المنافسات الشخصية والصراعات الإقليمية: ماذا وراء قرار «هادي» إقالة «بحاح»؟

الثلاثاء 5 أبريل 2016 11:04 ص

جاءت قرارات الرئيس اليمني «عبد ربه منصور هادي» الأخيرة مفاجئة للعديد من الأوساط المراقبة لتطورات الوضع اليمني، وربما حتى لبعض الفاعلين الإقليميين. في الثالث من أبريل/نيسان الحالي أصدر الرئيس اليمني «عبد ربه منصور هادي» قرارا بإقالة نائبه ورئيس وزرائه «خالد بحاح» وتعيين اللواء «علي محسن الأحمر»، الذي كان قد عُين في فبراير/شباط المنصرم نائباً للقائد الأعلى للقوات المسلحة دون نص دستوري يحدد صلاحيات هذا المنصب، في منصب نائب الرئيس، بينما تم تعيين «أحمد عبيد بن دغر» لرئاسة الحكومة.

خلافات «هادي» و«بحاح»

الحديث حول وجود خلافات بين الرئيس اليمني «هادي» وبين رئيس الوزراء «خالد بحاح» لم يكن وليد الأيام الماضية، حتى إن نص القرار قد أظهر أن «هادي» لم يحاول بذل أي جهد في إخفاء هذه الخلافات. حيث جاء في حيثيات القرار أنه جاء نتيجة للإخفاق الذي رافق أداء الحكومة خلال الفترة الماضية في المجالات الاقتصادية والخدمية والأمنية.

وأضاف الرئيس أن القرار أيضاً جاء نتيجة لـ«تعثر الأداء الحكومي في تخفيف معاناة أبناء شعبنا وحلحلة مشكلاته وتوفير احتياجاته، خصوصاً دمج المقاومة وعلاج الجرحى ورعاية الشهداء ولعدم توفر الإدارة الحكومية الرشيدة للدعم اللامحدود الذي قدمه الأشقاء في التحالف العربي، وفي مقدمتهم المملكة العربية السعودية بقيادة خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز آل سعود، ولتحقيق ما يصبو إليه شعبنا من استعادة الدولة واستتباب الأمن والاستقرار وللمصلحة الوطنية العليا للبلاد».

وفقا للمصادر، تعود الخلافات بين «هادي» و«بحاح» إلى الأشهر الأولى من عام 2015 بعد أسابيع قليلة من بدء العملية السعودية في اليمن، وبالتحديد مع قيام الرئيس بتعيين وزير الصحة «رياض ياسين عبد الله» قائما بأعمال وزير الخارجية في مارس/آذار دون التشاور مع «بحاح»، حيث رفض «بحاح» الاعتراف بتعيينه كما منعه من حضور اجتماعات الحكومة.

في ذلك التوقيت ذكرت صحيفة الشرق الأوسط اللندنية، ذات العلاقة النافذة بالقيادة السعودية، نقلا عمن وصفته بأنه مسؤول حكومي كبير، أن «هادي» يدرس إقالة «بحاح» من منصبه وتعيين شخصية شمالية على رأس حكومة وحدة وطنية مصغرة. ونشرت الصحيفة في اليوم التالي مباشرة تصريحات لـ«ياسين مكاوي»، مستشار «هادي» الذي تجمعه به صلة قرابة، اتهم فيها حكومة «بحاح» بضعف الأداء مطالباً بالإسراع في تشكيل حكومة طوارئ. وقد تفاقمت الخلافات وبدأت في الظهور إلى العلن بشكل أوضح مع نهاية العام الماضي، على وجه التقريب في ديسمبر/كانون الثاني، مع تبرم رئيس الوزراء اليمني من التعديلات التي أجراها «هادي»ـ على حكومته والتي رأى أنها تمت دون استشارته، رغم أن التعديل قد أطاح بـ«رياض ياسين» الذي رأى كثيرون أنه كان أحد الأسباب المعلنة للخلاف.

خلاف مرجعيات

ربما يكون من التبسيط المخل أن نقول بأن قرارات «هادي» يمكن أن يتم تفسريها بمعزل عن الصراع الإقليمي الدائر في اليمن في ظل كون حكومته تدار فعليا من قبل الرياض القوة الأبرز ضمن التحالف الإقليمي الذي يقاتل في اليمن. يرى مراقبون أن أصول الخلاف بين «هادي» و«بحاح» تعود إلى لتقارب الواضح بين رئيس الوزراء «خالد بحاح» ومراكز صنع القرار في دولة الإمارات العربية المتحدة وتولي الأخيرة مسؤولية ملف إدارة محافظة عدن والمحافظات المجاورة لها في أعقاب الدور الذي لعبته في انتزاع السيطرة على هذه المحافظات من أيدي الحوثيين. ويبدو أن العلاقة بين هادي ودولة الإمارات العربية المتحدة ليست في أفضل أحوالها في ظل رفض الإمارات لأكثر من طلب لهادي لإبعاد أسرة الرئيس اليمني المخلوع «علي عبد الله صالح» التي تقيم في الإمارات على رأسهم نجله «أحمد» الذي كان يعمل سفيرا للبلاد في أبوظبي.

