اقتصاد كردستان العراق: نهاية الطفرة

الخميس 27 أغسطس 2015 07:08 ص

يؤكد رجال أعمال ومستثمرون زاروا أخيراً منطقة كردستان العراق، تحديداً إربيل والسليمانية، وجود حالة من الجمود الاقتصادي المترافق مع القلق والتململ من تدهور الأوضاع الاقتصادية، وتدنّي القوى الشرائية، واتّساع رقعة الفقر والبطالة (40% بين الشباب)، وتراجع أجور الموظفين تدريجاً، ما لم يشهده الإقليم في أحلك الأوقات.

يضاف إلى هذا الواقع الذي يطغى عليه مناخ من التشاؤم من المستقبل لدى طبقة رجال الأعمال والمستثمرين المحليين، خصوصاً في قطاعي السياحة والتجارة، بعد توقّف الكثير من المشاريع في المدن، الخوف من التجاذبات السياسية والمصلحية الحاصلة في شكل حاد بين القوتين الكبريين اللتين تحكمان الإقليم وتحظيان بغالبية الامتيازات، أي الحزب الديموقراطي بزعامة مسعود بارزاني، وحزب الاتحاد الوطني برئاسة «جلال طالباني»، إذ يبلغ عدد البليونيرات من الجانبين نحو 20.

ويخشى محلّلون أكراد من استمرار هذا الوضع المتردّي لأشهر إضافية، وهو أمر بات شبه مؤكد بعد التبدّل الحاصل في موقف تركيا حيال الأكراد، حتى ولو كان الأمر يتعلّق علناً بملاحقة عناصر حزب العمال الكردستاني الذي يتزعمه عبدالله أوغلان، الموجودين في محيطي كل من أربيل والسليمانية، إضافة إلى استمرار انخفاض أسعار النفط وتمنّع الدول عن شراء بترول الإقليم أو استقبال السفن التي تحمله في موانئها، وزيادة الأعباء التي يرتّبها النازحون العراقيون على موازنة الإقليم، وتشدّد الحكومة المركزية في بغداد لناحية التعاطي مع مطالب حكومة كردستان.

فالعودة الى الحديث عن وحدة الإقليم وسلامته أصبحت مدار بحث جدي بين الأطراف، بخاصة بعد تصاعد الخلافات إلى العلن بين الحزبين حول ملفّي الأمن والاقتصاد، والاتهامات المتبادلة بالتجاوزات والاختلاسات وسوء الإدارة، ومن جهة أخرى دخول «حركة التغيير المعارضة» المنشقّة عن حزب طالباني والتي تطالب بإعلان السليمانية إقليماً مستقلاً.

ومن المؤشرات الى التدهور الاقتصادي والاجتماعي الى حدود الخطوط الحمر، أن الإقليم يشهد، للمرة الأولى منذ اعتباره حالة فيديرالية خاصة، مواقف موحّدة ضده من المجتمع تمثّلت في التظاهرات الحاشدة التي شهدتها في آن معاً السليمانية وأربيل في 20 أغسطس/آب الجاري، احتجاجاً على سوء الخدمات وسياسات التهميش والتمييز التي تمارسها حكومة الإقليم، التي تســـرق عائداتها وخيراتها عائلة الحزبين الحاكمين.

باختصار، لم تعد منطقة كردستان وأربيل تحديداً، وجهة سياحية واستثمارية مفضّلة كما كانت الحال قبل سنوات. يضاف الى ذلك، هروب كثر من المستثمرين وانسحاب عدد من شركات النفط التي كانت بدأت الاستثمار في مجال التنقيب والإنتاج، خصوصاً بعدما هددت وزارة النفط كل شركة أجنبية تستثمر في الإقليم من دون موافقتها المسبقة.

وعلى رغم تهديد حكومة الإقليم بأنها تساوي بين كل المحافظات وتوزّع الموازنة في شكل عادل، إلا أن الاتهامات تزداد يومياً وتوجَّه تحديداً إلى حزب بارزاني، مستهدفة بخاصة وزير الثروات الطبيعية أشتي هورامي، بإلحاق أضرار مادية تقدّر بعشرة بلايين دولار نتيجة فشله في تشغيل المحطات الكهربائية بالغاز الطبيعي. لكن ما زاد الأمور تعقيداً، التمنّع والتأخير المتعمد من الحكومة المركزية في بغداد عن صرف حصص كردستان من عائداتها النفطية كونها لا تلتزم بالكميات المصدرة، وقيام أربيل ببيع النفط في شكل موارب ومستقل، علماً أن وزارة النفط العراقية أرسلت الى الإقليم عائدات في أبريل/نيسان ويونيو/حزيران.

