المساعي الإسرائيلية لتقسيم المسجد الأقصى

الخميس 6 نوفمبر 2014 05:11 ص

تسارعت المساعي الإسرائيلية خلال العام الماضي لتقسيم المسجد الأقصى زمانيا ومكانيا، إذ تزايدت الاقتحامات واتخذت وتيرة منتظمة تمهد لتقسيم أوقات الصلاة بين المسلمين واليهود داخل المسجد الأقصى. ووصلت الاعتداءات ذروتها في الثلاثين من شهر تشرين الأول/ أكتوبر بإغلاق المسجد بشكل كامل أمام المصلين للمرة الأولى منذ احتلاله عام 1967، وذلك إثر محاولة اغتيال المتطرف "يهودا غليك" على يد مجاهد مقدسي. فيما يتركز الحديث عن المنطقة الشرقية المهملة من ساحات المسجد الأقصى لجعلها منطقة مخصصة لصلاة اليهود في الوقت الحالي، إلى أن تسنح الفرصة لبناء الهيكل مكان المسجد القبلي أو بجانبه. 

وعلى طاولة البحث في الكنيست الإسرائيلي قانون جديد بهدف تقسيم المسجد الأقصى زمانيا ومكانيا، وينص مشروع القانون الذي أعدته جماعة "زعامة يهودية" وتقدمت به النائب "ميري ريغيف" من حزب الليكود على: السماح لليهود بدخول الأقصى وساحاته من جميع بواباته وعلى مدار الأسبوع ما عدا يوم الجمعة، والسماح بالصلوات اليهودية الجماعية في الجزء الشرقي من ساحات الأقصى، وينص مشروع القانون على معاقبة من يخالف تعليماته بالحبس مدة 6 أشهر أو غرامة مقدارها 50 ألف شيكل طالما لم تقع أضرار من ذلك. 

وسواء تم إقرار مشروع القانون حالياً أم لا، فإن الحكومة الإسرائيلية تفتح المجال لتوسيع انتهاكات المتطرفين اليهود – وبمشاركة متزايدة من مسؤولين حكوميين- بحق الأقصى بشكل ممنهج، مما يجعل قوننة هذا الوضع مسألة وقت على الأغلب.

ويأتي هذا القانون لينضم إلى مشروع قانون سابق تقدم به نائب رئيس الكنيست "موشيه فيغلين" في شهر يناير من العام الحالي يهدف إلى فرض السيادة الإسرائيلية على المسجد الأقصى. 

وقد تزامن تشديد الضغط باتجاه تقسيم الأقصى مع شراء الصهاينة عشرات البيوت في البلدة القديمة، بتواطؤ من بعض السماسرة الفلسطينيين – وبتمويل جهات عربية كما أثير مؤخرا دون نفي من هذه الجهات-، كما تستمر السلطة في الضفة بوظيفتها الأمنية بأقبح وجه من خلال منع الاحتجاجات والمسيرات الرافضة للعدوان الإسرائيلي على المسجد الأقصى، فيما يلاحظ أن مشاركة حركة فتح وفصائل منظمة التحرير في فعاليات الدفاع عن الأقصى تكاد تكون معدومة، مما يثير التساؤلات عن حقيقة القرار التنظيمي بهذا الشأن، وإلى أي مدى تتماشى مع موقف عباس الرافض بشدة لأي تصعيد شعبي في القدس بذريعة الخوف من استفادة حركة حماس من هذه الفعاليات، خصوصا في حال تطورها إلى انتفاضة واسعة النطاق. وفي هذا السياق تأتي زيارة رئيس الوزراء رامي الحمد الله إلى المسجد الأقصى في موقف شكلي يحاول امتصاص الاحتقان الشعبي الفلسطيني. 

الخلفية

وفي خلفية هذا التسارع في جهود تقسيم الأقصى تكمن رغبة اليمين المتطرف الإسرائيلي باستغلال الأوضاع الإقليمية يالغة السوء في فرض أمر واقع بشأن المسجد الأقصى، ويجادل هؤلاء بأن الفترة الحالية تشكل فرصة ذهبية ينبغي استغلالها لإقرار "حق اليهود بالصلاة في جبل الهيكل". 

