الملاحقة القضائية لجمعية الوفاق الوطني البحرينية: (قتل رحيم) في إطار الهندسة السياسية

السبت 21 فبراير 2015 05:02 ص

بعد فترة وجيزة من التراجع عن قرار إغلاق جمعية الوفاق الوطني الإسلامي، أكبر الجمعيات المعارضة البحرينية، والذي جاء بعد استنكار ورفض أمريكي وأوروبي، أحالت وزارة الداخلية 17 فبراير الجاري، الجمعية إلى النيابة العامة بتهمة الإضرار بالسلم الأهلي، بما يكشف إستراتيجية جديدة للتعامل الحكومي مع المعارضة عنوانها "القتل الرحيم".

وجاءت الإحالة إلى القضاء بعد القبض على رئيس الجمعية الشيخ علي سلمان في 28 ديسمبر الماضي، واتهامه بالترويج  لقلب نظام الحكم بالقوة، وسحب جنسيات الكثير من المعارضين السياسيين. وتزامنت مع الاستمرار في اتباع أسلوب الملاحقات القانونية والقضائية التي طالت الناشطين والحقوقيين، وفي هذا الإطار تم الحكم على سيد جميل كاظم رئيس شورى الوفاق بالحبس لمدة 6 أشهر، بعد أن اتهم على تويتر السلطات باستعمال رأس المال السياسي في الانتخابات، لتعويم المرشحين المقربين منها.

كما تزامنت مع حملة إعلامية تشارك فيها معظم الصحف ضد جمعية الوفاق المعارضة، والتي تركز على سردية أن هناك جهات إقليمية وخارجية تحرك المعارضة في البحرين، وتسعى إلى إقامة دولة الولي الفقيه في البلاد.

هندسة سياسية

إن إستراتيجية "القتل الرحيم" تشير إلى إنهاك الجمعية المعارضة وإضعاف شرعيتها، ودفعها إلى تقديم التنازلات دون الحاجة إلى تنازلات مؤلمة مقابلة، وتتكامل مع إستراتيجيات أخرى عناوينها: استعمال الوسائل القانونية والقضائية، سحب الجنسيات، الحملات الدعائية الداخلية، العمل الإعلامي والحقوقي الخارجي، والتي تهدف جميعها إلى إضعاف المعارضة البحرينية وتأثيرها السياسي، داخليًا وخارجيًا.

وقد كشف عن هذه الإستراتيجية الكاتب عبد المنعم إبراهيم، في عموده بصحيفة أخبار الخليج 18 فبراير الجاري بالقول: "في أمريكا وأوروبا هناك اختلاف في وجهات النظر حول موضوع "الموت الرحيم" للمرضى المستعصية أورامهم وعلاجهم في المستشفيات.. فهناك ولايات أمريكية تبيح (الموت الرحيم) تخفيفًا لعذاب المريض من السقام.. وولايات أخرى ترفض ذلك.. وفي العادة إما أن يطلب المريض من المستشفى تنفيذ (الموت الرحيم)، وإما عائلته إذا كان المريض في غيبوبة".

وربط إبراهيم بين "الموت الرحيم" وبين تحريك دعوى قضائية ضد جمعية الوفاق، قائلًا: "في الحقيقة كان يفترض أن تقدم هذه الشكوى القضائية منذ سنوات طويلة.. ذلك أن جمعية (الوفاق) ولدت مريضة منذ لحظة تأسيسها على منهج طائفي يرتهن بولاية الفقيه الإيرانية.. وحتى اللحظة التي قبلت فيها المشاركة السياسية ودخولها الانتخابات النيابية واحتلال مقاعد البرلمان، قامت بكل السبل لنقل منهجها الطائفي من الشارع إلى البرلمان، وزرعت الفتنة بين أبناء الشعب البحريني".

واعتبر في خاتمة مقاله أن الجمعية تستحق الموت الرحيم "رأفة بأفراد الأسرة الذين يشفقون على (مريضهم) وهو يدمر نفسه ويدمرهم معه.. ومن يدري (عسى أن تكرهوا شيئًا وهو خير لكم)!.. لعل بعد حلّ (الوفاق) تتشجع أصوات وطنية لجسم مستقل يقوم على أنقاض المرحوم.. ويتبرأ من أفعاله الطائفية"!

ولعل الكاتب يشير ضمنيًا إلى عملية "هندسة سياسية" تقوم بها السلطات في الوقت الراهن، وتتمثل في الموافقة على تأسيس جمعية الوطن التي تضم طيفًا شيعيًا وسنيًا، تكون بديلًا لجمعيات المعارضة، وخصوصًا الوفاق (الدينية) في الشارع الشيعي، ووعد (الليبرالية) التي تستقطب قواعد اجتماعية سنية إضافة إلى مكونها الشيعي.

