كيف يمكن أن يؤثر رفع العقوبات على كل من إيران والعراق وسوريا؟

الأحد 24 يناير 2016 09:01 ص

من أجل أن نكون قادرين على تقييم تأثير رفع العقوبات على إيران، قد يكون من المفيد للنظر في السياق الإقليمي المهيمن على المشهد بينما يجري تنفيذ رفع العقوبات. هناك 3 مجالات على وجه التحديد تسحق أن يتم النظر إليها. الأول هو تأثير رفع العقوبات على صعيد التنافس السياسي الداخلي في إيران. أما الثاني والثالث فيتعلقان بتأثير الرفع المنتظر للعقوبات على الوضع الحالي في كل من العراق وسوريا.

إيران

سوف يعطي رفع العقوبات المعتدلين في طهران الرافعة اللازمة خلال العد التنازلي قبل الانتخابات الرئاسية والعامة. المتشددون والحرس الثوري الإيراني يعارضون الاتفاق النووي، لأن أكثر ما يخشونه أن تطبيع العلاقات مع العالم الخارجي سوف يخلق زخما لن يستهدف فقط مصالحهم، ولكنه ربما يستهدف وجودهم من الأساس.

المتشددون، الذين يعتبرون الحرس الثوري حزبهم السياسي، قد نجحوا في مراكمة الكثير من العضلات الاقتصادية خلال سنوات طويلة من العزلة. كما سعوا أيضا إلى توسيع دورهم الإقليمي تكيفا مع إحساسهم بالتهديد وخطتهم لحماية الأمن القومي «الثورة». لم يكن النهج الإقليمي العدواني يعبر فقط عن حمى دينية، ولكنه كان وسيلة مريحة للحصول على المزيد من القوة والنفوذ السياسي في طهران.

كان هذا النهج أيضا آلية موضوعية للدفاع عن النفس، وسياسة مثالية للحفاظ على إحكام القبضة على النظام السياسي. كانت «الانتصارات» التي تحققت في الشرق الأوسط أدوات دعائية لا تقدر بثمن لأنها وفرت، بالنسبة للجمهور، صورة لنظام يتحرك إلى الأمام بطريقة ما أو بأخرى.

عادة، في الحالات المماثلة، فإن تصور التهديد حقيقيا كان أو متوهما (وهو حقيقي في حالة إيران) يخلق أرضية موضوعية لاستمرار شمولية ما بعد الثورات والتوسع في قبضة الأمن. وهذا بدوره يتطلب سياسات اقتصادية مركزية. مرت هذه الظاهرة بمراحل متعددة في إيران وصولا إلى سنوات حكم «أحمدي نجاد»، الرئيس الإيراني الأسبقن حيث صارت هذه السياسات منظومة مستقلة بذاتها. بمعنى أن الحرس الثوري قد وصل إلى مرحلة ما يشبه الاستقلال عن الدولة السياسية.

ويرجع ذلك أساسا إلى التوسع السريع جدا في السيطرة الاقتصادية واستفادة الحرس الثوري من التحركات الإقليمية والعالمية. بطريقة ما، تحول الحرس الثوري ليكون نوعا من «دولة داخل الدولة». في الحالات المماثلة فإن ذلك يعني درجة من الحصانة السياسية التي تحمي ضد محاولات الحد من دوره أو إصلاح القطاعات التي تستضيف مصالحه من قبل السلطة (الدولة) السياسية.

مع إدراكه بأن الاتفاق النووي سوف يستتبع انفتاحا على العالم الخارجي في كافة المجالات، فقد كان الحرس الثوري متشككا تجاه الاتفاق. من المتوقع، بشكل صحيح، أن تخفيف الحصار الاقتصادي سيتبعه تخفيض للأنشطة التجارية التي غالبا ما تتم في الظل. من المتوقع أيضا أن السياسات الأمنية العدائية، داخليا وخارجيا، سوف تتم مواجهتها بشكل أكثر حزما، وسوف تكون هناك أسباب موضوعية أقل لتبرير اللجوء إلى مثل هذه الأساليب. . ويتوقع أيضا أن الانفتاح نحو العالم الخارجي والأفكار لمختلفة سوف يسهم في تخفيف «نقاء» الأفكار الثورية المتعصبة التي تمثل العمود الفقري الأيديولوجي.

