أقرّ مجلس الوزراء السعودي يوم الاثنين الماضي (23 نوفمبر 2015م) نظاماً جديداً خاصاً بفرض رسوم حكومية على الأراضي البيضاء داخل المدن السعودية. وتعاني معظم المدن السعودية غلاءً فاحشاً في أسعار العقار، وتحكّم «هوامير» العقار بمساحات كبيرة، يرفضون عرضها في السوق، للمحافظة على أسعار عالية. ويتأثّر جزء كبير من الشباب سلبياً بمثل هذه المبالغات بأسعار العقار، ولا يستطيعون الحصول على مساكن مناسبة، ويمثّل هؤلاء الشباب نحو 70% من سكّان المدن.

ويحاول هذا القانون الجديد تخفيف أعباء الإسكان على المواطن بتخفيض قيمة الأرض، عن طريق فرض رسم سنوي على الأراضي البيضاء يصل إلى 2.5 %من قيمة الأرض.

وبينما لم يفصّل النظام حجم الأراضي المستهدفة من القرار، وأمهل المشرّع الجهات التنفيذية بوضع اللوائح التفسيرية للنظام خلال ستة أشهر من الآن، ووعد بأن تكون الرسوم عادلة وشفّافة، وأنذر أولئك المخالفين أو المتهرّبين من دفعه بإجراءات عقابية صارمة.

وتمثّل رسوم العقار المستحدثة في دول الخليج تحوّلاً مهمًا في طبيعة التفاعل الحكومي مع المجتمع، من نمط ريعي إلى نمط جبائي. وهي تهدف إلى زيادة ريع الحكومة من الرسوم نتيجةً لتراجع أسعار النفط إلى نحو نصف ما كانت عليه قبل عامٍ ونصف العام.

وتتناغم هذه السياسات الجديدة مع توجّهات صندوق النقد الدولي بزيادة الإيرادات الحكومية وتنويعها بعيداً عن العائدات النفطية وحدها. وهناك أمثلة حيّة في دول مجلس التعاون لتجارب ناجحة في هذا المجال.

فحكومة دبي على سبيل المثال، تفرض رسوما تصل إلى 4% على تسجيل الأرضي، وقد نجحت هذه الرسوم، وغيرها، في تخفيف اعتماد الإمارة على عائدات النفط، بحيث أصبحت رسوم الخدمات تمثّل 94% من ميزانية الإمارة، أما العائدات النفطية فلم تتعدَ 4% من ميزانية عام 2015.

وحين نقارن رسوم الأراضي في دول الخليج العربي المجاورة، فإنها تصل في عمان إلى 3%، وفي البحرين ما بين 1.7-2%، وفي قطر 2 بالألف. أما في الكويت، فقد كانت هناك رسوم على الأراضي تمّ تجميد تنفيذها منذ أمدٍ طويل. وفي العام الماضي، تم تفعيل هذه الرسوم، ونجحت في تخفيض ما بين 15-25% من قيمة العقارات، حسب مواقعها داخل المدينة أو في أطرافها.

وحسب تقدير بعض الاقتصاديين السعوديين، فإن الرسوم ستوفّر لميزانية الحكومة عائداً يصل إلى 50 مليار ريال سنويًا (نحو 15 مليار دولار)، وهو مبلغٌ جيّد يمكن أن يساعد في تمويل مشاريع الإسكان التي تقوم بها الحكومة.

ومثل هذه الرسوم سيستفيد منها مُلاّك الأراضي خارج حدود النطاق العمراني للمدن، لأنها لن تطبَّق إلا داخل المدن في الأراضي التي تصلها خدمات الماء والكهرباء. وستكون اللوائح التي تُوضع لتنفيذ مثل هذه الرسوم هامة.

فإذا فُرضت فقط على مُلاّك الأراضي الكبيرة (10 آلاف متر مربع فأكثر)، فإنها حتمًا ستؤدي إلى تقسيم هذه الأراضي وبيعها لأبناء الطبقة الوسطى الذين سيستخدمونها لبناء بيوتهم ومساكنهم.

أما إذا طُبِّقت على الأراضي الصغيرة والكبيرة، فستكون عبئاً على الطبقة الوسطى التي اشترت هذه الأراضي بأثمان باهظة في الماضي، بغية المضاربة فيها، أو بنائها، وستضطرّهم إلى بيعها بأقل مما اشتروها به، بغية عدم دفع الضرائب السنوية المتأتّية عليها.

بمعنى آخر، فإنّ الوعاء الاستثماري الذي ظهر في منتصف السبعينات وتمثَّل في المضاربة على الأراضي والعقارات سيتضاءل بشكلٍ كبير، وسيبحث المستثمرون وأبناء الطبقة الوسطى عن أوعية استثمارية جديدة لضخّ مدخراتهم واستثماراتهم فيها.

وربما تكون أسواق الأسهم إحدى هذه الأوعية البديلة، بالرغم من التذبذب التي تتعرض له بين فينةٍ وأخرى. وربما تساهم هذه الأنظمة في زيادة المعروض من المنازل والمساكن لتخفف من وطأة نقص المعروض في هذا القطاع خاصة في المدن الكبرى، أما في المدن الصغرى فربما يندثر تماما قطاع الاتجار في الأراضي والعقارات.

وعلى أي حال، فإنّ رجال الأعمال سيرحبون بمثل هذا القرار، مثلهم في ذلك مثل الشباب المقبلين على الزواج. فانخفاض أسعار العقار سيساعد رجال الأعمال على الاستثمار التجاري حيث كانت الإيجارات تمثّل عائقا حقيقيا أمام العديد من المشاريع التجارية، خاصةً الصغيرة منها. وينبغي لنا أن ننتظر ستة أشهر قبل معرفة الآثار الإيجابية والسلبية لتطبيق مثل هذا النظام.

* د. صالح بن عبدالرحمن المانع أستاذ العلوم السياسية بجامعة الملك سعود - الرياض.