«القوة العربية المشتركة»: حماية للأمن القومي.. أم للأنظمة؟

الثلاثاء 31 مارس 2015 07:03 ص

على ألحان نشيد «وطني الأكبر» أعلنت القمة العربية موافقتها على مبدأ إنشاء قوة عسكرية عربية مشتركة.

القرار لا شك سيذكره التاريخ كأحد أهم القرارات التي اتخذتها القمم العربية، وإن كانت قرارات قمة شرم الشيخ قليلة عموماً. 

ولكن الكيفية التي سيتذكر بها التاريخ هذا القرار لا يمكن معرفتها اليوم بدقة، بل ستتوقف على الكثير من التفاصيل. 

تفاصيل تشكيل القوة المشتركة والدول العربية المشاركة فيها وأهدافها وآليات عملها، وغيرها من التفاصيل ستحدد وضعها في التاريخ العربي.

ولعل أول ما يتبادر الى الأذهان عند الحديث عن بناء قوة عربية مشتركة، هو أننا بصدد تغيير مهم في التوازن الإقليمي، فالقوى العسكرية الرئيسية إقليمياً هي إسرائيل وتركيا وإيران، وبالتالي فإن تشكيل قوة عربية مشتركة قد يعني بروز قوة جديدة تغير في هذا الوضع، خصوصاً أن توحيد القدرات العسكرية العربية، قد ينتج عنه قوة متفوقة إقليمياً على باقي القوى القائمة حالياً.

كذلك قد يعني الأمر انتهاء حاجة الدول العربية، والخليجية بالذات، الى وجود قواعد عسكرية أجنبية على أراضيها، والاستعاضة عنها بالقوة العربية المشتركة، بما يعني تحدياً مباشراً لمصالح قوى عظمى مثل الولايات المتحدة.
وإذا كانت تلك طبيعة ونتائج القوة العربية المشتركة، فبالتأكيد فإن التاريخ سيذكرها باعتبارها فصلاً محورياً في التحرر العربي.

ولكن الخطوة التي سبقت مباشرة الموافقة العربية على تشكل القوة المشتركة تظهر أن المقصود منها مختلف كلياً عن كل ما سبق. فالحملة العسكرية التي تقودها السعودية بمشاركة دول عربية في اليمن، والحملة السابقة التي حركتها السعودية أيضاً لقمع الثورة البحرينية، توضح أن العمل العسكري العربي المشترك يخضع لمصالح الأنظمة الأكثر نفوذاً وقدرة على التأثير، وليس بالضرورة لحماية أمن الدول العربية من الاعتداءات الخارجية أو حماية الشعوب.

ومعروف أن الحروب التي شنتها اسرائيل على غزة ولبنان في السابق لم تشهد الحماسة ذاتها، التي تتبدى في الازمة اليمنية اليوم، ليس على المستوى العمل العسكري فحسب، ولكن حتى على المستوى السياسي.

وإذا عدنا الى الدعوة الأساسية لتشكيل القوة المشتركة، والتي أطلقها الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي في شباط الماضي، سنجد أن الهدف الأساسي الذي انطلقت الفكرة من أجله كان مكافحة الإرهاب. وهنا يجب أن تخفت قليلا ألحان «وطني الأكبر» حتى يمكن فهم طبيعة وأهداف القوة العربية المشتركة بعيداً عن تأثير الخطاب القومي، فاحتلال فلسطين والعراق، والعدوان على لبنان، وانهيار الأوضاع في ليبيا، وقبلها الصومال، لم تكن المحركات الرئيسية للدعوة، ولكن تهديد خطر الإرهاب للمنطقة العربية.

ولا شك أن تصاعد خطر الإرهاب يمثل حافزاً قوياً للتعاون العربي عسكرياً لمواجهته، كما حفز القوى الدولية لبناء تحالف ضد الإرهاب، لحماية مصالحها في المنطقة العربية ومنع وصول الإرهاب إليها.

من هنا يبتعد مشروع القوة العربية المشتركة عن تغيير التوازنات الإقليمية والاستغناء عن القواعد الأجنبية. فما تحتاجه مواجهة الإرهاب أمر يختلف من حيث حجمه وطبيعته عن ذلك.

ولكن تبقى أزمة التباين في الرؤى بين الأطراف العربية في تعريف الإرهاب وتحديد الأطراف التي ينبغي العمل ضدها. فبعض الجماعات تعتبرها أطرافاً عربية إرهابية، بينما تراها أخرى حركات مقاومة او ثائرة. وثمة قوى تسعى أطراف عربية لدمجها في العملية السياسية بينما تصر أخرى على استئصالها. كيف يمكن بناء تعاون عسكري على أساس رؤى على هذه الدرجة من التباين؟

وما يزيد الأمر تعقيداً أن القرار الذي صدر كان شديد العمومية، وأحال التفاصيل على اجتماع رؤساء أركان الدول المشاركة في بناء القوة.

