لماذا لن تفلح خطة جذب الصناعات التحويلية في النهوض بالاقتصاد السعودي؟

الأربعاء 31 ديسمبر 2014 10:12 ص

هلل السكان المحليون المولعون بتناول الحلوى عندما افتتحت شركة «مارس» الأمريكية للحلويات أول مصنع لها في المملكة العربية السعودية في ديسمبر الجاري، كما هلل صناع القرار في المملكة أيضًا؛ لأنهم اعتبروا الخطوة علامة على التقدم في مسعاهم نحو إنشاء مزيد من الصناعات التحويلية الأكثر اتساعًا وتطورا كوسيلة لتقليل الاعتماد على النفط الذي يشكل 45% من الناتج المحلي الإجمالي و80% من الإيرادات الحكومية. ولا تزال حصة الصناعات التحويلية في الناتج المحلي الإجمالي في المملكة عالقة منذ فترة عند مستوى 10%، علاوة على أن الكثير منها يشمل صناعة مستحضرات التجميل الأساسية إلى حدٍ ما مثل المواد الكيميائية السائبة.

بالنظر إلى احتياطيات البلاد الضخمة من النفط الخام الرخيص، فإن التراجع الأخير في أسعار النفط يجعل التوسع في الصناعات التحويلية كما لو كان هدفًا كبيرًا. ومع ذلك؛ فإن هناك أسباب وجيهة للسؤال عن ما إذا كان التصنيع هو القطاع الصحيح الذي يحتاج إلى التوسع، وعما إذا كانت المملكة العربية السعودية مكانًا جيدًا لإنشاء المصانع.

وتستثمر الحكومات السعودية الأموال فيما تراه يخدم سياستها الاقتصادية؛ فهي تستثمر أكثر من 70 مليار دولار في بناء حوالي ست مدن اقتصادية جديدة مع بنية تحتية حديثة وأنظمة ملائمة للأعمال التجارية. ووضعت شركة «مارس» مصنعها الجديد في واحدة من تلك المدن؛ مدينة «الملك عبد الله» الاقتصادية على ساحل البحر الأحمر. وتأمل المملكة أن تستضيف تلك المدن تكتلات لصناعات معينة تسعى إلى تعزيز الإنتاج والابتكار.

ولن تبدأ البلاد من نقطة الصفر؛ حيث إنها بالفعل قوية في صناعة البلاستيك والبتروكيماويات. وتُعدّ «سابك» - أكبر الشركات العامة في المملكة – واحدة من أكبر المنتجين في مجالها على مستوى العالم. وتقوم شركة «أرامكو» السعودية - شركة النفط الوطنية - ببناء مصنع للبتروكيماويات بقيمة 20 مليار دولار ضمن مشروع مشترك مع العملاق الأمريكي شركة «داو كيميكال». وأسس العديد من منتجي الألومنيوم – من بينهم «ألكوا» الأمريكية - بالفعل متجرًا كبيرًا معتمدًا على امتلاك السعودية اثنين من المكونات اللازمة لإنتاج المعدن؛ خام البوكسيت والكهرباء الرخيصة. وتقوم بعض الشركات الكبيرة إلى حدٍ ما بتصنيع المواد الغذائية وتصدرها إلى كافة أنحاء المنطقة؛ من بينها على سبيل المثال شركة «المراعي» التي تنتج الحليب وأغذية الأطفال بالإضافة إلى منتجات أخرى، وشركة «صافولا» الدعامة الأساسية للزيوت الصالحة للأكل.

وترغب الحكومة حاليًا في جذب الشركات التي من شأنها أن تطور البلاستيك إلى التعبئة والتغليف، والألومنيوم إلى أجزاء سيارات (أو حتى سيارات يتم تجميعها بشكل كامل)، والمواد الغذائية الأساسية إلى ماركات تجارية قوية تجذب المستهلك. ويتردد أن بعض شركات صناعة السيارات الكبرى في العالم - والتي تتحول من الصلب إلى الألومنيوم في إنتاج هياكل السيارات – تفكر في المملكة العربية السعودية كقاعدة للتصنيع. وكانت شركة «جاكوار لاند روفر» الهندية قد دخلت في محادثات مع الحكومة السعودية في عام 2012م ولكن لم يعلن عن نتائج.

