مصر وأزمة سد النهضة.. قرار متردد أم تمهيد لعمل عسكري؟

الأحد 11 أبريل 2021 01:14 م

فشلت المفاوضات بين مصر والسودان وإثيوبيا، والتي عقدت على مدار أيام في كينشاسا عاصمة الكونغو الديمقراطية، التي تترأس الاتحاد الأفريقي، في تحقيق أي تقدم نحو حل أزمة سد النهضة، ما وضع الموقف المصري في خانة الضوء الأحمر مع بداية العد التنازلي للملء الثاني للسد في يوليو/تموز المقبل.

وتخشى مصر من تأثير السد على حصتها من المياه، والبالغة 55.5 مليار متر مكعب سنويا تحصل على أغلبها من النيل الأزرق، وسبق أن أعلنت تعتبر جولة المفاوضات في كينشاسا بمثابة "فرصة أخيرة" للتوصل إلى اتفاق حول ملء وتشغيل السد.

وبينما تتمسك القاهرة بالتوصل أولا إلى اتفاق يحافظ على منشآتها المائية ويضمن استمرار تدفق حصتها السنوية من مياه نهر النيل‎، البالغة 55.5 مليار متر مكعب، تؤكد إثيوبيا أن الملء الثاني لسد النهضة سيتم في موعده المقرر.

وإزاء ذلك تباينت تقديرات المراقبين إزاء المواقف المعلنة من الجانب المصري بين مرجح لتنفيذ القاهرة عمل عسكري يضمن خروج السد الإثيوبي من الخدمة لعدد من السنوات، أو تدميره بالكامل، مقابل آخرين يرون في هذا الاحتمال أمرا مستبعدا.

وتصاعد النقاش حول هكذا احتمال، الأسبوع الماضي، بعدما حذر الرئيس المصري "عبدالفتاح السيسي"، من المساس بحصة مصر من مياه نهر النيل، وحملت تصريحاته أقوى لهجة تهديد لأديس أبابا منذ نشوب الأزمة قبل عقد.

وقال "السيسي"، آنذاك، إن "مياه النيل خط أحمر، ولن نسمح بالمساس بحقوقنا المائية، وأي مساس بمياه مصر سيكون له رد فعل يهدد استقرار المنطقة بالكامل".

قتال اضطراري؟

وتوقع الأكاديمي المصري "حسن نافعة" أن تقاتل مصر بعد حرمانها من حقوقها في مياه النيل، وإفشال إثيوبيا لمفاوضات كينشاسا، مثلما أفشلت جولات كثيرة سابقة، وكتب عبر تويتر: "كتب عليكم القتال وهو كره لكم (..) لا يخالجني شك في أن مصر ستقاتل إن أصرت إثيوبيا على حرمانها من حقوقها في مياه النيل، وأفشلت الجولة الحالية من المفاوضات مثلما أفشلت جولات كثيرة سابقة".

لكن الإعلامي المصري الموالي للنظام الحاكم "عمرو أديب" وجه، عبر برنامجه "الحكاية" على قناة "إم بي سي مصر"، رسالة لمتابعيه في اتجاه معاكس، مفادها أن "هناك ابتزازا عسكريا من قبل كل الدول المعادية لمصر لجرها للدخول في حرب"، معلقًا: "كل الناس اللي بتكرهنا لا أستثني منهم أحدًا كلهم رأيهم أننا لازم نحارب".

بعض المراقبين اعتبر ذلك دليلا على تردد "السيسي" وخشيته من عواقب العمل العسكري، خاصة بعدما قللت وزارة الخارجية الإثيوبية من قيمة تلويحه بضرب سد النهضة في مقال بمجلة (A Week in the Horn).

وأورد المقال أن التلويح المصري يأتي في إطار سياق تاريخي من التهديدات باستعمال القوة من قبل رؤساء مصر السابقين، مؤكدا أن أديس أبابا "تستعد حاليا لكل الاحتمالات وماضية في التحضيرات لعملية الملء الثانية للسد".

عامل آخر يدفع باتجاه "تردد" القاهرة، وهو موقف أبوظبي من الأزمة، إذ تحاول لجم التصعيد من جهة مصر والسودان نحو إثيوبيا، وهو ما كشفه البيان الأخير لوزارة الخارجية الإماراتية، الذي عبر عن موقف أقرب للحياد منه لدعم مصر والسودان، حيث دعا إلى "حوار بناء" بين الدول الثلاث، وهو موقف مختلف عن إعلان الدعم الصريح للقاهرة من قبل السعودية والبحرين وعُمان.

ولذا لم تستجب مصر لمحاولة الوساطة الإماراتية، بينما يبدو أن الإغراءات المالية دفعت السودان إلى إبداء مرونة تجاهها، حيث أعلنت الحكومة السودانية، قبولها بوساطة أبوظبي.

