لماذا لا ينبغي المبالغة في ردود الفعل على إعدام «الكساسبة»؟

الأحد 8 فبراير 2015 12:02 ص

لقد أظهرت عملية القتل المروعة للملازم بسلاح الجو الأردني «معاذ الكساسبة» التي قامت بها «الدولة الإسلامية» زيادة واضحة في الدعم والتأييد داخل المملكة الأردنية الهاشمية للحرب ضد تنظيم «الدولة الإسلامية». ونقلت وسائل الإعلام مظاهرات عفوية على مستوى عَمان ومسقط رأس «الكساسبة» في الكرك؛ حيث خرج الشباب يطالب بالانتقام الدموي. كما خرجت وسائل الإعلام الموالية للحكومة وكأنها تردد: «سننتقم» كما في مانشيتات صحيفة الغد الأردنية.

وفي وقت مبكر من صباح الأربعاء؛ اتخذت الحكومة الأردنية خطوة أولى بتطبيق مبدأ العين بالعين، ونفذت الإعدام على اثنين من عناصر القاعدة المسجونين لديها منذ فترة طويلة. لكن يبدو أن المملكة تسير إلى ما هو أبعد من ذلك أيضًا. ودعى «صافي يوسف الكساسبة» - والد الطيار المقتول والذي انتقد في وقت سابق تورط الحكومة الأردنية في التحالف الدولي ضد «الدولة الإسلامية» - الجيش للانتقام لابنه بعد أن وصله نبأ مقتل ابنه حرقًا حتى الموت. وقد بدأ الانتقام بالفعل؛ ففي يوم الخميس شنت القوات الجوية الأردنية غارات جوية على أهداف في شرق سوريا والعراق وفقًا لبعض التقارير.

وحتى الآن يروق الأمر للجمهور الأردني. وعقب تلك الغارات؛ حلقت المقاتلات الأردنية قبل هبوطها حول مسقط رأس «الكساسبة» للتلويح بالنصر للحشود على الأرض التي ردت بالتهليل والتصفق. كما أضافت وسائل الإعلام الاجتماعية الأردنية أن الملك «عبد الله» – من الطيارين المدربين - من شأنه أن يقوم بطلعة جوية فوق سوريا. وحتى الملك نفسه اقتبس كلمات للمخرج الأمريكي البارز «كلينت أيستوود» ما جعلها تعطي انطباعًا طيبًا.

لذلك نسأل: هل قام الرأي العام الأردني بمرحلة حاسمة لصالح تبني إجراءات أكثر عدوانية ضد تنظيم «الدولة الإسلامية»؟ هذا هو بالضبط ما تريده واشنطن. ولكن على الرغم من الآمال التي لا سقف لها، فإن الطفرة في العمليات العسكرية الأردنية ربما لن تكون كما قد يتخيل البعض. القيام بعمليات أكثر تركيزًا وبكثافة عبر الحدود من قبل القوات الخاصة الأردنية في جنوب سوريا ومحافظة الأنبار العراقية لضرب «الدولة الإسلامية» ربما يكون أمرًا معقولاً في هذه المرحلة، ولكن هناك ما يجعلك تشك أن هذا قد يحدث بشكل مستمر.

وعلى الرغم من مواقفهم العامة العسكرية، في مساء اليوم الذي بثت فيه «الدولة الإسلامية» فيديو يصور حرق «الكساسبة»، فإن التلفزيون الرسمي الأردني بث صور من الأرشيف للملك «عبدالله» وهو يتفقد قواته الجاهزة للمعركة ومدى استعدادها، فإنه من غير المرجح أن تسمح الأجهزة الأمنية المحافظة لهذا الاستفزاز لإخفاء كرههم للمشاركة في سوريا أو العراق. ويبقى الأهم بالنسبة للواقعيين داخل جهاز الاستخبارات العامة، ووكالة التجسس القوية في المملكة، ورئيس الديوان الملكي هو المصلحة الأردنية الغالبة باحتواء الصراع في سوريا والعراق أكثر من تلبية دعوة الشارع بالانتقام والدم. وما هو أكثر من ذلك؛ فإنهم يعرفون أن مثل هذه الأمثلة من «دعاية الواجب» - هي على الأقل في جزء منها - من المفترض أن تثير فقط رد فعل مبالغا فيه.

