يوم الجمعة الماضي شن مسلحون مجهولون هجوما استهدف نقطة عسكرية في محافظة شمال سيناء اسفر عن سقوط 31 قتيلا و30 مصابا، وفق حصيلة رسمية «غير نهائية» مما دفع الرئيس المصري «عبد الفتاح السيسي» إلى فرض حالة الطوارئ لمدة ثلاثة اشهر، مرفوقة بحظر تجول طوال ساعات الليل، وارسال تعزيزات من الجيشين الثاني والثالث «لاجتثاث الارهاب من جذوره»، مثلما قال العميد «محمد سمير» المتحدث باسم القوات المسلحة.
السلطات المصرية تستطيع اتخاذ ما تريد من إجراءات لإعادة هيبتها وسيطرتها وفرض الأمن بسيناء شريطة أن لا تصيب هذه الاجراءات الأبرياء، وأن تترافق مع حلول سياسية في الوقت نفسه تؤدي لتنفيس الاحتقان وتعميق الولاء للدولة.
كعادتها في جميع المرات السابقة، تبحث السلطات المصرية عن "كبش فداء" لتحميله مسؤولية فشلها في القضاء على «الجماعات الارهابية» وليس هناك أفضل من حركة المقاومة الإسلامية «حماس»، وقطاع غزة تحديدا، فلجأت لإغلاق معبر رفح إلى أجل غير مسمى، وألغت اجتماعا كان مقررا لاستئناف المفاوضات الفلسطينية الإسرائيلية غير المباشرة لتطبيق الاتفاقات التي جرى التوصل إليها سابقا لتثبيت وقف إطلاق النار، ووقف إعادة الاعتداءات الإسرائيلية، ورفع الحصار، وبدء عملية إعادة إعمار أكثر من ثمانين ألف منزل دمرها العدوان الإسرائيلي الأخير.
الإعلام المصري كعادته واصل مسلسل التحريض ضد قطاع غزة وأهله، واتهم حركة «حماس» بالتورط في حادث الهجوم الدموي على الجيش المصري حتى قبل ان تبدأ التحقيقات وتجف دماء الجنود الضحايا، بينما أشار الرئيس السيسي لـ«أصابع خارجية» تقف خلف الهجوم.
من يسمع هذه الاتهامات التي تقول إن المهاجمين تسللوا من قطاع غزة عبر الحدود المصرية الفلسطينية يتبادر لذهنه أن طول هذه الحدود يزيد عن ألف ميل، بينما هي لا تزيد عن عشرة كيلومترات فقط.
كل هذه التعزيزات العسكرية من الجيشين الاول والثاني، علاوة على «قوات التدخل السريع» من أجل تأمين هذه الحدود، ومنع الإرهابيين الفلسطينيين من تهديد الأمن القومي المصري، وتأمين سلامة الجنود المصريين بالتالي.
جميع «الإرهابيين» الذين قتلتهم القوات المصرية، حسب البيانات الرسمية، من المصريين (عددهم ثمانية) وليس بينهم أي فلسطيني سواء من قطاع غزة أو خارجه، فلماذا هذا الانتقام من القطاع وأهله وتحميلهم مسؤولية عنف لم يمارسونه؟
مشكلة السلطات المصرية هي مع المصريين في سيناء وغير سيناء وليس مع الفلسطينيين، إلا إن كانت تعتبر أهالي سيناء «غير مصريين»، وتصنفهم في خانة الفلسطينيين، وتشكك في مصريتهم؛ لكن لا يوجد فلسطينيون في الصحراء الغربية المصرية التي شهدت مذبحة أقدم عليها إرهابيون قتلوا أكثر من عشرين جنديا مصريا على حاجز عسكري في واحة الفرافرة، ولم تغلق مصر المعبر الحدودي مع ليبيا مثلما تفعل مع معبر رفح.
الحلول الأمنية والعسكرية للتصدي للإرهاب فشلت في الكثير من الدول، وخاصة في العراق وسورية واليمن وليبيا، وهذا يحتم اتباع وتجريب أساليب أخرى وعلى رأسها إلغاء كل سياسات الاقصاء والاجتثاث واللجوء الى الحوار وتقبل الآخر، وهذا ما فعلته تونس طوال السنوات الماضية، ونجحت من خلاله من الخروج من عنق الزجاجة والوصول إلى بر الأمان جزئيا او كليا.
***
نشعر بالأسى عندما نسمع ونشاهد محللين عسكريين مصريين يطالبون، عبر شاشات التلفزة، بإرسال قوات مصرية لاقتحام قطاع غزة وقطع رؤوس الإرهاب فيه، فمشكلة مصر مع الإرهاب ليست موجودة في قطاع غزة، أو معبر رفح، وإنما في السياسات الأمنية والعسكرية المصرية نفسها، ومحاولة البعض التهرب من تحمل مسؤولية القصور والإخفاق بإلقائها على عاتق الآخرين.
فاذا أرادت القوات المصرية اقتحام القطاع فستجد الآلاف الذين يرحبون بها، لانها لا يمكن أن تكون إلا قوات صديقة، لكن هذا الاقتحام لن يعيد الهدوء إلى سيناء ولن يوقف الهجمات على الجيش المصري وحواجزه في المستقبل المنظور، وإلا لحدث ذلك بعد تدمير السلطات الامنية المصرية لأكثر من 1300 نفق تحت حدود غزة وتشديد الحصار الخانق على أهلها، وإغلاق معبر رفح لاكثر من ثلاثة اشهر متواصلة.
نتمنى على القوات المصرية أن تحتل قطاع غزة وفورا لفترة مؤقتة أو دائمة، حتى نتخلص من هذه «الفزاعة» أو «الذريعة»، وتضع حدا، ومرة واحدة، لآلام مليوني إنسان عربي ومسلم يعانون مر المعاناة من نتائج تحويلهم إلى «كبش فداء» من قبل الشقيق الحاكم في مصر، وتحميلهم مشاكل ومصائب مصر كلها، ولعل الإعلام المصري يبحث عن «كبش فداء» آخر غير غزة، ليوجه إليه حملاته وتحريضه واتهاماته وشيطنته، من أجل التغيير وعدم التكرار، وان كنا نشك في ذلك.