حتى نفهم الاسباب التي دفعت الولايات المتحدة الامريكية لفتح "حوار سري" مع إيران والتوصل لاتفاق معها أدى إلى رفع جزئي للعقوبات الاقتصادية، ينبغي متابعة المناورات الضخمة البحرية والجوية والبرية التي تجريها حاليا في مساحة مقدارها 2,2 مليون كيلومتر مربع تمتد من مضيق هومز الى باب المندب في مدخل البحر الاحمر.
هذه التدريبات العسكرية التي قيل ان الهدف منها هو "زيادة القدرات الدفاعية للبلاد ونقل الخبرة إلى العسكريين الشباب" هي الأضخم من نوعها، ويشارك فيها 13 الف جندي، ومختلف قطاعات الاسلحة الاخرى.
مفاجأة هذه المناورات جاءت في الكشف عن تصنيع طائرة "انتحارية" بدون طيار، تنقض على هدفها وتفجر نفسها فيه، وهذا انجاز عسكري مهم بكل ما تعنيه هذه الكلمة من معنى.
وعندما لا تكتفي ايران بإجراء مناورات في مياه الخليج مثلما جرت العادة كل عام، وتتمدد الى مضيق باب المندب، فإن هذا يعني أنها قوة اقليمية عظمى وتخطط مستقبلا للتحكم بالملاحة في هذا المضيق الحيوي، اضافة الى تحكمها بمضيق ″هرمز″ في مدخل الخليج حيث يمر 18 مليون برميل نفط يوميا، اي أكثر من نصف انتاج منظمة ″أوبك″.
ايران استطاعت ان تطور قدراتها العسكرية وبناء ترسانة قوية في مختلف قطاعات الاسلحة، إلى جانب بناء برنامج نووي طموح بجهود ذاتية بحتة، الامر الذي يجعلها محصنة من أي ضغوط خارجية.
أين العرب في هذه المعادلة العسكرية؟ الإجابة بسيطة للغاية، وهي أن معظم الحكومات العربية، تحارب إيران بالتقسيمات الطائفية، وتكفير الشيعة، وإطلاق ونشر المقالات والبرامج التلفزيونية النارية في قنوات فضائية دينية الطابع.
لا توجد صناعة عسكرية عربية يعتد بها، كما أن المناورات التي تشارك فيها الجيوش والطائرات الحربية غالبا ما تتم في إطار مناورات أمريكية وبقيادة ضباط ومستشارين أمريكيين.
التحكم بباب المندب يأتي بعد استيلاء جماعة ″انصار الله″ الحوثية على معظم اليمن، بما في ذلك ميناء الحديدة والمضيق نفسه، والتنسيق الإيراني السياسي والعسكري القوي مع الجناح القوي في الحراك الجنوبي اليمني، وهذا التحكم يعني سيطرتها على الملاحة التجارية، وتهديدها للملاحة العسكرية ليس في البحر الأحمر فقط وإنما قناة السويس أيضا.
هذه القوة الإيرانية العسكرية المتصاعدة تثير قلق إسرائيل التي لا تريد وجود أي قوة إقليمية أخرى تنافسها، بعد أن اطمأنت إلى زوال القوة العربية، وتكبيل دول المواجهة (سابقا) بمعاهدات سلام لا تستطيع منها فكاكا، لكن تهديداتها بقصف المنشآت النووية الايرانية التي تتراجع حاليا بسبب الخوف من العواقب، لم تخف إيران مطلقا، بل أخافت امريكا من نتائج أي مغامرة عسكرية اسرائيلية على مصالحها في المنطقة.
بمثل هذه المناورات الضخمة، توجه إيران رسالة قوية إلى العرب وإسرائيل وأمريكا بأنها القوة الأعظم في المنطقة وما على الجميع غير احترامها أو تحمل النتائج، ويبدو أن هؤلاء بدأوا يستوعبون مضمون هذه الرسالة بطريقة او بأخرى، وما التقارب السري بين بعض الحكومات العربية الخليجية وإسرائيل إلا أحد أوجه هذا الفهم، ولكنه هروب من الرمضاء الى النار.