«فورين بوليسي»: هل يفتح رحيل روسيا الباب أمام تدخل سعودي سني في سوريا؟

الأربعاء 16 مارس 2016 05:03 ص

في مناورة تكتيكية أخرى، أعلن الرئيس الروسي «فلاديمير بوتين» في 14 مارس/آذار الجاري، أنه سوف يقوم بسحب الجزء الرئيسي من قواته في سوريا، في حين أنه قد يكون من السابق لأوانه تقييم كل من الدافع والمستوى النهائي للانسحاب، فإن هذا التحول قد يكون محورا أساسيا في التعامل مع تلك الأزمة التي تبدو بلا نهاية.

ربما تشعر موسكو الآن بثقة نسبية حول موقف رئيس النظام السوري «بشار الأسد» والاتجاه العام لمحادثات السلام كما تشعر ربما بقلق متزايد إزاء ارتفاع تكلفة العملية في وقت تضعف فيه العملة المحلية وتنهار أسعار النفط التي يعتمد الاقتصاد المحلي عليها بشكل كبير.

والسؤال المهم هو ما إذا كان هذا التراجع سوف يمهد الطريق أمام إدراج قوة عربية إلى داخل الصراع.. ربما من قبيل الصدفة البحتة، فإن قرار روسيا بسحب قواتها قد جاء تزامنا مع المناورة العسكرية الكبيرة التي قادتها المملكة العربية السعودية والتي اعتبرها البعض بروفة للتدخل في الصراع.

في الواقع، أنه الأسبوع الماضي، استقبلت صحراء المملكة العربية السعودية حوالي 350 ألف جندي إضافة إلى 20 ألف من الدبابات وعشرات السفن، وحوالي 2500 طائرة حربية تنتمي إلى أكثر من 20 دولة في أكبر مناورة عسكرية تشهدها منطقة الشرق الأوسط.

ما الذي تهدف إليه مناورات رعد الشمال؟

سميت هذه المناورات باسم مناورات رعد الشمال. ولكن حتى لا نخطئ الأمر فمن المهم أن نؤكد أنها مناورات عسكرية وليست مجرد ألعاب، وهي جهود وصفتها المملكة العربية السعودية وحلفاؤها بأنها محاولة لتشكيل قوة متماسكة لمكافحة المنظمات الإرهابية مثل «الدولة الإسلامية»، تنظيم القاعدة، حركة الشباب، وربما حتى بوكو حرام، كما أنها تهدف أيضا إلى إرسال رسالة قوية إلى طهران التي تواصل الانطلاق بطموحاتها التوسعية.

شملت المناورات تدريبات للقوات التقليدية على إجراء العمليات القتالية منخفضة الحدة ضد الجماعات المسلحة غير الحكومية، كما شملت أهدافها أيضا تحسين التنسيق العملياتي بين القوات المسلحة السعودية وحلفائها حتى يتمكنوا من تنسيق المناورات على الرغم من اختلاف اللغات والمعدات العسكرية، وأنظمة التشغيل

كما تضمنت التدريبات البحرية وتدريبات القصف التي تهدف إلى إظهار القوة العابرة للمسافات، وعلى الرغم من أن مناورات الأسابيع الثلاثة قد انتهت في 10 مارس/أذار الماضي، فإنه ينتظر أن يكون تأثيرها طويل الأمد.

السؤال الحقيقي، بطبيعة الحال، هو ما إذا كانت هذه العملية الضخمة مجرد استعراض للقوة أم أنها تبشر بالاتجاه إلى نشر فعلي للقوات القتالية في المناطق المضطربة في المنطقة.

تستمر رحى الحرب في اليمن دائرة بعد ما يقرب من عام من القتال متوسط المستوى، وقادت القوات السعودية الجهود ضد المتمردين الحوثيين الذين أطاحوا بالحكومة في البلاد وبالتأكيد فإن جزءا من مناورات رعد الشمال كان يهدف إلى تدريب القوات الخاصة والوحدات البرية والتي ستكون مهمة من أجل المضي قدما إذا لم يتسن حل النزاع من خلال المفاوضات، في حين أن هناك ومضات من الدبلوماسية حول إمكانية إجراء محادثات مباشرة بين المتمردين الحوثيين والسعوديين، فقد تم تصميم ممارسة شمال الرعد بشكل واضح للتدليل على قدرة المملكة أمام الإيرانيين الذين يدعمون الحوثيين.

المسرح الرئيسي للصراع في المنطقة هو، بطبيعة الحال، في سوريا.. تحدث السعوديون علنا حول استعدادهم لإرسال قوات على الأرض لدعم القوات السورية المعتدلة التي تحارب «الأسد»، ومن الممكن أن مناورات رعد الشمال كانت تهدف إلى تدريب وتحفيز بناء تحالف عربي سني للقيام بذلك.

