من علي هاشم: خلف جدران سلطة الأمر الواقع في مدينة الرقة في شمال سوريا حيث يسيطر تنظيم الدولة الإسلامية، لا تزال الحياة مستمرّة. وإنّ المدينة، التي كانت في السّابق العاصمة الصيفيّة للخلافة العباسيّة، أصبحت اليوم مدينة جهادية يعيش فيها الآلاف من المقاتلين التابعين لداعش، والعائلات، والمهاجرين والمحليين في ظلّ ظروف صُمِّمت خصّيصًا لا يمكن أن تتناسب إلا مع مجتمع أنشأه الخليفة الذي نصّب نفسه، أبو بكر البغدادي.
وقد علمنا من أبو ابراهيم الرقاوي، وهو اسم مستعار لناشط شاب مناهض لداعش من الرقة، أنّ الوضع مأساوي. قال الرقاوي "الناس في الرقة غاضبون جدًا. أتى مهاجرون كثر وانضمّوا إلى داعش: أميركيون، وبريطانيون، وألمان وأوروبيون بشكل أساسي، كما أتوا أيضًا من كافة أنحاء العالم، وهم يحصلون على معاملة خاصّة، فالتنظيم يقوم بتدليلهم".
وأضاف، "هم يحصلون على أفضل المنازل والسيارات في حين يدفع المحليون الضرائب. أخذوا المنازل المهجورة - بعضها تركها المسيحيون خلفهم وأخرى تركها السنة – وأُرغِم سكّان المدينة الذين يملكون أكثر من منزل واحد على إعطاء جميع المنازل الأخرى للمهاجرين".
وشرح الرقاوي، الذي أطلق حملة "الرقة تذبح بصمت"، أنّ مجموعة من الشباب قرّرت الانتفاض ضدّ داعش، قائلاً "نحن مجموعة من الناشطين من مدينة الرقة، ونحن كنا ضدّ نظام [الرئيس السوري] بشار الأسد الظالم، وبعد أن تحرّرت مدينتنا على يد نظام ظالم آخر، هو داعش، قررنا استئناف أنشطتنا. وبدأت حملتنا يوم 16 نيسان/أبريل 2014".
شملت الحملة زرع شعارات مناهضة لداعش على جدران المدينة، وتوثيق الجرائم وعمليات الإعدام، والقصف الذي يشنّه كلّ من النظام والتحالف الذي تقوده الولايات المتّحدة. قال الرقاوي للمونيتور "وزّعنا مناشير تحذّر من خطر داعش على المدينة، وحاولنا تنظيم تظاهرات هناك، لكنّ داعش قمع محاولاتنا بعنف".
قال "خصّصوا ثلاث خطبات في أيام الجمعة في جميع مساجد المدينة لتحذير الناس من مغبّة التعاون معنا. هم يتّهموننا بالكفر والإلحاد، ويهّددون بتوقيف وإعدام أيّ كان من يقرر مساعدتنا أو استعمال صورنا".
مع ذلك، يرى الناشط أنّ سكّان الرقة هم أوّل من يحارب داعش، وقال "جرت المعركة الأولى ضدّ داعش في 1 آب/ أغسطس 2013. شعر الجيش السوري الحرّ بخطر داعش وحاول طرده من المدينة، لكن لم يكن بحوزته عدد كاف من الأسلحة ولم يأبه المجتمع الدولي بالأمر. خسر الجيش السوري الحرّ المعركة بعد 13 يومًا من القتال، وعاد ليحاول مجدّدًا في 4 كانون الثاني/يناير 2014، لكن هذه المرّة سيطر داعش على المدينة بأكملها. لا يتمتّع داعش اليوم إلا بدعم 10% من السكان، بالإضافة إلى دعم رؤساء بعض العشائر الذين يستفيدون من الوضع الراهن".
وعن هذا الوضع، قال الرقاوي "المصارف متوقفة عن العمل بشكل كامل. المتاجر تعمل بشكل طبيعي، والمدارس مقفلة منذ فرض داعش سيطرته. لكن منذ أسبوع، سُمِح للمدارس بأن تفتح أبوابها لساعتين يوميًا فحسب، للفتيات من عمر 8 إلى 10 سنوات، والفتيان من عمر 10 إلى 12 سنة، وهم يتعلّمون الرياضيات، واللغتين العربية والإنكليزية. وتجدر الإشارة إلى أنّ الأولاد لا يحضرون جميعهم إلى المدارس في الشمال".
وقال الرقاوي "انضمّ حوالي 350 ولدًا لم يتجاوزوا السادسة عشر من عمرهم إلى مخيّم الشريعة الخاص باليافعين، ويقع المخيّم في الريف الغربي لمدينة الطبقة. نجح داعش في تحقيق ما فشلت فيه جماعات أخرى. لجأ داعش إلى عدّة وسائل لتدريب الأطفال، تشمل الخطف، إذ يجري أخذ الكثير من الأطفال من دون موافقة عائلاتهم. يتسبّب داعش أيضًا بإفقار العائلات [عبر فرض ضرائب كبيرة عليها]؛ هذا ويدفع غياب المدارس ببعض العائلات إلى إرسال أطفالها للانضمام إلى التنظيم مقابل راتب شهري. غسل الأدمغة أداة قويّة أيضًا إذ يتأثّر الأطفال بأفكار المجموعة في المساجد".
وقال الرقاوي إنّ أكثر من 30 طفلاً تعرّضوا للقتل في معارك كوباني، وإنّ سامي حميرة، وهو شاب من الرقة يبلغ من العمر 18 عامًا، كان انتحاريًا نفّذ هجومًا في المدينة الكردية. قال "نعيش واقعًا خطيرًا جدًا؛ لدينا جيل كامل من داعش، وهم قنابل موقوتة يستطيع التنظيم تفجيرها عندما يريد".
لا يقتصر الاستغلال على أطفال الرقة، فالنساء أيضًا جزء من النظام الجديد. "أنشأ التنظيم سريّة نسائية لمراقبة النساء والبحث عنهنّ وتوقيفهنّ: 90% من النساء في هذه السرية من المهاجرات، مع بعض السوريات. وهنّ يقمن أيضًا بترتيب الزيجات للمقاتلين الأجانب ويؤدّين دورًا استخباراتيًا يقوم على منع النساء من تهريب الأسلحة إلى المدينة".
سواء أعتبروا الوضع الجديد أفضل أو أسوأ، يحاول سكّان الرقة التأقلم مع الحاكم الجديد، تمامًا كما فعلت المنطقة بأكملها على مرّ القرون الأربعة الماضية.