لكن علينا ألا نبالغ في التفاؤل. تحظى لحظة التحول الإيراني بميزات خاصة جدا تنبع من فرادة قضيته. الحرس الثوري الإيراني، والمتشددون بشكل عام، يقيمون أنفسهم على قاعدة شعبية غالبا ما تفتقر إليها التجمعات المماثلة. وعلاوة على ذلك، فإن الأيديولوجية هنا هي الدين، أو أحد إصداراته. وهذه الأيديولوجية متغلغلة في عمق الثقافة الشعبية العامة ولها جذور تاريخية قديمة. مع سلسلة من المساجد في كل مكان وقاعدة ثقافية مواتية، فإن أمامنا طريق طويل قبل أن نشهد تقلصا حقيقيا في نفوذ الحرس الثوري.

وعلاوة على ذلك، فإن الإصلاحيين ليسوا موحدين وهم يفتقرون إلى قوة سياسية ذات نفوذ وتنظيم جيد، والتي يحظى أمثالهم بمثلها في سائر المجتمعات. سوف يؤدي الاتفاق النووي إلى المزيد من البلورة واشتداد الصراع بين وجهات نظر مختلفة حول مستقبل إيران. أحد المعسكرين يدعو إلى تطبيع دور إيران والانفتاح على العالم وبالتالي وضع حد للمشاكل الاقتصادية، في حين أن الآخر سوف يدعو للحفاظ على نقاء المبادئ الثورية وشرعية الوضع الراهن. في حالات مماثلة، ربما يكون المعسكر الأول لديه فرصة أفضل للفوز في مثل هذه الظروف، ولكن الوضع يختلف قليلا في طهران.

المشكلة في حالة إيران تكمن في أن المعسكر الإصلاحي لا يمتلك أدوات قوية لتحقيق الاستفادة الكاملة من التحول الموضوعي الذي ينتظر أن يحدث مع إنهاء عزلة إيران، حتى لو كان يمتلك القاعدة الكافية في أوساط الطبقة الوسطى الحضرية. ويقترن هذا مع رد الفعل الدفاعي المتوقع من الحرس الثوري الإيراني. عبر استخدام قواتهم المتراكمة، فإن المتشددين والحرس الثوري قد نجحوا في قراءة الوضع، مع ما يحمله لهم من مخاطر، بشكل صحيح.

وتشير طبيعة هذه اللحظة إلى أن ما ينبغي لنا أن نتوقعه هو زيادة في حدة الصراع الداخلي في إيران. بعبارات عامة جدا، فإن هذه المعركة عادة ما تنتهي بانتصار المعتدلين ويرجع ذلك أساسا إلى أسبا موضوعية واقتصادية. ولكن السؤال هنا: ما هو الوقت اللازم لحدوث ذلك في حالة إيران؟ وما هي التداعيات المحتملة له على الاستقرار الداخلي؟

«آية الله خامنئي» مريض الآن، ولديه آراء قوية متشددة كذلك. إلى أي مدى سوف يكون قادرا على لعب دور رجل الدولة بدلا من قائد الثورة؟

على الرغم من الأثر الاقتصادي لرفع العقوبات سيكون محدودا على المدى الطويل مع غياب التوقعات بشأن تعافي أسعار النفط، فإن الأموال التي سوف يتم الإفراج عنها مع رفع العقوبات سوف تكون مفيدة من الناحية النظرية بالنسبة إلى الإصلاحيين. هناك أمر واحد يبدو ظاهرا الآن وهو ارتفاع شعبية الإصلاحيين في أعقاب رفع العقوبات الدولية. وهذا العامل سوف يلعب دوره خلال الانتخابات المقررة الشهر المقبل، حال تم السماح للإصلاحيين بخوضها، لاسيما أن الوقت المتبقي قبل الانتخابات قصير جدا للشعور بخيبة الأمل من قبل الجمهور الإيراني تجاه توقعات رفع العقوبات. سوف يقوم البرلمان بانتخاب مجلس الخبراء، الذي سيقوم بكل تأكيد بإعادة انتخاب «خامنئي» ما لم يقرر التنحي لأسباب صحية.

على افتراض أن كل الأمور ستسير كما هو مخطط لها، فإن «خامنئي» لن يمنع معظم الإصلاحيين من الترشح، وبالتالي فإنهم ربما يحققون مكاسب كبيرة خلال الانتخابات. بطريقة أو بأخرى، كل هذا يتوقف على قرار استراتيجي يتخذ من «خامنئي» وبعض الشخصيات القوية الأخرى في طهران بالسماح لهم بالفوز بأغلبية حاسمة. إذا كان ذلك ضروريا لتنفيذ تحول تدريجي في الاتجاه الاستراتيجي للدولة، فإن«خامنئي»، وهو الشخصية السياسية الأقوى في إيران، يمكنه أن يضمن تحولا سلسا بطريقة منظمة.

