اختارت السودان الانحياز إلى الاستثمارات السعودية بها التي من المقرر أن تصل إلى 15 مليار دولار خلال العام الجاري، ورفض التعاون السياسي العسكري الإيراني.
هكذا يمكن تلخيص الموقف السوداني، الذي صدر أمس الأول، عندما أعلنت الخارجية السودانية قطع علاقتها الدبلوماسية مع طهران، تضامنا مع المملكة العربية السعودية لمواجهة المخططات الإيرانية، وذلك بعد ساعات من اتخاذ المملكة قرارا مماثلا.
وعلى الرغم من أن إيران كانت من أوثق الحلفاء الإقليميين لحكومة الرئيس السوداني «عمر البشير»، لكن في الشهور الأخيرة أخذ حلفهما في التضعضع وصولا لإعلان الخرطوم رسميا قطع علاقتها الدبلوماسية مع طهران.
ومثلت المرجعية الإسلامية لنظام الرئيس «البشير» الذي وصل إلى السلطة في العام 1989 مفتاحا لتعزيز حلفه مع طهران الذي كان بشكل أو آخر ترياق لما يعانياه من عزلة غربية.
وفي السنوات الأولى لتقارب البلدين لم تؤثر الخطوة في علاقات السودان مع محيطه العربي، لكن الأمر تغير عندما طرأ التوتر بشكل جلي بين إيران والدول الخليجية.
شيئا فشيئا كانت دول خليجية وعلى رأسها السعودية تظهر بشكل ضمني امتعاضها من تقارب الخرطوم مع طهران، لكن الأمور أخذت منحى أكثر تصعيدا عندما استضافت البحرية السودانية لأول مرة سفن حربية إيرانية على ساحل البحر الأحمر، في أكتوبر /تشرين الأول 2012.
وقتها لم ترد تعليقات رسمية من الرياض، لكن وسائل إعلام سعودية انتقدت استقبال السودان لسفن حربية إيرانية على موانئها التي لا تبعد أكثر من 250 كيلومتر عن الساحل السعودي على البحر الأحمر.
ورغم سعي الخرطوم للربط بين زيارة السفن الإيرانية والقصف الإسرائيلي الذي تعرض له مجمع اليرموك للصناعات الحربية جنوبي الخرطوم قبل أيام من وصول السفن، إلا أن الموقف تأزم أكثر مع الرياض عندما استقبلت السودان مجددا سفنا إيرانية في ديسمبر/ كانون الأول من ذات العام.
بعد ذلك، سعت الخرطوم لموازنة علاقتها مع الخصمين الإقليميين، حيث استضافت في فبراير/ شباط 2013 سفنا حربية سعودية أجرت تدريبات مشتركة مع البحرية السودانية كانت الأولى من نوعها.
لكن لم يؤد ذلك لطمأنة السعودية خصوصا مع استقبال البحرية السودانية سفن حربية إيرانية في سبتمبر /أيلول 2013، ومايو/ أيار 2014، ترتب عليها اتخاذ الرياض لإجراءات «عقابية» بحق الخرطوم.
ومن بين الإجراءات التي اتخذتها السعودية إيقاف تعاملات بنوكها مع البنوك السودانية في مارس/آذار 2014، علاوة على تقليص وارداتها من المواشي السودانية التي تقدر بنحو 50% من استهلاكها.
وضمن المساعي السودانية لخفض حدة التوتر مع السعودية، كشف وزير الخارجية السوداني السابق «علي كرتي» في مايو/أيار 2014، عن رفض حكومته لعرض إيراني بإنشاء منصة دفاع جوي على ساحل البحر الأحمر، للحد من عمليات القصف الإسرائيلي المتكررة للأراضي السودانية حتى «لا ترى السعودية أنها موجهة ضدها».
ومنذ العام 2009 قصفت (إسرائيل) أكثر من مرة أهدافا في الأراضي السودانية بذريعة الحد من تهريب أسلحة إيرانية عبر السودان، مرورا بصحراء سيناء المصرية إلى قطاع غزة.
ووسط تنشيط المسؤولين السودانيين زياراتهم إلى السعودية، أقدمت حكومة الخرطوم في سبتمبر/أيلول 2014، على إغلاق المركز الثقافي الإيراني، وطرد موظفيه بحجة «تهديده للأمن الفكري»، بينما كان الهدف الحقيقي من القرار «استرضاء الدول الخليجية الغاضبة من التقارب مع طهران»، حسب محللون.
بعدها زار «البشير» السعودية أكثر من مرة، للقاء العاهلين السعوديين، السابق «عبد الله بن عبد العزيز»، والحالي «سلمان بن عبد العزيز»، وسط انفراج نسبي في علاقة السودان مع الدول الخليجية.
وكان أبرز مؤشر على تحجيم الخرطوم علاقتها مع طهران مقابل تعزيز حلفها مع السعودية إعلانها في مارس/آذار الماضي، المشاركة في حملة التحالف العربي الذي تقوده المملكة في اليمن لمحاربة «الحوثيين» المدعومين من إيران.
ورغم هذه المتغيرات في موقف الخرطوم لم تعلّق طهران عليها رسميا إلا عندما نشرت لأول مرة في أكتوبر/تشرين الأول الماضي، قوات سودانية في اليمن لمساندة قوات التحالف السعودي، وهو ما وصفه مساعد وزير الخارجية الإيراني «حسين أمير عبد اللهيان» أنه «لن يجد نفعا».
ووسط هذا التقارب وقعت الخرطوم والرياض في نوفمبر/تشرين الثاني الماضي، حزمة اتفاقيات تمول بموجبها السعودية مشاريع سودانية بملايين الدولارات وذلك بحضور الرئيس «البشير» والملك «سلمان».
قبل أن تعلن الخارجية السودانية، أمس الإثنين، قطع علاقتها الدبلوماسية مع طهران «تضامنا مع المملكة العربية السعودية لمواجهة المخططات الإيرانية»، وذلك بعد ساعات من اتخاذ المملكة قرارا مماثلا.
وفيما لم تبد طهران حتى الآن رد فعل على قرار الخرطوم إلا أن المتفق عليه عند غالبية المعلقين السياسين أنه ليس هناك أضرار محتملة على السودان لأن تعاونها مع إيران كان يقتصر على جوانب سياسية عسكرية مع تدني التعاون الاقتصادي، الذي لا يتعدى 200 مليون دولار، حسب بيانات حكومية.
وبالمقابل تعزز الخطوة العلاقات مع الرياض التي تعتبر ثاني أكبر شريك تجاري للخرطوم بعد الصين وأكبر مستثمر عربي حيث تتوقع الحكومة ارتفاع الاستثمارات السعودية لنحو 15 مليار دولار خلال العام الحالي.
وتعول الحكومة السودانية على زيادة الاستثمارات خاصة الخليجية لإنقاذ اقتصادها الآخذ في التدهور منذ انفصال جنوب السودان في 2011 مستحوذا على ثلاث أرباع حقول النفط التي كانت تمثل أكثر من 50% من الإيرادات العامة.