هم يدركون أيضًا أن الرأي العام متقلب، وأن هذا الدفع السريع الداعم لعمل عسكري ضد «الدولة الإسلامية» من الممكن أن يكون مجرد حماسة تتبدد سريعًا مع مرور الوقت. ويتذكر الديوان الملكي - بالتأكيد - أنه قبل أيام فقط، فإن أعضاء من عشيرة الكساسبة القوية كانوا يتظاهرون خارج قصر الملك مرددين: «عبد الله ... لماذا نقاتل؟» (وفي الوقت نفسه؛ وقفت الأجهزة الأمنية التي نادرًا ما تتسامح مع المعارضة بعيدًا خوفًا من استعداء النخب القبلية الذين يقوم استقرار النظام على عاتقهم).

وفي الوقت الذي ربما يشعر فيه الأردنيون بالحزن والغضب، فإن العوامل الكامنة التي تنتجها الشكوك الأولية من العمليات العسكرية لا تزال دون تغيير. فقد أظهر استطلاع للرأي في سبتمبر الماضي - بعد شهر من بدء الضربات الجوية – أن حوالي 62٪ من الأردنيين يعتبرون «الدولة الإسلامية» جماعة إرهابية. وسيكون هذا العدد أكبر بكثير من دون شك في حالة إجراء الاستطلاع اليوم، ولكن الجهاديين في سوريا والعراق من المرجح أن يحققوا نجاحًا كبيرًا في الرأي العام بتنشيط قاعدتهم المتعطشة للدماء على المدى القصير، وتذكير الشعب الأردني فقط كيف أن سياسة حكومته ضد «الدولة الإسلامية» مُكًلِفة - على المدى الطويل - والدليل ظهر للعيان بمقتل «الكساسبة».

ولكن ما هو مفترض أن تدركه «الدولة الإسلامية» أنه على الرغم من  جيوب التعاطف من الجمهور الأردني مع أهدافها، إلا إن تلك الجيوب لن ترحب بهم تحت أي ظرف من الظروف عبر الحدود؛ فغزيرة الخوف أكثر منطقية من جاذبية الإغواء. ومن المرجح أن يستمر الردع المتبادل. وكوسيلة إغواء؛ ربما تبادر «الدولة الإسلامية» إلى مداهمة البلدات الضعيفة في شمال الأردن، لكنهم يدركون أنه في الوقت الراهن - على الأقل – سيُقابلون بمحاولات مستميتة لرد عدوانهم وهجماتهم. ويرى الأردنيون أن قدرتهم على إضعاف القدرة العسكرية لتنظيم «الدولة الإسلامية» محدودة، وأن أي محاولة غير حاسمة للقيام بذلك من شأنها أن تقوض مصداقية الحكومة في وقت حرج.

وهناك سبب آخر للحكومة الأردنية؛ وهي أنها لا تريد أن تبالغ. وتزامن الإفراج عن الفيديو الشنيع مع زيارة الملك «عبد الله» إلى الولايات المتحدة (ويقال إن التنفيذ الفعلي وقع في 3 يناير)، حيث قصد به تحقيق أقصى قدر من الدعاية. وفي الوقت الراهن؛ فإنه يبدو أن عودة الملك بسرعة من واشنطن كانت لتجنب كارثة علاقات عامة، وقد أثار الفيديو ردود الفعل العاطفية المقصودة من ورائه. ولكن هناك جانب مضيء هنا؛ حيث إن خطوة «الدولة الإسلامية» بإعدام «الكساسبة» بهذه الطريقة الوحشية يسلط الضوء على وقوع التنظيم في موقف دفاعي عسكري ونفسي منذ هزيمته الأخيرة في عين العرب على الحدود السوية التركية. ويلعب العنف من أجل العنف دورًا رئيسيًا في الحفاظ على مصداقية «الدولة الإسلامية» لدى أتباعها مؤيديها. وينبغي أن يعي الجميع مثل هذه المصطلحات بدلاً من النظر إليها كونها تحول أساسي في نوايا المنظمة الفورية نحو الأردن. ولذا فإنه من الحكمة بالنسبة للأردنيين أن لا يلتقطوا الطُعم.