وهذه الهندسة السياسية لا تتوقف على قوى المعارضة، بل تتجه إلى قوى الموالاة، بهدف احتوائها وتقليص نفوذها في الشارع وتقليم أظافرها!، وهي العملية الدائرة تجاه الإخوان المسلمين منذ انتخابات 2010م، وتجري الآن ضد السلفيين وجمعية الأصالة، حيث تم فصل الأمين العام المساعد بمجلس النواب الذي ينتمي إلى جمعية الأصالة الإسلامية السلفية، على خلفية اتهامات بالفساد، مما أدى إلى اشتعال خلافات جديدة داخل الجسم السلفي، ولكن هذه المرة على أرضية سياسية، ومساعي مجموعات سلفية تقدم نفسها كبديل لنخبة جمعية الأصالة لدى السلطات.

استقرار شكلي

السؤال المطروح الآن: ما هي دوافع الإستراتيجية الجديدة؟ وهل تحقق الاستقرار السياسي في البحرين؟

معارضون وموالون التقاهم مراسل موقع (شؤون خليجية)، رسموا الأجواء السياسية التي جرى فيها هذا التحول الجذري في التعامل الحكومي مع المعارضة من الحوار إلى الاحتواء والإضعاف، بالقول: إن ذلك يتم في أجواء إقليمية عنوانها التحالف الدولي ضد الإرهاب، والصراع الإقليمي الذي بدأ يأخذ طابعًا مذهبيًا وطائفيًا في العراق وسوريا واليمن.

وأضافوا أن هذا التحول الحكومي يمكن فهمه في ضوء أمور ثلاثة:

الأول: أن الولايات المتحدة وحلف الناتو وجدوا أن مصلحتهم مع الحكومات الخليجية وليس مع المعارضة، ومن منطلق براغماتي بحت، قام مسؤولون أمريكيون بإبلاغ رموز معارضة بحرينية بأن مصلحتهم مع السلطات البحرينية، وأن على المعارضة أن تفهم ذلك، لكن يبدو أن المعارضة فهمت الرسالة بطريقة عكسية وقامت بالتصعيد ضد السلطات، وهو ما واجهته الأخيرة بكل قوة، ونتج عن ذلك ضعف ملموس في الحراك المعارض في الشارع في ذكرى الحراك الشعبي الاحتجاجي 14 فبراير 2011م، وهو الفراغ الذي حاولت القوى غير المشروعة قانونًا أن تستغله بدعوتها وتنفيذها لإضراب الإباء.

الثاني: أن الحراك المعارض في البحريني تأثر بالصراع الإقليمي بين المشروعين الإيراني والسعودي في المشرق العربي والخليج، أو ما يسمى "لعنة الجغرافيا"، حيث غرقت مطالب المعارضة بالإصلاح والمساواة والشراكة في السلطة والثروة في سردية القوى الموالية، الإسلامية والعلمانية والمصلحية، ومفادها أن هذا الحراك هو جزء من مؤامرة إيرانية ضد شعوب وحكومات الخليج العربي، وفي هذه الأجواء يمكن ببساطة تبرير أي ضربات تتلقاها المعارضة والحديث عن استقلال القضاء.. إلخ.

الثالث: أن اتباع الوسائل القانونية والقضائية يؤدي إلى إنهاك قوة المعارضة الرئيسية في البلاد، دون إثارة حفيظة "القوى الدولية المحبة السلام"!، كما أنه قد يأتي كفرض إرادة من جانب السلطة، وكعقاب للمعارضة في ضوء خطاب الشيخ حسن نصر الله زعيم حزب الله في ذكرى المولد النبوي، والذي وجه فيه تهديدات مبطنة للحكومة البحرينية، ودعا الشارع الشيعي المعارض إلى سلمية الحراك الاحتجاجي خلف الزعيمين: الديني الشيخ عيسى قاسم، والسياسي الشيخ علي سلمان.

وأكد كثير من الرموز البحرينية لمراسل موقع (شؤون خليجية)، أن الإستراتيجية الجديدة وسائر إستراتيجيات التعامل الحكومي مع المعارضة البحرينية، تتكامل مع تغليب الخيار الأمني منذ بداية الأزمة في البلاد، وتهدف إلى رفع تكلفة استمرار المعارضة في الصراع السياسي وإجبارها على تقديم التنازلات، وقد نجحت في تحقيق استقرار شكلي، إلا أن عدم تقديم مبادرة سياسية اعتمادًا على إدارة هذا الصراع وليس تسويته، قد يؤدي إلى توسع القواعد الاجتماعية للجمعيات غير المشروعة، التي تروج للعنف وتغيير النظام السياسي، رغم التأكيد المستمر لقوى المعارضة على السلمية كخيار إستراتيجي.

