معضلة المعارضة التونسية.. اتفاق على وجود الأزمة واختلاف على رحيل سعيد

الاثنين 20 فبراير 2023 08:32 ص

في الأسابيع الأخيرة شهدت تونس تناميا في التحركات الاحتجاجية المعارضة، بالتوازي مع استفحال الأزمة الاقتصادية، وإصرار الرئيس قيس سعيد على الانفراد بالقرار ورفض أي حوار مع معارضيه أو شراكة أو توافق مع مؤيديه، بحسب تقدير موقف لـ"المركز العربي لأبحاث ودراسة السياسات" ترجمه "الخليج الجديد".

وسجلت الأسابيع الأولى بعد انقلاب سعيد على الدستور، في 25 يوليو/تموز 2021، غيابا لأي تحركات ميدانية للمعارضة، إذ اكتفت الأحزاب التي اعتبرت ما جرى "انقلابا" بإصدار بيانات صحفية.

وساد مشهد سياسي وإعلامي رسمي طغى عليه خطاب شعبوي يقوم على تحقير عشرية الانتقال الديمقراطي (منذ ثورة 2011) التي جرى وصفها بـ"العشرية السوداء"، وتحميل الفاعلين فيها مسؤولية الإخفاقات التي شابتها، ونعتهم بـ"اللصوص" و"الخونة" و"العملاء"، والتبشير بعهد جديد من الرخاء الاقتصادي و"محاسبة الفاسدين" واسترجاع "الأموال المنهوبة".

تغير المشهد

لكن سريعا بدأ المشهد في التغير على وقع استفحال الأزمة الاقتصادية وانفراد سعيد بالقرار ورفضه أي شراكة حتى مع الأطراف التي دعمت انقلابه، كما عمد إلى توظيف أجهزة الدولة الإدارية والأمنية والقضائية لملاحقة معارضيه، وفق المركز.

وعلى المستوى الاقتصادي، تفاقمت حدة الأزمة الاقتصادية وتراجعت قيمة الدينار، وشهدت الأسواق شحا في جل المواد الاستهلاكية وارتفاعا غير مسبوق في أسعارها.

ودفعت هذه الإخفاقات والممارسات إلى انحسار الحاضنة السياسية والشعبية التي انساقت مع خطاب الرئيس الشعبوي في البداية، وتوسع جبهة المعارضة لسياساته.

الحراك وجبهة الخلاص

يعدّ حراك "مواطنون ضد الانقلاب"، الذي تشكل من شخصيات سياسية وفكرية وأكاديمية من توجهات مختلفة، أول حراك ميداني معارض للانقلاب على دستور 2014.

وانضم الحراك إلى "جبهة الخلاص الوطني"، التي أعلنها أحمد نجيب الشابي مع شخصيات سياسية، في 31 مايو/أيار 2021، وضمت حركة النهضة، وائتلاف الكرامة، وحزب قلب تونس، وحراك تونس الإرادة، وحزب أمل، ونوابا وحقوقيين وشخصيات مستقلة وتنظيمات سياسية ومدنية.

ومنذ تأسيسها، تبنت جبهة الخلاص خطابا معارضا لسعيد، واعتبرت جميع قراراته فاقدة للشرعية، مؤكدة على أن دستور 2014 هو "المرجع الوحيد للشرعية".

وإثر الدور الأول من الانتخابات البرلمانية المبكرة، الذي جرى في 17 ديسمبر/كانون الأول 2022 وشهد مقاطعة واسعة، صعّدت جبهة الخلاص هجومها على سعيد، وأعلنت للمرة الأولى أنها لم تعد تعترف به رئيسا شرعيا، وطالبته بالرحيل وتسليم السلطة لأحد القضاة "المشهود لهم بالنزاهة" للإشراف على انتخابات رئاسية مبكرة.

تنسيقية الأحزاب

وفي 28 سبتمبر/أيلول 2021، تم تشكيل "تنسيقية الأحزاب الاجتماعية الديمقراطية"، وضمت حزب التيار الديمقراطي وحزب العمال والتكتل الديمقراطي من أجل العمل والحريات والحزب الجمهوري.

وتشترك تنسيقية الأحزاب مع جبهة الخلاص في معارضتها لسعيد واعتبار ما حدث في 25 يوليو/تموز 2021 انقلابا، غير أنها تحمّل حركة النهضة وشركاءها مسؤولية الإخفاقات التي شهدتها عشرية الانتقال الديمقراطي وترفض الالتقاء معها في أي إطار سياسي أو حراك ميداني.