ومن المفترض أن يكون حجم وثروة السوق الإقليمية أداة جذب لصناعة السيارات؛ فهناك أربعة ملايين سيارة يتم شراؤها سنويًا في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، ما يجعل المنطقة سوقًا أكبر من ألمانيا التي تبيع حوالي ثلاثة ملايين سيارة كل عام. وعلى مستوى منطقة الشرق الأوسط تُعدّ المملكة العربية السعودية أكبر سوق بحجم مبيعات سنوي يبلغ حوالي مليون سيارة. ومن المتوقع أن تحافظ تلك النسبة على تقدمها في جميع أنحاء المنطقة؛ وتتوقع مجموعة «بوسطن للاستشارات» أن الشرق الأوسط وشمال إفريقيا قد ترتفع حجم مبيعات السيارات به إلى تسعة ملايين سيارة بحلول عام 2020. وتعد الموديلات الفاخرة أكثر ربحًا حيث يكثر الطلب عليها.

ويقول مسئولون سعوديون أنه إلى جانب الكثير من المستهلكين الأغنياء، فإن بلادهم تمتلك موقعًا استراتيجيًا بين أوروبا وآسيا، بالإضافة إلى العمالة (المغتربة) الرخيصة والوفيرة. لكن بعض المحللين يشكون فيما إذا كان هذا يُضيف الكثير للميزة التنافسية. لكن «ميدا الرواس» من شركة «آي إتش إس» للسيارات ترى أنه «من الصعب أن تنافس المملكة الصين بالنظر إلى النطاق والتكاليف، وأماكن مثل ألمانيا لديها سوق تكنولوجية عالية؛ ولا تستهلك المنطقة ذلك بنسبة كبيرة، والعملة مرتبطة بالدولار، لذلك تملي الولايات المتحدة شروط التجارة».

قيود صارمة

والأصعب من ذلك؛ أن المملكة العربية السعودية مكان صعب للقيام بأعمال تجارية. ويمكن للوائح أن تكون مُرهقة وتطبيقها لا يمكن التنبؤ به، وحتى الآن من غير الواضح كيف أن الشركات الكثيرة التي تُزرع الآن في المدن الاقتصادية سوف تتجنب هذه المشكلة. وتحتاج الشركات الأجنبية والمحلية على السواء إلى جذب العمال الأجانب المؤهلين. ولكن هذا غالبًا يتم إرجائه بسبب القواعد الاجتماعية الصارمة في البلاد ، خاصة للمرأة التي تُمنع من القيادة كما يُفرض عليها ارتداء العباءة السوداء في الأماكن العامة. الطريقة الوحيدة لمنح الموظفين قليلاً من التحرر من كل هذا هو تحديد مواقع للمصانع في تجمعات مُغلقة، على الرغم من أن هذا لا يكاد يكون وسيلة جيدة لجذب المواهب الأجنبية.

ولدى الحكومة الكثير من العقود الكبيرة لتسليمها للمستثمرين المحليين والأجانب. ولكنها تميل إلى قَصر ذلك على الشركات الكبرى في صناعة معينة. ويتعين على الشركات الأجنبية أن تقوم بتوظيف نسبة معينة من السعوديين، وفي الوقت ذاته من الصعب الحصول على أصحاب المهارات المناسبة. وتعتمد العديد من الشركات على الإنفاق العام ما يوفر حافزًا ضئيلاً لأن تصبح إبداعية.