وهنا يشير الكاتب والمحلل الإريتري المتخصص في الشؤون الأفريقية "شفاء العفاري"، إلى أن "الإمارات تمتلك أوراق ضغط كبيرة على إثيوبيا، حيث أن لديها استثمارات ضخمة في إثيوبيا وعلاقات وثيقة مع رئيس الوزراء الإثيوبي "آبي أحمد"، وفي الوقت نفسه فإن للإمارات نفوذ في السودان وتحافظ على علاقات استراتيجية مع مصر وقد يجعلها ذلك وسيطا مناسبا لحل أزمة سد النهضة"، وفقا لما أورده موقع "المونيتور".

وفي 14 مارس/آذار، أعلنت شركة أبوظبي لطاقة المستقبل، المعروفة أيضا باسم "مصدر"، عن اتفاقية مع الحكومة الإثيوبية لتنفيذ مشاريع طاقة شمسية من شأنها أن تولد 500 ميجاوات في عدة مواقع في إثيوبيا.

ووقع صندوق "خليفة" الإماراتي لتطوير المشاريع اتفاقية بقيمة 100 مليون دولار مع وزارة المالية الإثيوبية في 27 فبراير/شباط 2020، لدعم وتمويل المشاريع متناهية الصغر والصغيرة والمتوسطة في إثيوبيا.

كما أعلن رئيس الوزراء الإثيوبي "آبي أحمد"، وفي 8 يوليو/تموز 2019، أن بلاده سترسل 50 ألف عامل إثيوبي إلى الإمارات كجزء من برنامج يهدف إلى تطوير القوى العاملة المحلية.

ويعزز من استبعاد فرضية العمل العسكري إزاء إثيوبيا أن الإدارة الأمريكية الحالية برئاسة "جو بايدن" قررت إلغاء الإجراءات العقابية التي فرضتها الإدارة السابقة برئاسة "دونالد ترامب" بحق إثيوبيا، ما يعني أن التحرك الإقليمي من جانب الإمارات يبدو معززا من قبل الولايات المتحدة على المستوى الدولي، حسبما يرى مراقبون.

ولذا تصب توقعات "جيوبوليتكال فيوتشرز" لعام 2021 باتجاه تجنب القاهرة للعمل العسكري ضد أديس أبابا لأنها "تفتقر إلى تهديد عسكري ذي مصداقية، أو دعم من قوة عظمى أو حتى دعم إقليمي، وليس لديها أمل آخر سوى محاولة الاستفادة من ثغرات الحدود الإثيوبية والنزاعات العرقية لاكتساب نفوذ جديد في المفاوضات بشأن السد".

احتمال وارد

وفي المقابل، يرى "نافعة" أنه الاتفاق الذي وقعه "السيسي" في مارس/آذار 2015 غير ملزم لمصر، ، لأنه مجرد "إعلان مبادئ" خالفت إثيوبيا نصوصه، كما يمكن الانسحاب منه عبر رفض التصديق عليه من البرلمان.

كما يرى "مصطفى سلامة" أن احتمال شن مصر ضربة عسكرية لسد النهضة غير مستبعد، خاصة في ظل مناقشة علماء السياسة، على مدى عقود لـ"فرضية حروب المياه"، التي ترى أن الدول التي تتشارك في المياه تصبح أكثر عرضة للحرب في المستقبل، وفقا لما أورده موقع "ميدل إيست آي".

ويعزز من هذا الاحتمال استنفاذ القاهرة لكل الوسائل الدبلوماسية الممكنة لمنع كارثة الملء الثاني للسد الإثيوبي دون تنسيق، إلى حد إعلان السفير "محمد إدريس"، مندوب مصر لدى الأمم المتحدة، في 18 مارس/آذار، عن توقيع أكثر من 155 دولة على بيان يعتبر "المياه مسألة حياة وقضية وجود".

كما يصب في هذا الاتجاه حركة مصر لعقد اتفاقيات عسكرية وأمنية مع دول أفريقية، بينها أوغندا وبوروندي، إضافة إلى السودان.

الاتفاقية مع السودان تحديدا ذات قيمة مهمة، خاصة في ظل ما يمكن أن يمثله أي عمل عسكري مصري ضد سد النهضة من تداعيات على ولايات سودانية، فقد سلطت دراسة لمعهد "كارنيجي" لدراسات الشرق الأوسط، الضوء على حقيقة مفادها أن "السودان سيجد نفسه عالقًا في وسط أي مواجهة عسكرية بين إثيوبيا ومصر بسبب موقعه الجغرافي، ومن المرجع أن تتحول أراضيه إلى ساحة قتال، وسيواجه المجال الجوي السوداني وحتى أراضيه انتهاكًا دوريًا".

يتعلق الأمر أيضًا باحتمال حدوث فيضانات خطيرة في السودان، الذي يخشى من أن يؤدي الافتقار إلى التنظيم الذي يحكم عمليات السد الإثيوبي إلى أخطاء فنية قد تتسبب في حدوث فيضانات في ظروف معينة.

