طبول الحرب تدق في طرابلس مجددا.. كيف ستنتهي أزمة "الدبيبة – باشاغا"؟

الأحد 13 فبراير 2022 06:26 م

كان الليبيون يمنون أنفسهم بسياسة الانتخابات، فإذا بهم مجددا أمام طبول الحرب، حكومتان من جديد وتحشيدات عسكرية لهذه الحكومة وتلك، لتدخل البلاد نفس النفق الذي كافحت للخروج منه، قبل مارس/آذار 2021.

رئيس حكومة الوحدة الوطنية "عبدالحميد الدبيبة" أعلن بوضوح رفضه تسليم السلطة إلى الحكومة التي أعلنها مجلس النواب الكائن في طبرق بشرقي البلاد، التي لا تزال تدين بولاء السيطرة لأمير الحرب الذي فجر شرارة المأساة السابقة "خليفة حفتر"، وهي الحكومة التي جاءت برئاسة "فتحي باشاغا"، الذي يقول محللون إنه بات رقما صعبا، حيث كان من أبرز رموز حكومة الوفاق السابقة التي قاتلت "حفتر" ومنعت سيطرته على العاصمة طرابلس، لكنه يتحرك الآن بنسق جديد وتحالفات إقليمية شبيهة بالتي كانت تدفع بـ"حفتر" إلى السيطرة على كامل ليبيا، بالرعب والدم.

شرعية "الدبيبة"

"قطار الانتخابات انطلق في ليبيا ولن يتوقف إلا بسلطة شرعية منتخبة"، هكذا صاغ "الدبيبة" ملامح شرعية حكومته التي جاءت في الأساس، بتوافق دولي وإقليمي "على مضض"، للإعداد لانتخابات شاملة تستلم بموجبها حكومة منتخبة بالكامل المسؤولية، كانت مقررة في 24 ديسمبر/كانون الأول الماضي، لكنها انهارت إثر خلافات بين الفصائل وأجهزة الدولة بشأن كيفية إجرائها.

الآن يقول "الدبيبة" إن مهمته، وفقا للاتفاق السياسي الليبي وخارطة الطريق (تونس –جنيف)، لا تزال غير منجزة، وهي التجهيز لانتخابات في موعد جديد أقصاه يونيو/حزيران المقبل، وبالتالي فإن شرعيته المستمدة من هذا الاتفاق لا تزال سارية.

لكن البرلمان له رأي آخر، مفاده أن حكومة "الدبيبة" فشلت في التجهيز للانتخابات في ديسمبر/كانون الأول، وبالتالي فقدت شرعيتها، وفقا لنفس الاتفاق السياسي، ليعلن في 31 يناير/كانون الثاني أنه سيقبل قائمة المرشحين لمنصب رئيس الوزراء الجديد اعتباراً من 8 فبراير/شباط؛ بموجب آلية الترشيح المعتمدة مؤخراً.

وبالفعل، اختار مجلس النواب في 10 فبراير/شباط الجاري، "فتحي باشاغا" رئيسا لحكومة جديدة، ليسارع بالذهاب إلى العاصمة، محاولا استلام السلطة، لكن "الدبيبة" رفض التسليم، وأجرى مناورة مضادة سريعة بالتمترس بحاضنته مصراتة، الواقعة على بعد نحو 200 كم شرق طرابلس، حيث قاد مظاهرة بها في 11 فبراير/شباط رفضا لحكومة "باشاغا"، ملمحا لبدء مقاومة عسكرية لعدم تسليم السلطة لـ"باشاغا".

أرتال مسلحة

وبالفعل، قبل ساعات، توافدت قوات مسلحة تابعة لرئاسة أركان الجيش من مدينة مصراتة (200 كيلومتر شرق طرابلس) ومدن أخرى، لافتين إلى وصول نحو 200 آلية عسكرية للعاصمة الليبية، يقودها ابن شقيقة "الدبيبة" في مصراتة "محمد البريوشة".

وفي بيان أصدرته السبت، أكدت هذه القوات رفضها للإجراءات التي اتخذها مجلس النواب المنعقد في مدينة طبرق (شرقي ليبيا) بتعيينه "باشاغا" رئيسا للحكومة، وطالبت بعدم التمديد لمجلس النواب والمجلس الأعلى للدولة.

وشددت هذه القوات على ضرورة طرح مشروع الدستور للاستفتاء وإجراء انتخابات برلمانية في أجل أقصاه شهر يونيو/حزيران المقبل.

وفي الجانب المقابل، أعلنت تشكيلات مسلحة أخرى في طرابلس وغربها دعمها لـ"باشاغا"، وللمفارقة كان من بينها تشكيلات من مصراتة أيضا، ليتفاقم الانقسام حتى داخل المدينة الواحدة، لكن تلك التشكيلات قالت إنها لن تشتبك مع القوات القادمة إلى طرابلس، متهمة "الدبيبة" بالتحريض على الحرب والفتنة، برفضه تسليم السلطة  لـ"باشاغا".