ولكن وفق معرفتنا بمدى جمود الزعيم الإيراني ومنظومة أفكاره، إننا نرى أن ذلك لن يحدث بطريقة سريعة إذا كان له أن يحدث من الأساس. أي تحول مفاجئ في اتجاه البلاد، التي يقودها الإصلاحيون بعد مكاسبهم المفترضة خلال الانتخابات، من المتوقع أن يتسبب في رد فعل عنيف من قبل المتشددين الذين لا يزالون يتمتعون بدور قوي في بنية الدولة والاقتصاد. لذا فإن الاتجاهات الموضوعية تقول إن ذلك قد يستغرق وقتا طويلا لتقويض قاعدتهم بسبب غياب أي خصم بنفس القوة (من ناحية التنظيم السياسي وليس من ناحية الشعبية غير المنظمة).

المفتاح في هذه اللحظة الحساسة في تاريخ إيران السياسي هو كيف يمكن قيادة البلاد بحكمة في اتجاه الريح مع تفادي أي أخطاء كبيرة قد تشعه مجددا في مواجهة هذا الاتجاه. لأنه إذا المتشددون في تقويض جهود الإصلاحيين بسبب ارتكاب أخطاء كبيرة، فإن ذلك سوف يقودنا نحو فترة طويلة من عدم الاستقرار داخل إيران وفي الشرق الأوسط. وسيكون من الصعب على المتشددين قمع تطلعات الجمهور في اللحظة التي يرى فيها هذا الجمهور أن تطلعاته قد صارت قابلة للتحقق.

العراق

كانت الأحداث الأخيرة في ديالي مؤشرا لكيفية استغلال «الدولة الإسلامية» للطائفية من أجل عرقلة أي محاولة لتحسين الجو العام في العراق. تم قتل العديد من أئمة المساجد السنية في عمليات إطلاق نار من قبل المهووسين الشيعة المنتمين إل قوات الحشد الشعبي. وجاءت هذه الأحداث في أعقاب هجمات انتحارية نفذها بعد أعضاء تنظيم «الدولة الإسلامية».

لكن الهدف الحقيقي من الهجمات ضد المساجد هو منع السكان السنة الأصليين من العودة إلى ديارهم. اللعبة المفضلة لكل من «الدولة الإسلامية» وقوات الحشد الشعبي هي ممارسة التطهير الطائفي. قام المزيد من السنة بالرحيل عن المقدادية في ديالي بعد حرق مساجدهم.

في حين يشاع أن «قاسم سليماني» ميت سريريا في طهران بعد استهدافه في نوفمبر/تشرين الثاني الماضي قرب حلب في سوريا، فإنه يبدو أن قوات الحشد الشعبي تفقد قدراتها التكتيكية. ويبدو أن الأمر قد صار في يد جناح طهران في الحشد الشعبي لقبول خطة «العبادي» لإعادة هيكلة بنيته القيادية أو السماح له بتطبيق هذه الخطة.

يناقش المسؤولون في بغداد بعض الأفكار الجديدة حول تضمين الميليشيات ضمن القوات المسلحة بالتوازي مع محاولات ممائلة لاستيعاب العشائر السنية ضمن صفوف الجيش أيضا. ظهرت هذه الفكرة كبديل لفكرة إنشاء الحرس الوطني التي رفضتها الجماعات السياسية المتطرفة الشيعية خوفا من إنشاء قوة سنية مستقلة.

وعلى الرغم من أنه لم يتم الإعلان رسميا عن وفاة مشروع الحرس الوطني بعد، فإن المشروع البديل ينبغي أن يتم استكشافه على الطاولة من أجل تطوير خطوط مقبولة. ولكن جوهر المشكلة في العراق لا يزال في قيام طهران باتخاذ قرار استراتيجي بالسماح بتشكيل حكومة وحدة وطنية حقيقية تسيطر على الحشد الشعبي. هذا لن يحدث دون تعليمات من «خامنئي» لفيلق القدس بتغيير أهدافه في العراق والتركيز فقط على حماية الجنوب العراقي.