ومن شأن تعزيز "صلاحية" القوات المسلحة المصرية في إجراء عمليات خارج الحدود، عبر الاتفاقيات مع دول أفريقية، أن يمكنها من تنفيذ سيناريو "ضرب السد" إذا ما دعت الضرورة لذلك.

التعاون السوداني مهم لمواجهة مصر عقبات الخيار العسكري، وأبرزها أن إثيوبيا ليست لديها سواحل، بحيث يمكن قصفها من البحر، إضافة إلى وعورة الجغرافيا الإثيوبية، وبعد منطقة الهدف عن مدى المقاتلات المصرية.

لكن تبقى حقيقة أن السودان نفسه لا يزال يعلن استبعاده جدوى العمل العسكري ضد إثيوبيا، وهو ما عبرت عنه وزيرة الخارجية "مريم الصادق المهدي"، يوم الخميس الماضي، قائلة: "لا مجال للحديث عن الخيار العسكري.. نحن الآن نتحدث عن الخيارات السياسية".

التصعيد الدولي

في سيناريوهات البدائل أمام القاهرة، تبرز إمكانية إعلان أن الملء الأحادي ودون اتفاق ملزم بالإدارة المشتركة للسد "عمل عدائي يمس الأمن القومي"، مع التقدم بشكوى لمجلس الأمن الدولي، وفق مقترح للفقيه الدستوري المصري  "محمد نور فرحات".

وتخول المادة 36 من ميثاق مجلس الأمن الدولي، للمجلس، التدخل في أي مرحلة من مراحل النزاع بين الدول وإصدار قرارات ملزمة لكل الأطراف، كما يمكن للمجلس وفق المادة 38 من ميثاقه فرض وساطة دولية أو إصدار قرار تحكيمي أيضا لتجنب أي صراع أو حرب قد تندلع بين الدول المتنازعة.

وقد يعزز من هكذا سيناريو خشية الجانب المصري من التورط في حرب طويلة الأمد، أو تلقي ضربة إثيوبية عكسية تهدد السد العالي، جنوبي مصر، وربما التعرض لعقوبات دولية، حال اشتعال الحرب.

أما خيار إحالة الملف إجمالا لمحكمة العدل الدولية في لاهاي، فيشترط فيه موافقة الدول الثلاث (مصر والسودان وإثيوبيا) على اللجوء إليه، وهو ما يبدو بعيد المنال.

إدارة الخسائر

أما السيناريو الأخير أمام مصر فهو التعاطي مع الأمر الواقع في يوليو/تموز المقبل والبدء في تبني نهج لـ"إدارة خسائر السد الإثيوبي" عبر استكمال تطوير العلاقات مع الكونجو، لإحياء مشروع ربط نهر الكونجو بنهر النيل ضمن خطط لتعويض النقص المحتمل في حصة مصر من مياه النيل.

وتقوم فكرة المشروع على نقل 110 مليارات متر مكعب من المياه من حوض نهر الكونجو إلى حوض النيل سنويا عن طريق ربط النهرين، بما يضاعف حصة مصر الحالية من مياه النيل، لكن تكلفته الباهظة قد تؤثر على خطط تنفيذه.

لكن مشكلة المشروع  أن الحكومة المصرية سبق أن رفضته بسبب الصعوبات والعقبات الفنية والهندسية والسياسية التي تحول دون تنفيذه، فضلا عن تكلفته الباهظة.

فأي السيناريوهات يمكن للقاهرة تحمل كلفتها؟ تبدو خارطة المكاسب والخسائر بالغة التعقيد، وربما تحمل الأيام الـ90 المقبلة العديد من المفاجآت.

المصدر | الخليج الجديد + متابعات

  كلمات مفتاحية

مصر إثيوبيا السودان سد النهضة الكونغو الإمارات النيل السيسي

مصر.. قوى معارضة تدعو لتنحية الخلاف مع النظام والتحرك ضد الملء الثاني لسد النهضة

لهذه الأسباب.. وزيران مصريان يزوران السودان

مصر: مقترح تبادل المعلومات الإثيوبي غير منطقي واستهلاك للوقت

سد النهضة.. مصر: سنتعامل مع أي تحرك غير مسؤول من إثيوبيا

لمواجهة تداعيات سد النهضة.. داعية مصري يقترح الوضوء بمناديل مبللة

إثيوبيا عن رفض السودان ملء سد النهضة: عالجنا جميع المخاوف

متمسكا باتفاق ملزم.. السيسي: عدم حل قضية سد النهضة يؤثر على استقرار المنطقة

عمرو موسى: سد النهضة عنوان فرعي بخطة كبيرة.. وهذه فرص التدخل العسكري

مصر تطوق إثيوبيا وتسعى لتشكيل منظمة أمن لنهر النيل

على وقع أزمة سد النهضة.. مباحثات عسكرية مصرية مع الكونجو والسودان