ويبدو أن الخلاف يتجاوز أبعاد الاصطفاف والمصالح ليمتد إلى خلافات حول طبيعة الحل المنتظر في اليمن. حيث يبدو أن «بحاح» ومن خلفه دولة الإمارات العربية المتحدة يرى بأن تبني مشروع فيدرالية معلنة بين الشمال والجنوب هو الحل الأكثر واقعية في ظل صعوبة فرض الوحدة الكاملة من جديد على الجنوبيين، في حين يبدو أن «هادي»، ومن خلفه المملكة العربية السعودية، يرون أنه من الأفضل أن تسير الأمور نحو مقترح الأقاليم الستة الذي أفرزته مخرجات الجوار الوطني.

مناورة «هادي»

رغم وجود مؤشرات متواترة عن خلافات بين «هادي» و«بحاح»، إلا أن الخلاف الأكثر وضوحا يدور في واقع الأمر بين «هادي» وبين غريمه الرئيس المخلوع «علي عبد الله صالح» الذي تحالف مع الحوثيين لأجل الإطاحة به من منصبه. في نوفمبر/تشرين الثاني من العام 2014، قام حزب المؤتمر الشعبي بإقالة الرئيس اليمني «عبد ربه منصور هادي» من منصبه كأمين عام للحزب على خلفية العقوبات التي فرضها مجلس الأمن على الرئيس السابق «علي عبدالله صالح»، حيث اتهم الرئيس المخلوع وقيادات حزبه الرئيس الحالي بالوقوف خلف القرار.

توالت الخلافات داخل حزب المؤتمر الذي يسيطر عليه «صالح» بشكل كبير. وقعت أحد أبرز الانشقاقات إثر تداعيات الحرب السعودية في اليمن التي تم تدشينها في مارس/أذار الماضي. كان على رأس قائمة المنشقين «أحمد عبيد بن دغر»، الذي كان يشغل منصب النائب الأول لـ«صالح» آنذاك، وهو المنصب الذي كان «هادي» يشغله قبل الإطاحة به في عام 2014.

ومن «بن دغر» إلى «علي محسن الأحمر». كان «الأحمر» من أوائل المنشقين عن صفوف نظام «صالح» والذين أعلنوا دعمهم للثورة اليمنية في عام 2011. بل إن بعض التقارير تشير إلى أن كون الخلاف بين «صالح» و«الأحمر» يعود إلى ما قبل هذه المحطة بسنوات حيث كان «صالح» يشعر بتوجس كبير من نفوذ «الأحمر» داخل الجيش اليمني وبين القبائل. يعد الأحمر أيضا غريما تقليديا للحوثيين حيث قاد المواجهة ضدهم خلال الحروب الستة الشهيرة التي وقعت قبل 10 سنوات.

قام «هادي» إذا بالإطاحة بـ«بحاح» من منصبيه ليضع في كل منهما أحد أبرز غرماء «صالح» والحوثيين، فوضع «الأحمر» في منصب الرجل الثاني في الدولة (نائب الرئيس)، بينما وضع «بن دغر» في منصب رئيس الوزراء. وبالنظر إلى التاريخ القريب للعبة الشطرنج اليمنية فإنه يمكننا أن نقول أن التعديلات الجديدة يمكن فهمها في إطار خلافات «هادي - صالح» أكثر مما يمكن فهمها في إطار خلافات بين «هادي» و«بحاح».

ضوء أخضر سعودي

في ظل الحديث عن قرب التوصل إلى حل سياسي للأزمة اليمنية خلال محادثات الكويت المرتقبة، فإن طبيعة الحل الذي قد يلقى قبولا من جميع الأطراف لا يزال موضع جدل كبير. وتتعلق أبرز نقاط الخلاف بمصير الرئيس المخلوع «علي عبد الله صالح» ودور الحوثيين في اليمن ما بعد الحرب ومسألة نزع سلاحهم، وتصور الحوكمة المنتظر للبلاد، وقبل ذلك صير «هادي» نفسه. لا يتمتع «هادي» بقدر كبير من قبول لدى الحوثيين، وعلى الصعيد الإقليمي فإنه لا يحظى بقبول لدى الإماراتيين أيضا. مصير «هادي» سوف يكون بالتأكيد أحد النقاط المطروحة على الطاولة في الكويت، والبديل الأقرب كان تفويض صلاحياته إلى نائبه المفترض «خالد بحاح». عبر وضع «علي محسن الأحمر» في منصب نائب الرئيس فإن «هادي» يرغب في تعقيد خيارات الحوثيين و«صالح»، وربما الإمارات أيضا عبر وضع شخصية لا تحظى بالقبول لدى أي منهم. أي إن تحرك «هادي» يمكن أن يتم تفسيره أيضا في إطار سعيه لتأمين موقعه في اللعبة السياسية خوفا من أن تتم الإطاحة به ضمن أي صفقة محتملة.