السفير هاني خلاف، مساعد وزير الخارجية الأسبق، يقول في حديث الى «السفير» إن «أساس فكرة المقترح لم يعالج بما فيه الكفاية الاختلافات في الرؤى بين الأطراف العربية، ولم يعالج أحد بما فيه الكفاية الفرق بين التدخل نتيجة تدهور الوضع الأمني لحماية المجتمع، والتدخل نتيجة تهديد النظم الشرعية»، مشيراً الى ان «هذه التفاصيل مهمة لأن كل خيار فيها يعني قوة عسكرية ذات طبيعة مختلفة».

ويضيف خلاف «بالنسبة الى مواجة الإرهاب، يجب أن يكون هناك وضوح في التفرقة بين ما هو إرهاب وما هو غير ذلك، فحمل السلاح يختلف بالتأكيد عن التظاهر في الشوارع، حتى وإن كان الهدف في الحالتين تغيير النظام».

ويقول خلاف «هناك تحول واضح في نظرية الأمن القومي العربي. فتاريخياً كان مصدر التهديد للأمن العربي هو إسرائيل، وهذه القوة المزمع بناؤها لن تعمل ضد إسرائيل، وهو ما يعني تغير مفهوم الأمن القومي. ومن المفروض أن تعمل تلك القوة ضمن النظام الأساسي لجامعة الدول العربية، والتي تنص على عدم جواز التدخل في الشؤون الداخلية أو تغيير النظام، ما يطرح السؤال حول ما اذا كانت هذه ستعمل من اجل حماية الأنظمة من التغيير، وهذا سؤال جوهري، والأمر في حاجة للمزيد من التفاصيل».

الحقيقة أن الحملة العسكرية في اليمن تحركت بعد نداء الرئيس اليمني عبد ربه منصور هادي. وكذلك كان الأمر مع بعض الفوارق في التفاصيل حين تحركت قوات درع الجزيرة لحماية النظام في البحرين.

ومهما كانت المقارنات بعيدة فلا يمكن تجاهلها، فتحت ضغط الانتفاضات الجماهيرية اضطر الرئيس التونسي زين العابدين بن علي للهرب من تونس الى السعودية، واضطر الرئيس المصري حسني مبارك للتخلي عن السلطة.

فهل كان هذا درساً كافياً لتدرك الأنظمة العربية ضرورة بناء قوة عسكرية يمكن الاستنجاد بها إذا ما تعرض نظام للتهديد، سواء كان هذا التهديد إرهاباً أم ثورة؟ 

التفاصيل ما زالت تخفي الكثير. ولكن ما تخفيه التفاصيل تكشفه التجارب. فهذه «القوة العسكرية المشتركة» لن يستفيد منها الفلسطينيون، ولن تصبح بديلا للقواعد العسكرية الأجنبية. وربما لو توفرت تلك القوة في العام 2011 لأنقذت الأنظمة «الشرعية» التي أطاحت بها الثورات.

 

  كلمات مفتاحية

القمة العربية القوة العربية المشتركة حماية الأمن القومي الأنظمة

وزير الدفاع الأمريكي: ندعم القوة العسكرية العربية المقترحة وسنتعاون معها

عودة الدولة العربيّة إلى الأمة

وزير الخارجية الجزائري ينفي علاقة مشروع «القوة العربية» بالأوضاع في اليمن وليبيا

الدول العربية تنشئ «قوة عسكرية مشتركة» .. هل هذا جيد أم سيء؟

إنه حقا عالم عربي جديد !

الدولة العربية .. من منطق «النظام» إلى منطق «الدولة»

الأمن القومي في عالم متغير

السودان يعلن استعداده للمشاركة «بريا وبحريا» في «القوة العربية المشتركة»

الجزائر ترفض تدخل القوة العربية المشتركة في الشؤون الداخلية للدول

مصدر دبلوماسي: الجزائر طلبت تأجيل إقرار القوة العربية المشتركة

مشاورات عربية لتحديد موعد إقرار بروتوكول إنشاء «القوة العربية المشتركة»

الجامعة العربية تستعد لإقرار بروتوكول تشكيل القوة المشتركة

الخميس .. وزراء الخارجية والدفاع العرب يوقعون بروتوكول إنشاء القوة المشتركة

كاتب مصري بارز: السعودية جمدت مشروع «السيسي» في ليبيا