وتكتسب الاعتداءات المتكرة غطاءً أمنيا وسياسيا مبطنا، رغم الإدعاءات الرسمية بأن "إسرائيل لا تريد تغيير الوضع الحالي في القدس".

وفي الساحة السياسية الإسرائيلية تتتصاعد اتهامات لنتنياهو بأنه مجرد "سياسي حزبي" وليس "زعيما وقائدا للدولة" بدليل اتخاذه سياسات هدفها الرئيس استقرار ائتلافه الحكومي ولو كان ذلك على حساب مستقبل "دولة إسرائيل" ومصالحها الاستراتيجية. ولعل هذا يفسر استمرار  الحكومة الإسرائيلية في هذا المسار على الرغم  من تداعياته الحالية والمتوقعة.

ففي مدينة القدس  يتصاعد التوتر وتستمر الاشتباكات المتقطعة بين الشباب الفلسطيني وقوات الاحتلال منذ مقتل الفتى "محمد أبو خضير"، فيما يصفه البعض بأنه انتفاضة صامتة تشق طريقها منذ خمسة أشهر. فيما تصم الحكومة الإسرائيلية آذانها عن التحذيرات الأردنية والامريكية المتكررة بأن سلوكها بشأن المسجد الأقصى قد يؤدي إلى "حرب دينية" طويلة الأمد.

مسار الأحداث

يبدو أن الحكومة الإسرائيلية مصرة على السير المتدرج باتجاه تقسيم المسجد الأقصى مكانيا وزمانيا، ضمن سياسة  فرض الأمر الواقع في فلسطين على جميع الأطراف، وذلك بالاستفادة من التحالف الناشئ بينها وبين بعض من دول "الاعتدال العربي"، وهي تراهن على أن المصالح المشتركة بينها وبين هذه الدول ستمنع أي رد فعل مؤثر بشأن تقسيم الأقصى أو توسيع الاستيطان.

إلا أن الدولة الأكثر تأثرا مما تقدم عليه إسرائيل في المسجد الأقصى هي الأردن؛ بما له من دور ومسؤولية تجاه المقدسات في القدس، خصوصا بعد توقيعه في العام الماضي اتفاقية مع السلطة الفلسطينية تنص على الوصاية الحصرية "لملك الأردن" على المقدسات الإسلامية والمسيحية في القدس، وعلى الرغم من التصريحات الغاضبة والتحركات التي قام بها الأردن متأخرا؛ يحجم النظام عن اتخاذ إجراءات سياسية أو اقتصادية فعالة تجاه "إسرائيل" وهو ما دفع السفير الإسرائيلي السابق في الأردن "دانييل نيفو" إلى القول بأن هذه التصريحات الأردنية الغاضبة تجاه دولته موجهة إلى الشعب الأردني وليس إلى "إسرائيل".

وتجدر الإشارة هنا إلى أن الأفعال لا تاخذ بالضرورة نفس اتجاه تصريحات الرسميين الأردنيين؛ فبعد توقيع اتفاقية الوصاية على المقدسات في القدس بأسبوعين لا غير أسقط الأردن والسلطة الفلسطينية خمسة دعاوى منظورة أمام اليونسكو بشأن الاعتداءات الإسرائيلية في القدس، وذلك بمقابل هزيل وهو سماح "إسرائيل" بزيارة خبراء من اليونسكو لمعاينة الحفريات الإسرائيلية في القدس، إلا أنه عند حلول موعد زيارة الخبراء رفضت إسرائيل استقبالهم! 

وفي ضوء تراجع النفوذ الغربي في المنطقة  تزداد جرأة الحكومة الإسرائيلية في تحدي السياسات الغربية السابقة بشأن التسوية السلمية بمختلف ملفاتها؛ إذ يجاهر وزراء إسرائيليون بأن حل الدولتين قد أصبح أمرا من الماضي، فيما يعلن نتنياهو أنه سيستمر بتوسيع الاستيطان في القدس والضفة بغض النظر عن المواقف الدولية الرافضة له، وفي هذا السياق تندرج الجرأة  الإسرائيلية غير المسبوقة بشأن تقسيم المسجد الأقصى.