اتحاد الشغل

أبدى الاتحاد العام التونسي للشغل (كبرى النقابات العمالية) تفهمًا لقرارات سعيد في 25 يوليو/تموز 2021، واعتبر قياديوه أن سوء الأوضاع السياسية والاجتماعية كان يتطلب تدخلا من الرئيس لـ"تصحيح المسار".

غير أن خطاب الاتحاد تجاه قرارات الحكومة بدأ في التغير، إثر إعلان سعيد خريطة الطريق، إذ قاطع الاتحاد جلسات الحوار التي سبقت الاستفتاء على الدستور (25 يوليو/تموز 2022).

لكن الاتحاد لم يتماه مع موقف المعارضة التي رفضت المسار برمته، مقترحة "خيارا ثالثا"؛ وهو الاقتراح الذي قابله سعيّد بالتهكم قائلا إنه لا يلقي بالا إلى "الخيار الثالث ولا الرابع ولا الخامس".

وعلى الرغم من إقرار الاتحاد بأن النهج الانفرادي لسعيد أدى إلى تفاقم الأزمات السياسية والاقتصادية، وتهديده باللجوء إلى الشارع للتصدي لهذه الخيارات، فقد أعلن قياديوه رفضهم التعامل مع مَن يصف ما جرى في 25 يوليو/تموز 2021 بـ "الانقلاب"، في إشارة إلى جبهة الخلاص.

مطلوب خارطة طريق

تتزايد المؤشرات على أن قاعدة الدعم الشعبي لسعيد تتقلص بسرعة قياسا على ما كان عليه الوضع عند انقلابه على الدستور، حيث شهدت جميع محطات خريطة الطريق التي أعلنها مقاطعة كبيرة، وانحدرت نسبة المشاركة إلى 11% في الانتخابات البرلمانية المبكرة وانفض عنه معظم مؤيديه.

كما غادرت أحزاب سياسية موقع التحفظ لتلتحق بصف المعارضة، كما هو الحال مع بعض مكونات تنسيقية الأحزاب، وصعّد اتحاد الشغل من لهجته نائيا بنفسه عن قرارات سعيد الانفرادية، محذرا من أنها  تقود البلاد إلى مآلات خطيرة.

وعلى الرغم من توسعها، لكن المعارضة ما زالت أسيرة تجاذباتها السياسية والأيديولوجية؛ ما يجعلها عاجزة عن التوافق على خريطة طريق ومشروع مرحلي لاستعادة مسار الانتقال الديمقراطي ومعالجة الانهيار الاقتصادي.

ويبدو الاختلاف كبيرا في السقف الذي يستهدفه كل مكون من المعارضة السياسية والاجتماعية، ففي حين تتحد جبهة الخلاص وتنسيقية الأحزاب في الدعوة إلى تغيير جذري يؤدي إلى رحيل سعيد وإن اختلفتا في البديل، يكتفي اتحاد الشغل حتى الآن بالمطالبة بتعديلات تحت سقف 25 يوليو/تموز 2021.

المصدر | المركز العربي لأبحاث ودراسة السياسات - ترجمة وتحرير الخليج الجديد

  كلمات مفتاحية

تونس المعارضة قيس سعيد رحيل الأزمة انقلاب

اتحاد الشغل التونسي يدعو إلى احتجاجات ضد سعيد في 4 مارس

وزير خارجية تونس الأسبق رفيق عبدالسلام لـ"الخليج الجديد": الاعتقالات لن تزيد المعارضة إلا ثباتا

إبراهيم بودربالة.. منحاز لقيس سعيد رئيسا لبرلمان تونس

متحدث النهضة التونسية لـ"الخليج الجديد": اعتقال الغنوشي تلهية للشعب.. ونتمسك بانتخابات رئاسية مبكرة

خطأ واشنطن في تونس.. عدم وقف الاقتتال بين النخبة الهشة

أحمد نجيب الشابي لـ"الخليج الجديد": نريد حراكا تونسيا على الطريقة الجزائرية.. والأزمة تتجه نحو الحل

تخفيض "فيتش" تصنيف تونس الائتماني إلى السالب.. ماذا يعني؟

تونس 2024.. سعيد والديمقراطية في اختبار الانتخابات الرئاسية