كتلة سياسية جديدة

في ضوء الوضع الجديد، خففت قوى المعارضة من حراكها الاحتجاجي في الشارع، واتجهت إلى العمل الإعلامي والتوعوي والفكري، لاستشراف المرحلة الحالية، والتأكيد على وطنية وسلمية وإصلاحية هذا الحراك، لكن من غير المعروف هل ستعود هذه القوى خطوة للخلف وتحديدًا إلى ما قبل 14 فبراير 2011م أم لا؟.

لقد بدأ الحراك الاحتجاجي على خلفية مطالب اقتصادية واجتماعية وضد التمييز والتهميش الذي تقول قوى المعارضة أنه يطال المكون الشيعي، ولكنه سرعان ما تأثر بحراك الربيع العربي، وطالب بتغيير النظام سواء بإقامة الجمهورية في البحرين، كما تطالب القوى غير المشروعة، أو بالتحول نحو الملكية الدستورية، التي تنزع صلاحيات وامتيازات العائلة الحاكمة، كما تدعو قوى المعارضة الخمس.

وفي هذا الإطار دعا المفكر العروبي على فخرو، في ندوة بمقر جمعية التجمع القومي، مساء الاثنين 1 فبراير/شباط 2015، إلى الالتفات إلى المدى البعيد ونتائجه، والإصلاحات الكبيرة التي يجب النظر إليها، قائلًا: إن  تأثير الاحتجاجات ربما يكون محدودًا وقت حدوثها، ولكنه يترك أثرًا في المستقبل، وتأثيرات الربيع العربي على المستقبل ستكون كبيرة جدًا، قد لا تبدو الآن، ولكنها ذات تأثير بالغ حتمًا.

وشدد على أنه من الضروري أن تنتقل الحياة السياسية الاحتجاجية إلى شيء آخر، وإلا ستصاب بالشلل والملل، وهذا ما تشاهدونه بين الناس، وموجود في ظل الانقسام في المجتمع، متسائلًا: هل هناك مطالب محقة أم لا؟، مجيبًا بالقول: نعم هناك مطالب محقة في البحرين ومن حق الناس المطالبة بها.

وأضاف أن الحراك السياسي يجب أن يكون منسجمًا مع بعضه البعض، حيث أصبحت بعض الحركات "تخرب على أخرى"، في إشارة إلى ممارسات القوى غير المشروعة قانونًا، من حرق للإطارات والمواجهات مع الشرطة، مطالبًا بانتقال العمل السياسي من حراك احتجاجي إلى حراك سياسي له نظرة بعيدة المدى، تتعلق بقضايا محددة وليست متناثرة، تمس السنة والشيعة، فقضايا المرأة والمعلمين والبحارة مثلًا، هي قضايا مشتركة يمكن الاهتمام بها.

وتساءل فخرو: هل في السنوات الأربع السابقة تمت محاولة حقيقية لتوسيع التحالفات في المجتمع المدني، أم ظلت على حالها دون تغيير المسار؟ كم من التثقيف السياسي اللاطائفي يجري في البحرين؟ وكم من الشباب يدعون إلى حلقات فيها تثقيف سياسي لا طائفي؟ القوى السياسية أن الأوان لها أن تغير طريقة عملها، إلى حركات إصلاحية طويلة المدى متعمقة في المجتمع.

وكلمات المفكر العروبي البحريني تؤكد أمرين: أنه إذا كانت السلطات عليها أن تتبع وسائل جديدة لتسوية الصراع السياسي وليس إدارته، فإن المعارضة تحتاج إلى بلورة كتلة سياسية جديدة بخطاب جديد لتتجاوز الانقسام المجتمعي، وتستطيع إقناع السلطات بأن الحل الوطني هو مصلحة للوطن وجميع الأطراف دون استثناء.

 

  كلمات مفتاحية

البحرين المعارضة قاعدة الوطية الملاحقة القضائية الهندسة السياسية الحراك الشعبي

اعتقال رئيس شورى جمعية الوفاق البحرينية بعد أقل من أسبوعين من إطلاق سراحه

ميدل ايست آي: الحكومة البحرينية تجر معارضيها نحو العنف لخنق دعوات الإصلاح السلمي

البحرين: استهداف لـ«الوفاق».. أم للعمل السياسي؟

جمعية الوفاق البحرينية: اعتقال أميننا العام جاء لمقاطعتنا الانتخابات البرلمانية

واشنطن تبدي «قلقها الشديد» لاعتقال أمين عام جمعية «الوفاق» البحرينية

الخارجية الأمريكية تنتقد قرار إغلاق جمعية الوفاق البحرينية

«قرقاش»: تعقيب الخارجية العراقية على حكم البحرين ضد «سلمان» هو «توجه طائفي بحت»

تأجيل محاكمة أمين عام «الوفاق» البحرينية إلى 12 نوفمبر

البحرين: تأجيل محاكمة «علي سلمان» إلى 14 يناير بعد سماع مرافعة النيابة

الحوزات العلمية في إيران تحذر ملك البحرين من التعرض لعلماء الدين