لا تزال قوة القدس في الحرس الثوري وحلفاؤها العراقيون تقفان عقبة في مواجهة الوصول لحل وطني في العراق. يتفاخر رئيس الحرس الثوري الإيراني الجنرال «محمد علي جعفري»، بوجود رجاله في الدول المجاورة. «لدينا 200 ألف رجل جاهزين في سوريا والعراق ولبنان واليمن وأفغانستان وباكستان. ولكن ينبغي علينا استقطاب المزيد منهم وبخاصة من الشباب. علينا أن نركز على تدريب الجيل الثالث من حراس ولاية الفقيه»، وفقا للتصريحات التي نشرتها عنه وكالة مهر للأنباء الحكومية الإيرانية.

العامل الوحيد الأكثر أهمية لإنهاء الأزمة السياسية في العراق هو موقف إيران. وبينما تم رفع العقوبات عن طهران منذ بضعة أيام فقط، فإنه لا يزال من غير الواضح بعد ما إذا كانت طهران سوف تكتفي بنفوذها في الجنوب في مقابل ضمانات تتعلق بوسط العراق، وضمانات تتعلق بعدم تعرضها للاعتداء من قبل القبائل السنية وداعميهم الإقليميين.

سوريا

يبدو الوضع في دير الزور مقلقا حقا. حققت «الدولة الإسلامية» تقدما كبير هناك، ومع ذلك، فإن الاتجاهات الكلية للأزمة لا تزال هي نفسها. من المستحيل التوصل إلى حل يبقي «الأسد» على رأس النظام في المستقبل. المبدأ المنظم الرئيسي يجب أن يكون هو سوريا خالية من جميع أشكال الوجود الأجنبي وجميع المنظمات الإرهابية.

بناء سوريا محايدة إقليميا ربما ستغرق عقدين من الزمن أو أكثر لإعادة بناء البلاد المدمرة واستعادة التماسك الداخلي. سوف يكون من المستحيل تحقيق هذه الأهداف مع وجود الإرهابيين يتصرفون بكامل الحرية في جميع أنحاء البلاد. ووفقا لتقييمنا، فأنه إذا تم التوصل إلى حل معقول في سوريا، فإن الأمر سوف يستغرق فترة قصيرة نسبيان مقدرة بالسنوات وليس الأشهر، من أجل هزيمة «الدولة الإسلامية».

قد تكون هذه لحظة مواتية لدفع خطة شاملة لتهدئة الشرق الأوسط. ونحن نرى أن الكرة الآن في ملعب إيران. سوف يحدد اتجاه ركلتها طبيعة المرحلة المقبلة في الصراعات الإقليمية. في حالة سوريا، على سبيل المثال، فإن صفقة إقليمية إلى جانب اتفاق دولي بشأن خارطة الطريق سوف تلعبان دورا حاسما في التوصل إلى اتفاق نحو سوريا مستقبلية خالية من ديكتاتورية «الأسد»، والإرهابيين، وجميع الأجانب المسلحين سوى تحت رعاية الأمم المتحدة وبموافقة تامة من السوريين.

إنها اللحظة المناسبة لاستخدام الصفقة النووية لتحقيق ما كان من المفترض أن يتحقق قبل التوقيع عليها. ولكن الأوان لم يفت بعد.

  كلمات مفتاحية

إيران العراق سوريا الاتفاق النووي رفع العقوبات روحاني خامنئي المشروع الإيراني أمريكا

«كيري»: أموال إيران بعد رفع العقوبات قد تستخدم في تمويل جماعات إرهابية

رفع العقوبات عن إيران.. من يربح ومن يخسر؟

«خامنئي» يرحب برفع العقوبات ويحذر من «مكر» أمريكا

ترقب خليجي بعد رفع عقوبات إيران .. انعدام الثقة مستمر

بعد رفع العقوبات.. العدوانية الإيرانية باقية

«ستراتفور»: ماذا بعد قيام الغرب برفع العقوبات عن طهران؟

«روحاني»: رفع العقوبات عن إيران فتح صفحة جديدة مع العالم

خبير دولي: رفع العقوبات عن إيران سيشجعها على مواصلة أنشطتها المخادعة

إيران تسعى لتعزيز مكانتها الزراعية بعد رفع العقوبات

إيران: تطوير صناعة النفط يحتاج إلى 200 مليار دولار ومواردنا لا تكفي

خلافات داخلية حول هيكل عقود استثمارات النفط والغاز في إيران

ما هو الثمن الذي يجب أن تدفعه إيران نظير إنهاء عزلتها الدولية؟