إلا أن هذا السلوك الإسرائيلي استثار غضب الإدارة الامريكية، إذ هددت برفع غطاء الفيتو عن "إسرائيل" في حال استمرار التصعيد في الأقصى، وذلك على خلفية استشعارها الخطر من تداعيات هذا التصعيد على الاستقرار في المنطقة وعلى الجهود الدولية لمحاربة تنظيم "داعش"، وبالفعل فقد صرح نتنياهو في اجتماع الحكومة الإسرائيلية بتاريخ 2/11/2014 قائلا:" نحن ملتزمون بالحفاظ على الوضع الراهن لجميع الديانات . . . من السهل للغاية إشعال نيران دينية لكن إخمادها سيكون أكثر صعوبة". وكتعويض عن هذا التراجع، ولإسكات غضب اليمين المتطرف، فقد أعلن نتنياهو عن بناء قرابة ألف وحدة استيطانية في القدس.

ويشير هذا التراجع التكتيكي الإسرائيلي إلى أهمية الحراك الشعبي المدافع عن الأقصى، كما أنه يشكل فرصة للتقدم باتجاه تكريس حقيقة أن المسجد الأقصى خط أحمر يؤدي المساس به إلى تفجر الاوضاع وتكبيد الاحتلال خسائر فادحة.

الدور المطلوب

على الرغم من الجهود الكبيرة التي يبذلها الشعب الفلسطيني في القدس والداخل ومن يدعمهم في العالم العربي والإسلامي، فإن مشروع التقسيم الزماني والمكاني للأقصى يسير قدما ويحاول أن يفرض نفسه كأمر واقع في المسجد الأقصى وما حوله، بالتوازي مع تعزيز الاستيطان في قلب القدس القديمة، وهو ما يدعو إلى استنفار الجهود  ووضع استراتيجية شاملة لمواجهة التقدم الإسرائيلي في القدس. 

فعلى الصعيد الدولي ينبغي تكثيف الجهد الدبلوماسي للدول العربية والإسلامية لزيادة الضغط على "إسرائيل" وتجريمها دوليا. بالتوازي مع تكثيف الضغط الشعبي على "حلفاء إسرائيل" من الدول العربية لإشعارها بحجم الخسارة التي ستتعرض لها في حال تغاضيها عن تقسيم المسجد الأقصى، وذلك من خلال التعبئة الجماهيرية والنشاط الإعلامي المناصر للأقصى. وكذلك الضغط على الفصائل الفلسطينية وخاصة حركة فتح لتعبئة قواعدها في فعاليات الدفاع عن القدس. ومطالبة السلطة بربط تحركها السياسي بحماية القدس والمسجد الأقصى.

 كما تبرز الحاجة الماسة لزيادة الدعم المادي والمعنوى للمرابطين في الأقصى ولسكان القدس عموما من خلال مختلف المؤسسات الرسمية والشعبية، وذلك بهدف تفعيل حالة ثورية مستدامة تشكل حماية للمسجد الأقصى في وجه الأطماع الإسرائيلية.

المصدر | المركز الفلسطيني للإعلام

  كلمات مفتاحية

اقتحام الأقصى.. حلقة جديدة من الانحطاط العربي!

محللون: اندلاع الانتفاضة الثالثة أمر حتمي

لماذا تعد قمة «عمان» عديمة الجدوى؟

الدروس الخمسة الأهم في السياسة الخارجية خلال الـعشرين عاما الماضية

ما بديل السلام في فلسطين؟

لجنة في «اليونسكو» تتبنى قرارا يحدد المسجد الأقصى بكامل الحرم القدسي ومنطقة باب المغاربة

«رويترز»: صلوات اليهود تؤجج التوترات في الحرم القدسي

الكنيست يقر قانونًا يعاقب على إلقاء الحجارة بالسجن 20 عامًا

في ذكرى «خراب الهيكل».. قوات الاحتلال تقتحم المسجد الأقصى وتهاجم المرابطين

«كبار العلماء السعودية»: تدنيس الأقصى يوجب على المسلمين نصرة الفلسطينيين

دعوات فلسطينية وعربية واسعة للمشاركة في «جمعة الغضب» من أجل الأقصى

مواجهات واقتحامات بالمسجد الأقصى وقيود مشددة على دخوله

مستوطنون يقتحمون المسجد الأقصى تحت حراسة الاحتلال

مدير «الأقصى»: (إسرائيل) شرعت بالتقسيم الزماني للمسجد

حتى نوقف التقسيم الزماني والمكاني للأقصى