم الأدلة على سجل إيران في زعزعة استقرار منطقة الخليج العربي. وأن إيران عامل زعزعة استقرار وليست عامل دعم الأمن الإقليمي، والدليل على ذلك، كما سبقت الإشارة، اكتشاف الخلايا الإرهابية الموالية لإيران في كل من الكويت والبحرين، وبلطجة إيران في حقل "الدرة" الذي يقع معظمه في المياه الإقليمية الكويتية السعودية في الخليج العربي.
كما أن على دول مجلس التعاون الارتقاء بالتنسيق الأمني والعسكري، والعمل جماعياً لتشكيل عامل توازن وردع يحتوي ويردع التحرش والتدخل الإيراني في شؤون دولنا، و«عاصفة الحزم» في اليمن وما قد يتبعها من مواجهات مفتوحة مع إيران هي نواة لمشروع خليجي يتصدى للتدخل الإيراني في شؤون دول المجلس ويمنعها من تهديد أمننا الجماعي في إقليمنا، وفي ذلك رسالة قوية لإيران وللقوى الكبرى التي تراهن خطأ على أن الاتفاق النووي سيهذب ويعقلن سياسة إيران تجاه جيرانها!