إمكانية حدوث ذلك في أرض الواقع سوف يعتمد بشكل كبير على مآلات المفاوضات السورية التي ترعاها الولايات المتحدة وروسيا وخاصة لو تم الاتفاق على سيناريو التقسيم أو «الفدرلة»، حيث يمكن أن تكون قوة برية العربية هي الضامن الأهم للأمن في الجزء السني من سوريا.

البحث عن القيادة

عبر هذه التدريبات واسعة النطاق والمتطورة نسبيا، فإن المملكة العربية السعودية تسعى لإثبات كونها شريك أمني حيوي في منطقة الشرق الأوسط وقائد مسؤول في العالم الإسلامي

تعد هذه التمارين دليلا ملموسا ولكن يجب أن يرافقها عمليات الانتشار الفعلية للقوات القتالية من أجل تحقيق التأثير الذي ترغب فيه كل من الولايات المتحدة والمملكة العربية السعودية ومحاربة النفوذ الإيراني والمساهمة في استقرار المنطقة.

ويبدو من غير المبشر عدم تواجد الولايات المتحدة أو أي من القوى الغربية في هذه الأحداث.. ينبغي على واضعي السياسات في الولايات المتحدة أن ينتبهوا إلى أهمية تعزيز الشراكة الأمنية ما بين واشنطن والرياض.

وبدفع من وزير الدفاع الجريء ونائب ولي العهد الأمير «محمد بن سلمان»، تصعد المملكة من جهودها لمواجهة التحديات وذلك عبر تعبئة الدول ذات الأغلبية المسلمة في الشرق الأوسط وجنوب آسيا، وشمال أفريقيا ضمن منظومة دفاعية مشتركة.

وزير الدفاع، البالغ من العمر 30 عاما، يتبنى أيضا عددا من الإصلاحات الاقتصادية الهائلة التي يمكنها أن تعزز الدور الأمني للمملكة، وكحليف للولايات المتحدة لمدة سبعة عقود على الأقل، فقد كانت المملكة العربية السعودية دوما قائدة لدول مجلس التعاون الخليجي وقوة درع الجزيرة، إلى جانب الكويت والإمارات العربية المتحدة وقطر والبحرين وسلطنة عمان.

الآن، تقوم المملكة العربية السعودية بتوسيع آفاقها الجيوستراتيجية، في ديسمبر/كانون الأول الماضي، أعلنت المملكة عن تحالف جديد مكون من 34 دولة من الدول ذات الأغلبية المسلمة من أفريقيا والشرق الأوسط يهدف إلى مواجهة التطرف العنيف ليس فقط في ساحة المعركة وإنما في ميدان الأفكار.

جلبت هذه المناورات العسكرية الأخيرة وحدات عسكرية من مختلف دول هذا التحالف بما في ذلك ليس فقط في دول الخليج ولكن أيضا مصر والأردن وباكستان والسودان وماليزيا والمغرب وتونس. وكجزء من العلاقة الاستراتيجية مع أنقرة، فقد أرسلت المملكة العربية السعودية طائرات مقاتلة إلى قاعدة أنجرليك الجوية في جنوب تركيا لتوسيع دورها في الحملة الجوية التي تقودها الولايات المتحدة ضد تنظيم «الدولة الإسلامية».

كما تؤكد هذه الإجراءات، يبدو أن المملكة العربية السعودية ترغب وحلفاءها في تولي مسؤولية أكبر عن الأمن الإقليمي والدولي، بالنظر إلى ما ينظر إليه الكثيرون على أنه فراغ في القيادة خلفته سياسة التقشف الأمريكية تجاه الشرق الأوسط.

تستجيب جميع هذه البلدان لتهديدات أمنية متعددة بداية من المتطرفين العنيفين الذين يحتلون مساحات واسعة من الأراضي في كل من سوريا، والعراق، وليبيا.. وفي الوقت نفسه، هناك إيران التي صارت أكثر ثراء وجرأة بعد توقيع الاتفاق النووي مع الولايات المتحدة والقوى الغربية، والتي تواصل تدخلاتها في لبنان، سوريا، اليمن، العراق، وحتى دول الخليج الأخرى

ونتيجة لذلك، فإن البلدان ذات الأغلبية السنية مثل المملكة العربية السعودية وحلفائها يخشون من ظهور إيران كقوة إقليمية مهيمنة، تدعي أحقيتها بالقيادة على الشيعة في جميع أنحاء الشرق الأوسط وتسعى إلى زعزعة استقرار المجتمعات ذات الأغلبية السنية.

هذه المواجهة الجيوسياسية بين طهران والرياض تأتي متواكبة مع الصراع الديني الكامن بين السنة والشيعة في المنطقة منذ عقود.