هذه الحلقة المأساوية؛ مثل قتل رهائن آخرين، من غير المرجح أن يكون لها تأثير بعيد المدى على الحملة الواسعة ضد «الدولة الإسلامية». على الرغم من أننا نعرف الآن أن عملية أسر الملازم الكساسبة في ديسمبر 2014 دفعت دولة الإمارات العربية المتحدة إلى إعلان انسحابها من التحالف، إلا إن الأردن لم تحذو حذوها وفي المقابل عززت من غاراتها الجوية بشكل أكثر وضوحًا. وفي نهاية المطاف؛ فإن ما يفعله الأردن أو لا يفعله كرد فعل على قتل الكساسبة فإنه يُعدُّ أقل أهمية لما يقدمه للنضال الواسع ضد «الدولة الإسلامية»، وأكثر أهمية فيما يتعلق بالكيفية التي سيلعب بها محليًا. ومن وجهة نظر واشنطن؛ فإن هذا يؤكد حقيقة أن الحرب ضد «الدولة الإسلامية» لا تزال بالفعل حرب الولايات المتحدة.

المصدر | ستيفن سيمون وجيمس فرومسون، فورين بوليسي

  كلمات مفتاحية

الدولة الإسلامية الأردن الكساسبة إعدام الطيار الأردني

«الغنوشي» يتوقع دورا للسعودية في حل أزمات المنطقة .. ويبرئ الإسلام من «حرق الكساسبة»

الأردن يثأر لـ«الكساسبة» وينفذ حكم الإعدام بحق «الريشاوي» و«الكربولي» فجرا

سقوط طائرة «الكساسبة» كشف عن عدم اقتناع الأردنيين بمشاركة بلادهم في التحالف الدولي

رئيس وزراء الأردن يدعو لمساعدة بلاده في محاربة «الدولة الاسلامية»

القوات العراقية تعتزم شن هجوم بري ضد «الدولة الإسلامية» بإسناد من التحالف الدولي

الأردن والبحرين: الحرب على «الإرهاب والتطرف» تهدف لحماية الإسلام

«هافينجتون بوست»: كرة القدم .. معركة الإمارات القادمة لتحسين صورتها

الأردن والعراق يبحثان سبل التعاون ضد «الدولة الإسلامية»

محلل أمريكي يكشف رفض واشنطن إعطاء إحداثيات مواقع «الدولة الإسلامية» لمصر والأردن

أن تكون مع محور المقاومة! 

رئيس «سي أي إيه»: «الدولة الإسلامية» يمر بضائقة مالية بسبب فيديوهات ذبح الرهائن

«هيومن رايتس» تطالب بإعادة محاكمة 24 حكم عليهم بالإعدام بقضية «سبايكر» في العراق

«الدولة الإسلامية» يعدم بطل العالم في الملاكمة لمحاولته الهرب من سوريا

تضارب الأنباء حول تصفية «الدولة الإسلامية» القيادي الأردني «سعد الحنيطي»

برلماني أردني يستهجن فيديو يظهر انتماء نجله لـ«الدولة الإسلامية» وتنفيذه عملية إرهابية

سجين سابق لدى «الدولة الإسلامية»: «الكساسبة» لم يحرق وهو حي يرزق حتى الآن

الأردن: ضبط طائرة تجسس وحمام زاجل مرسل من «الدولة الإسلامية»

مشهد تليفزيوني يعيد للأردنيين حرقة القلب على الكساسبة.. ما القصة؟