منافسة قوية

وهناك منافس للمملكة العربية السعودية في سعيها نحو ظهورها كقاعدة للصناعات التحويلية في المنطقة؛ الإمارات العربية المتحدة. ولا تمتلك الإمارات أموالاً أكثر من السعودية لتنفقها في هذا المجال، لكنها في الوقت ذاته تمتلك قدرًا كبيرًا من المزايا التي تمتلكها المملكة بينما عيوبها أو مشكلاتها أقل. على سبيل المثال؛ الإمارات السبع التي تشكّل دولة الإمارات العربية المتحدة أفضل تنظيمًا، ومعظمها أكثر انفتاحًا على العالم الخارجي وأقل محافظة من الناحية الاجتماعية. واجتذبت أبوظبي؛ واحدة من أكبر الإمارات، بالفعل بعض الشركات الأجنبية لتصنيع أجزاء من مركّبات الألومنيوم والبلاستيك. وتعتزم شركة «بوينج» بدء تصنيع بعض مكونات الطائرات هناك. وقد أصبحت أبوظبي ودبي مركزين هامين للطيران العالمي، ما يجعل منهما مواقع جذابة للعمليات الإقليمية لجميع أنواع الشركات الصناعية، وليس فقط شركات الطيران.

وعلى أية حال؛ يقول «جون سفاكياناكيس» - اقتصادي مقيم في الرياض – إن معظم أنواع الصناعات التي تريد الحكومة السعودية تعزيزها لن تفعل شيئا يذكر لتطوير الاقتصاد؛ لأن الكثير منها يعتمد على الطاقة الرخيصة، وبالتالي لن يكون هناك تنوّع اقتصادي. علاوة على ذلك؛ فإنه تصنيع لا يخلق العديد من فرص العمل، ومن ثمّ لن يؤفر سوى القليل من فرص العمل للسكان الذين تتزايد أعداداهم باستمرار.

وتشير بعض الدلائل أن الحكومة أصبحت أكثر واقعية في طموحاتها. ويقول مسئولون مشاركون في برنامج التنمية الصناعية إن خطة إنشاء مجموعة من الشركات المصنعة للأجهزة الكهربائية المنزلية قد سقطت. وتعتقد السيدة «رواس» أنه بدلاً من السعي إلى جذب المنشآت الصناعية على نطاق واسع، فإن الحكومة بإمكانها أن تفعل ما هو أفضل لتشجيع الشركات الصغيرة في مجالات مثل الاتصالات السلكية واللاسلكية وخدمات تكنولوجيا المعلومات. وتمتلك مدينة «جدة» بالفعل مجموعة من شركات إنشاء المحتوى وتطبيقات الهواتق الذكية على الإنترنت، والسعوديون معروفون بشراهتهم في استخدام الشبكة العنكبوتية.

ويمكن للمسئولين كالعادة أن ينظروا إلى نماذج خاصة بجهود الحكومات في إنشاء مجموعات صناعية بدأت عملها بالفعل، ربما على سبيل المثال؛ الإلكترونيات في تايوان، أو بناء السفن في كوريا الجنوبية. لكن قائمة الإخفاقات أطول. انفتاح الاقتصاد وخفض البيروقراطية لجميع أنواع الشركات هو الطريق الأكثر رسوخًا لتحقيق النجاح.

المصدر | إيكونوميست

  كلمات مفتاحية

الصناعة السعودية

العساف: السعودية ستواصل في 2015 سياسة مالية عكس الدورات الاقتصادية رغم التحديات العالمية

الاستثمارات الخليجية في الصناعات الغذائية تتجاوز 18 مليار دولار فى 2013

السعودية: بدء الاكتتاب في 30% من أسهم «الصناعات الكهربائية»

«البنك الدولي»: الاقتصاد الخفي بالسعودية يرتفع إلى 549 مليار ريال في 2014

إحصائية: الاقتصاد السعودي سجل نموا ملحوظا خلال الـ8 سنوات الأخيرة

التستر التجاري يُفقد الاقتصاد السعودى 300 مليار ريال سنويا

رئيس تصنيع السعودية: النفط يجعل توقعات 2015 غير واضحة

أخيرا .. «التجارة السعودية» قد تسمح لمصانع الحديد بتصدير فائض الإنتاج

السعودية تسعى إلى تنويع مصادر الدخل وجذب استثمارات إلى القطاعات الناشئة

«أرامكو السعودية» تسعى لمضاعفة استثمارات الصناعات التحويلية في الصين

استثمارات القطاع الصناعي في الإمارات تتجاوز 34 مليار دولار

«ميد»: حجم المشروعات في السعودية «قياسي» رغم انخفاض أسعار النفط

لماذا يتعين على الحكومة السعودية التدخل لتغيير السياسية المصرفية؟