من الأقوى؟

سياسيا، يبدو "باشاغا" الطرف الأقوى داخليا، رغم الحشود العسكرية المؤيدة لـ"الدبيبة"، فهو مدعوم من مجلس النواب، بالإضافة إلى أن رئيس المجلس الأعلى للدولة "خالد المشري" ألمح لتأييده، مشددا على أن البرلمان هو المعني دستوريا باختيار رئيس الحكومة وليس المجلس الرئاسي، وذلك ردا على "الدبيبة" الذي أكد أن شرعيته أو نزعها يجب أن يكون من قبل المجلس الرئاسي وليس البرلمان.

خارجيا، وبينما أعلنت الأمم المتحدة أنها تراقب الوضع، ملمحة لتأييد "الدبيبة"، بات واضحا أن مصر تؤيد "باشاغا"، حيث قالت مصادر لصحيفة "العربي الجديد" إن القاهرة بدأت حملة للترويج له في المحافل الأوروبية والأمريكية.

ومؤخرا، زار "باشاغا" القاهرة بصورة غير معلنة، لعدة ساعات، والتقى رئيس جهاز المخابرات العامة "عباس كامل"، حيث بحث الطرفان التحركات المصرية مع عدد من الأطراف، من أجل تأمين الاعتراف بالحكومة الجديدة.

ووفق المصادر، فإن مصر نسقت تلك الخطوة مع قادة مجموعات مسلحة في طرابلس تعمل تحت مظلة الحكومة، لتحييدها ومنع انضمامها لــ"الدبيبة" في حال أصرّ على موقفه الرافض لخطوة مجلس النواب، وهو ما أفرز بالفعل عن إعلان تشكيلات مسلحة بالعاصمة تأييدها لـ"باشاغا".

وكان "الدبيبة" قبل أيام في القاهرة أيضا، لكنه فشل في لقاء الرئيس المصري "عبدالفتاح السيسي" أو مدير المخابرات "عباس كامل"، ليعود وهو على يقين بأن مصر باتت في طرف منافسه.

مشهد معقد

المشهد الآن شديد التعقيد، فالعاصمة طرابلس تضم حاليا تشكيلات مسلحة ضخمة مؤيدة لـ"الدبيبة" وأخرى لـ"باشاغا"، لكن الأخير وعد بإجراء ترتيبات وازنة في مصراتة تخرجها عن تأييد "الدبيبة".

وأشارت مصادر إلى أن مصر لعبت دورا في إقناع الجزائر بعدم معارضة خطوة تعيين "باشاغا"، وهو ما سرع من إجراءات مجلس النواب الليبي لتعيينه.

وبالنسبة لتركيا، التي لا تزال تمتلك قوات وخبراء عسكريين على الأرض في ليبيا، فيبدو أنها لا تزال تراقب الموقف باهتمام، قياسا إلى علاقاتها المتميزة مع "الدبيبة" و"باشاغا"، علاوة على تحركات أنقرة الأخيرة لفتح حوار مع الشرق الليبي، وصل إلى دعوة "حفتر" لزيارتها، وهو ما ساعد فيه التقارب التركي المصري الأخير.

ويبدو أن هذه التوازنات المعقدة ستتفاعل بشدة خلال الفترة المقبلة، وصولا إلى تكوين الولايات المتحدة وأوروبا موقفا واضحا مما يحدث، لكن انشغالها الكبير حاليا بأزمة الغزو الروسي المرتقب لأوكرانيا قد يؤخر هذا الموقف.

هذا التأخير، بحد ذاته، قد يدفع المشهد للعسكرة مجددا، وسط احتمال لتفجر معارك طاحنة داخل طرابلس هذه المرة، وليس على أبوابها كما حدث خلال حملة "حفتر" الأخيرة.

واقعيا، يبدو هذا انتصارا لمعسكر الشرق الليبي وداعميه، فنقل الحرب داخل طرابلس هو خطوة مهمة وتفتيت الجعبة الغربية خطوة أهم.

وتظل الأمور مرشحة لتطورات متلاحقة ودرامية خلال الساعات المقبلة.

المصدر | الخليج الجديد

  كلمات مفتاحية

الأزمة الليبية طبول الحرب طرابلس فتحي باشاغا عبدالحميد الدبيبة ميليشيات تشكيلات مسلحة

بعد اختياره رئيسا للوزراء.. باشاغا يصل طرابلس ويدعو الدبيبة لاحترام الديمقراطية

ليبيا.. باشاغا يبدأ مشاورات تشكيل الحكومة ويتعهد بعدم الترشح للرئاسة

باشاغا أم الدبيبة.. انقسام بالمجلس الأعلى للدولة في ليبيا

باشاغا في بنغازي لعقد مشاورات حول الحكومة وأمريكا تحث الليبيين على التهدئة

ليبيا.. مجلس الدولة ينحاز لباشاغا ويخشى تمرد حاضنته الشعبية

السيسي يلتقي المنفي ويؤكد استمرار دعم المسار السياسي بليبيا

جون أفريك: المنفي يحاول تجنب سيناريو "حكومة برأسين" في ليبيا