ما يمكن أن تتعلمه تركيا من روسيا حول منع الانقلابات العسكرية

الأربعاء 3 أغسطس 2016 09:08 ص

إن الجيش السعيد هو الجيش الداعم. ومع ذلك، لا يمكن للمرء الربط بين الأشياء المادية الجيدة وبين الهدوء. تحصل القوات المسلحة الروسية على أجر كاف، ولكن في وقت مبكر في التسعينيات ومطلع الألفية، كانوا يحصلون على مبالغ زهيدة، وكثيرا ما كانت الأجور تتأخر،.

في عام 1993، شنت وحدات عسكرية روسية اشتباك قصير لتنفيذ انقلاب ضد التشريعات التي عفا عليها الزمن. وعلى العكس من ذلك، فإن الجيش التركي يحصل على رواتب بشكل جيد (على الرغم من أن معظمه لا يزال من المجندين)، حتى إذا كانت الظروف صعبة. لذا فإن المسألة الحاسمة بالنسبة لصناع الانقلاب لا تكمن في الرفاه المادي، ولكن في عدم الرضا السياسي.

بالتأكيد منذ تأسيس الجمهورية التركية في عام 1922، كانت النخبة العسكرية على خلاف متزايد مع الإسلاميين. يسعى «أردوغان» لتغيير ذلك، على الأقل عندما أقر البرلمان التركي في عام 2013 تعديلا للمادة 35 من قانون الخدمة الداخلية للقوات المسلحة التركية. هذه المادة قد سبق استخدامها من قبل القادة العسكريين لتبرير التدخل السياسي، ولكن تم إعادة صياغتها باتجاه تركيز الجيش على التهديدات الخارجية لتركيا. ومع ذلك، فإن هذه الخطوة والبذر البطيء لحلفاء «أردوغان» داخل القيادة العليا قد أثر على الثقافة العسكرية بشكل محدود فقط.

على النقيض من ذلك، روسيا لديها تقليد قوي من التبعية العسكرية للسلطة المدنية. وزير الدفاع هو شخصية سياسية، موثوق بها ورئيس هيئة الأركان العامة، مسؤول عن قيادة العمليات، وهو عادة ضابط قوي ويحظى باحترام كبير. عادة لا يوجد هناك أي التباس فيما يتعلق بمن يعمل لصالح من. عادة يختار وزراء الدفاع مرؤوسيهم وكذلك يحق لهم إقالتهم إذا حدثت مشكلة.

متابعة عن كثب

وعلاوة على ذلك، هناك شبكة واسعة من الهياكل الأمنية تراقب الجيش بحثا عن أي دلائل على الطموح السياسي. على الرغم من أن الشبكة السوفيتية من المفوضين السياسيين وخلايا الحزب الشيوعي قد ألغيت، فإن الجهات المسؤولة عن صيانة شبكات الوكلاء داخل المؤسسة العسكرية، باقية على قيد الحياة. توكل هذه المهمة الآن إلى مديرية مكافحة التجسس العسكري (UVK) من جهاز الأمن الفيدرالي (FSB). وعلاوة على ذلك، هناك أيضا خدمة الحماية الاتحادية (FSO)، وهي أيضا وحدات عملية موازية تهدف لمراقبة القوات المسلحة.

على النقيض من ذلك، لم تلعب منظمة الاستخبارات الوطنية (MIT)، في تركيا هذا الدور بشكل جيد خاصة أنها على بينة من السخط في صفوف الجيش، بل يبدو أن المخابرات شوشت رؤية «أردوغان». وقال «أردوغان» في المقابلات إنه اكتشف محاولة الانقلاب من نسيبه و ليس من خلال أي من مسؤولي الأمن. ومع ذلك، يبدو أن الاستخبارات التركية اضطرت المتآمرين لتسريع تنفيذ هذه العملية في وقت سابق عندما قامت بوضع قائمة من 600 ضابط مشتبه به.

هذا يعكس التحديات التي تواجه الوكالة التي انتقلت بعيدا عن جذورها العسكرية، بتحريض من «أردوغان». ووفقا لمحادثاتي مع ضباط الاستخبارات الغربية، هناك حملة متسارعة للتجنيد من الدوائر المختلفة (وسلسلة من التعيينات السياسية) أدت إلى اجتثاث التميز والاحتراف من الخدمة. وقد وبخ «أردوغان» علنا الاستخبارات ورئيسها، «هاكان فيدان» قائلا: «من الواضح جدا أن هناك ثغرات وأوجه قصور مهمة في الاستخبارات لدينا».

في حين تحتفظ روسيا بوكالات مستقلة متعددة تراقب أي علامة على السخط في الجيش، فإن الأتراك قد تأخروا في ذلك، واعتمدوا في الخدمة على العناصر التي جندت سابقا في الجيش.

بالإضافة إلى ذلك، فإن الجيش التركي، في نمط متشابه مع العديد من دول الشرق الأوسط، بما في ذلك مصر وإيران أصبح دولة مستقلة تقريبا داخل تركيا، مع شبكة أعماله الواسعة الخاصة التي في كثير من الأحيان تصل حتى المصالح الإجرامية.

من خلال صندوق التقاعد، على سبيل المثال، يشارك الجيش التركي في كل شيء من بيع السيارات حتى الشوكولاتة. كما تتورط قوات الأمن في المشاركة المؤسسية في أنشطة إجرامية مثل تهريب الهيروين وغسيل الأموال.