حصل ذلك بعد وعود والتزامات مقدمة بالنسبة الى الكميات المصدرة والمتّفق عليها من وزير الثروات الطبيعية الذي زار بغداد أخيراً ليقدّم، وفق مصادر، تنازلات بعدم التحدّي والتهديدات التي تصدر من حين الى آخر عن «مسعود بارزاني»، من ضمنها بيع نفط كركوك من دون إشراف الحكومة المركزية. وساهمت تصريحات طالباني الأخيرة بإمكان الانفصال عن كردستان وضرورة التفاهم مع بغداد على كل التفاصيل والابتعاد مما يضرّ مصالح العراق، تحديداً في التراجع الملحوظ لحزب بارزاني الذي بات في ما يبدو يخشى من تدهور الوضع الاقتصادي إلى حدّ لا يمكن استيعابه، في ظل تراجع العائدات والإنفاق المتصاعد على قوات البشمركة والنازحين على رغم المساعدات الخارجية غير الكافية، ما يزيد عجز الموازنة.

من جهة أخرى، تخشى حكومة الإقليم التخلّي الدولي عن دعمها، خصوصاً مع الاحتمال الكبير وشبه المؤكد للتقارب الذي سيحصل بين تركيا وإيران بعد توقيع الاتفاق النووي، وتصريحات المسؤولين الأميركيين التي كان أبرزها (والذي يحمل دلالة هامة) ما صدر أخيراً عن وزير الدفاع الأميركي «أشتون كارتر»، الذي زار إربيل وبغداد، ما اعتبره المراقبون بمثابة رسالة تحذير إلى الأكراد، على رغم تنويهه بدور قوات البشمركة التي يجب اعتبارها «نموذجاً للقتال ضد تنظيم داعش».

لكن الأهم في تصريحات المسؤول الأميركي، أن دعم هذه القوات الكردية لا يمكن أن يكون إلا عبر بغداد. ما يعني أن على حكومة إقليم كردستان عدم القيام بأية خطوات، عسكرية أم اقتصادية، تحديداً في ما يتعلق بملف النفط، من دون الرجوع الى الحكومة المركزية في بغداد.

بات شبه مؤكد أن اقتصاد كردستان العراق يشهد نهاية الطفرة التي طالما استفاد الحكم هناك من خيراتها، وليس شعب الإقليم الذي بقي يشكو من الفقر والبطالة وسوء الخدمات. ومن العوامل الأخرى التي لعبت دوراً في هروب المستثمرين، غياب الشفافية على مستوى القوانين ونسب الرشاوى العالية المفروضة من النافذين، إلى حدّ لجوء الشركات العاملة في مجالي النفط والسياحة الى التحكيم الدولي لتحصيل حقوقها، وكان آخرها الدعوة التي ربحتها شركة «دانة» الإماراتية للطاقة ضد وزارة الثروات الطبيعية في الإقليم. وفي السياق ذاته، تحجم الشركات الأوروبية الكبرى عن التعامل مع الإقليم للأسباب ذاتها.

  كلمات مفتاحية

العراق كردستان العراق مسعود برزاني كردستان اقتصاد استثمار

إسرائيل تعتمد على نفط كردستان العراق ... هل هو مدخل لدول الخليج؟

«شورى» كردستان العراق يقرر بقاء «بارزاني» في منصبه

جدل في كردستان العراق.. بين تمديد الرئاسة لـ«بارزاني» وتحويل النظام إلى برلماني

كردستان تجدد تهديدها بغداد ببيع نفط كركوك مباشرة دون إشرافها

كردستان تتوعد بالاستقلال النفطي في حال عدم سداد بغداد المستحقات النفطية للإقليم

إيران تبحث مع العراق التعاون الجمركي والازدواج الضريبي والاستثمارات

شخصيات سُنية تقترح إقليما كرديا سُنيا في العراق يرأسه «البارزاني»

المعقل الاخير

اتهامات لحزبي «طالباني» و«بارزاني» بتأسيس شركة مناصفة «لتقاسم أرباح النفط»