ويبدو واضحا تماما أن المملكة العربية السعودية وحلفاءها يرسلون إلى الولايات المتحدة رسالة مفادها: «نحن ما زلنا على استعداد لنثق بكم ونعمل معكم.. ولكن في الوقت نفسه، نحن مستعدون وراغبون وقادرون على الذهاب وحدها، إذا دعت الحاجة إلى ذلك».

يجب على الولايات المتحدة وحلفائها أن يسعوا إلى تعزيز وليس الحد من الشراكة الاستراتيجية مع المملكة العربية السعودية.. إذا تركت الرياض وحلفاؤها للعمل وحدهم، وسط تزايد حالة عدم الاستقرار وانعدام الأمن، فإن الشرق الأوسط سوف يصبح أكثر اضطرابا ويمكن لذلك أن يقوض جميع جهود الحرب على الإرهاب.

مع مرور الوقت، يجب أن تشجع الولايات المتحدة الاتصالات بين هذا التحالف الذي تقوده السعودية وبين (إسرائيل) التي تمثل الشريك الأقوى للولايات المتحدة في بلاد الشام، وكذا بين التحالف السعودي وبين حلف الناتو الذي أظهر استعداده للمشاركة في عمليات الدفاع عن المصالح الغربية في ليبيا والعراق وتركيا

يمكن لربط زعماء السنة مع (إسرائيل) ومنظمة حلف شمال الأطلسي أن تكون الخطوة القوية التالية بالنسبة للولايات المتحدة في المنطقة، وإن كانت تبدو خطوة صعبة.

وجود السعودية والقوات السنية الأخرى في سوريا هو نعمة ونقمة.. سوف يسهم هذا التواجد في تعزيز المقاومة السنية المعتدلة بشكل ملحوظ وإضعاف نظام «الأسد»، ويمكن أن يسهم في خلق منطقة آمنة كبيرة بالمشاركة مع القوة الجوية الأمريكية، ولكنه أيضا سوف يعزز من الصراع القائم في المنطقة ما بين إيران والمملكة العربية السعودية.

وبشكل عام، فإن الفوائد التي تعود على الشعب السوري ربما تفوق المخاطر الجيوسياسية ولكنه سيتطلب قدرا من الاهتمام الأمريكي من أجل السيطرة على جهود مناهضة «الأسد» ومكافحة تنظيم «الدولة الإسلامية».

هناك مشكلة أكبر في العمل من حيث علاقة الولايات المتحدة مع المملكة..مع التأكيد على أهمية ومركزية العلاقات الجيوسياسية بين الولايات المتحدة وبين السعودية وحلفائها السنة سنكون قادرين على العمل معا لمكافحة المتطرفين الإسلاميين وكذا احتواء إيران وطمأنة (إسرائيل) والمساعدة في خلق شرق أوسط أكثر استقرارا.

مناورات رعد الشمال هي خبر سار بالنسبة للولايات المتحدة، ولكن في نهاية الأمر هي مجرد مناورات لا بد أن يليها نشر قوات قتالية فعلية لتغيير الحقائق على أرض الواقع، ورحيل الروس قد يفتح نافذة لهذه الفرصة.. ينبغي لنا أن نفعل كل ما بوسعنا لتشجيع هذه الخطوة التالية، والتي هي الاختبار الحقيقي.

 

المصدر | فورين بوليسي

  كلمات مفتاحية

السعودية سوريا التحالف الإسلامي رعد الشمال الانسحاب الروسي من سوريا

«لافروف» يكشف أسباب الانسحاب من سوريا ويشيد بدور السعودية في المفاوضات

«الجبير»: انسحاب روسيا من سوريا إيجابي للغاية ونأمل أن يسرع وتيرة العملية السياسية

نهاية المهمة: لماذا تسحب روسيا قواتها من سوريا؟

«ستراتفور»: لماذا سحب «بوتين» قواته من سوريا؟

«مجتهد»: تدريبات «رعد الشمال» تمهيد للتدخل السعودي في سوريا

روسيا: سنستكمل سحب معظم قواتنا من سوريا خلال يومين أو ثلاثة

السعودية تأمل أن يسهم انسحاب روسيا في إجبار «الأسد» على الانتقال السياسي

روسيا: أمريكا تفهمت موقف موسكو بعدم مناقشة مستقبل «الأسد»

«لافروف»: تهديدات لروسيا بعقوبات جديدة لعدم ممارستنا ضغوط على «الأسد»

«بوتين» و«روحاني» يبحثان هاتفيا أزمة سوريا ويتفقان على تعزيز الاتصالات

هل يمكن لروسيا أن تلعب دورا فعالا في الوساطة بين السعودية وإيران؟