ولكن تحرك «هادي» لا يمكن أن يأتي دون دفع أو على الأقل ضوء أخضر من قبل المملكة العربية السعودية وهو ما يعيدنا إلى الخلاف السعودي الإماراتي من جديد. يبدو أن المملكة قلقة من تزايد النفوذ الإماراتي وعلى الأخص في عدن، وتخشى من أن يسفر التفاوض عن الإطاحة بحلفائها المقربين لصالح شخصيات أكثر تأثرا بالنفوذ الإماراتي مثل «بحاح». كما أن السعودية تتشارك مع «هادي» موقفه المتشدد ضد الرئيس المخلوع «علي عبد الله صالح» ودوره في المستقبل السياسي لليمن، وهو الموقف الذي لا تتشاركه معها الإمارات فيما يبدو. وفي هذا المقام، فإنه لا يمكننا أيضا أن نغفل أن «الأحمر» يصنف كأحد المقربين من التجمع اليمني للإصلاح فرع جماعة الإخوان المسلمين في اليمن، وهم الخصوم الأبرز للإماراتيين في اليمن كما تؤكد العديد من الشواهد.

من المحتمل أيضا أن السعودية تسعى إلى تضييق الخناق على الحوثيين قبل المفاوضات المرتقبة عبر تقليص خياراتهم أو حصرهم بين خيارات تبدو كلها سيئة بالنسبة إليهم. رغم معارضته للانقلاب الحوثي، فإن تعيين «خالد بحاح» في منصب رئيس الوزراء قد حظي بموافقة الحوثيين منذ البداية، ويمكن تصنيف «بحاح» كشخصية منفتحة على الخيارات الحوثية مقارنة بـ«هادي»، وبكل تأكيد بالمقارنة بـ«علي محسن الأحمر» العدو التاريخي لجماعة أنصار الله. في ظل هذه المقاربة، يظن السعوديون أن الحوثيين سوف يختارون بقاء «هادي» كأخف الضررين، بما يعني أن مصير« هادي» لن يكون مطروحا خلال المستقبل القريب، وهو ما يمثل قفزة سياسية لكل من السعودية و«هادي» قبل بداية المفاوضات المرتقبة.

المصدر | الخليج الجديد

  كلمات مفتاحية

اليمن السعودية الإمارات خالد بحاح علي محسن الأحمر الرئيس هادي أحمد بن دغر الحوثيين صالح

صحيفة: امتعاض إماراتي من ⁧‫السعودية‬⁩ بسبب تعيين ⁧‫«الأحمر»‬⁩ نائبا للرئيس اليمني ⁦

«الأحمر»: لن ننسى دور التحالف والتضحيات الخليجية بقيادة السعودية من أجل اليمن

الفريق «الأحمر».. اليد اليمنى لـ«صالح» تذهب إلى «هادي»

«هادي» يعفي «بحاح» ويعين الفريق «الأحمر» نائبا له و«بن دغر» رئيسا للحكومة

حرب اليمن .. بين معطيات الشرعية والكفاءة والانتهاكات الحقوقية

«خلط أوراق» محتمل في اليمن

كاتب سعودي: «بحاح» مخطئ إذا ظن أنه سيلوي ذراع الرياض بداعميه

«هادي»: ذاهبون إلى الكويت من أجل صنع السلام الدائم

«هادي»: القرارات الأخيرة ستؤثر إيجابيا في توحيد موقف الحكومة والقوى السياسية

«ستراتفور»: قرارات «هادي» والخلاف السعودي الإماراتي في اليمن

هادي وبحاح واليمن الشقي

صحيفة: السعودية تُرتب جديا لتحرير تعز اليمنية قبل مفاوضات الكويت

مصادر يمنية تكشف كواليس جديدة حول إقالة الرئيس اليمني لـ«بحاح»

هل يمكن أن يتسبب الخلاف السعودي الإماراتي في تقسيم اليمن؟

«محمد بن زايد» يستقبل «بن دغر» ويجدد دعم الإمارات لليمن

«عشقي»: الإمارات مولت «الحوثيين» لضرب «الإصلاح» لكنهم خانوها واحتلوا صنعاء

الإمارات تضيق الخناق على حكومة «هادي» بمنعها من تصدير النفط