على النقيض من ذلك في الجيش الروسي، حيث يشارك في مجموعة واسعة من الأنشطة الأخرى (مثل أي جيش كبير)، ولكن يتم الاحتفاظ بالارتباط بالاحتياجات الأساسية والواجبات. تم تجريد القوات المسلحة من الأدوار الثانوية، مثل إدارة المطاعم. ويجرى الاستعانة بكفاءات إدارية خارجية في بعض الجوانب. خلال السنوات الأخيرة، تم شن حملة على الفساد في صفوف الجيش الروسي من قبل مكتب المدعي العام العسكري الرئيسي للحد من هذا النوع من الأعمال الجانبية غير الرسمية التي أسسها العديد من القادة المحليين في الأيام القديمة السيئة، من التعاقد مع الشركات وخروج الجنود كعمال للشركات إلى إنشاء متاجر داخل القواعد العسكرية لتجنب الضرائب على الممتلكات وغيرها من الإجراءات الروتينية.

ووفقا لمحادثات مع الجنود الروس الذين خدموا قبل سنوات، فقد ساهمت هذه الحملة أيضا في عودة روح العمل الجماعي والهوية المهنية وتحجيم شبكات المصالح الذاتية.

حماة آخرون

في حين أن الجيش هو بلا شك مالك القوة العسكرية الأكبر، فإن الأمر الأكثر أهمية فيما يعلق بالانقلابات هو عدد الرجال الذين يمكن أن تحصل عليهم بسرعة لتأييدك. وربما كان «الزخم» هو السمة الأكثر أهمية، والأقل مفهومية من أجل الاستيلاء الناجح على السلطة.

ينقسم الجيش إلى قسمين في ضواحي موسكو، نخبة الحرس والحرس الرابع «مدرعات»، بإجمالي حوالي 20 ألف جندي. لكنهم بالكاد هم القوات العسكرية الوحيدة في موسكو. ويقون بحراسة الكرملين فوج رئاسي وموظفي خدمات ميدانية، وهم وحدة من المشاة الخفيفة مكونة من 5500 من الرجال الموثوق بهم، وأبعد من ذلك يوجد 5000 ميلح آخر من موظفي الخدمات الميدانية يخدمون في الحرس الرئاسي، إضافة إلى 35 ألف من قوات الداخلية و3000 من قوات مكافحة الشغب.

وكأن هذا لا يكفي: فضلا عن موظفي الأمن في المقر الخاص بقوات الأمن الفيدرالي، يوجد كتيبة من القوات الخاصة لمكافحة الإرهاب «النخبة ألفا«. ولا ينبغي أن ننسى 50 ألفا من أفراد الشرطة العادية التابعة لمديرية الشؤون الداخلية في موسكو.

في تركيا، هناك أيضا قوة أمنية موازية هائلة من الدرك، ولكنها جزء من الجيش. وهناك عدد من جنرالاتها تورطوا في الانقلاب. وعلى الرغم من أن الشرطة في المديرية العامة للأمن حاربت ضد جنود الجيش، فإن رجالها مسلحين بأسلحة خفيفة. ولو كان الانقلاب تم دعمه على نطاق واسع، أو بصراحة، كان أكثر إصرارا، لكان دورها المحتمل محدودا جدا.

إن السيطرة الحقيقية على الجيش هي بالتالي مسألة الثالوث المتشابك من السيطرة السياسية، والشرعية، وأدوات التحكم. وقد كانت موسكو ملتزمة تاريخيا بالحفاظ على قبضة محكمة على جنودها على النقيض من نهج أنقرة.

يقوم «أردوغان» بتطهير شامل للضباط وتعبئة من زمرته. وهو بذلك أيضا يضع الجيش مباشرة تحت سيطرته. في مرسوم صادر في 27 يوليو/تموز، تم نقل الدرك إلى وزارة الداخلية. كما أن الأكاديميات العسكرية، التي كانت حاضنات حاسمة لثقافة القوات المسلحة المميزة، يجري الآن إغلاقها لتحل محلها جامعة الدفاع الوطني.

مع افتراض أن المخابرات ستزيد أيضا من عمليتها داخل الجيش، فإن «أردوغان»، في نواح كثيرة، بدأ يعكس النموذج الروسي من السيطرة على المستوى المؤسسي، على الأقل. ومع ذلك، من الناحية الثقافية، لا يزال الجيش الروسي سياسي نسبيا. أما «أردوغان»، فهو على النقيض من ذلك، حيث يبدو حريصا على تحويل الجيش المسيس الملتزم بالرؤية الكمالية إلى آخر ملتزم بالرؤية «الأردوغانية».

المصدر | وور أون ذا روكس

  كلمات مفتاحية

تركيا روسيا أردوغان بوتين الجيش التركي الجيش الروسي العلاقات التركية الروسية الانقلاب الفاشل

«أردوغان»: على أمريكا أن تلزم حدودها .. وهناك دول لم تهنئنا وقفت مع الانقلاب

تركيا تقرر إلحاق قوات الدرك وخفر السواحل بوزارة الداخلية في أول خطوات هيكلة الجيش

«أردوغان» لـ«رويترز»: الانقلاب كشف قصورا في عمل المخابرات ونضع هيكلا جديدا للجيش

فشل الانقلاب: الطبقة الوسطى المتدينة ترسم مستقبل تركيا على حساب النخبة الكمالية

«واشنطن بوست»: لماذا فشل الانقلاب الأخير في تركيا؟

تركيا: تطهير البلد من منظمة «كولن» لا يختلف عّما حدث عند توحيد الألمانيتين

الأمين العام لمجلس أوروبا يؤيد حملة تطهير تركيا لمؤسساتها

تقرير: انقلاب تركيا الفاشل أطاح بـ«لوبي الجيش» المعارض لتسليح الثورة السورية

«أردوغان» في سانت بطرسبورغ الثلاثاء لإعلان استئناف العلاقات مع «بوتين»

السفير الروسي في أنقرة: «لافروف» يزور تركيا قريبا