في العام 2007 قال وزير كبير لكبار المسؤولين في جهاز الأمن أقوالا بهذه الروح: «لن تنجحوا في منع ايران من الوصول الى سلاح نووي. فإذا كانت دولة تريد سلاحا نوويا، فإنها ستحصل عليه باي هوك وباي كروك (بالمليح أو بالعاطل). وأنا أعرف على الأقل دولة واحدة يعزى لها فعل كهذا». وعليه، اقترح الوزير، حاولوا أن تعيقوها وبالتوازي تطالب برزمة تعويض جميلة من الولايات المتحدة.
مرت ثماني سنوات، وحين تكون المعجزة وحدها ستمنع إيران من الوصول إلى اتفاق مع القوى العظمى، يمكن القول أن (إسرائيل)، بواسطة الدبلوماسية، الأعمال التخريبية والتصفيات المنسوبة للموساد والدفع نحو فرض العقوبات، نجحت في إعاقة إيران في الطريق إلى السلاح النووي، وإن كان ليس واضحا اذا كانت حقا أرادت الوصول إلى ذلك. (إسرائيل) بالطبع لم تكن وحدها. فقد كانت هذه جهود دولية مشتركة، نجحت في أن تقيم جبهة موحدة ومفاجئة بين الدول الغربية، روسيا والصين.
حكومة أخرى في (إسرائيل) كان يمكنها أن تعرض الاتفاق كانتصار اسرائيلي، فيه خليط من السياسة الحكيمة والعمل السري الجريء، والتي كادت تسقط الاقتصادي الإيراني وتجبر إيران على الموافقة على ما رفضت عمله منذ 2002: إجراء مفاوضات وتقليص شديد لبرنامجها النووي.
حسب الاتفاق، يتراجع البرنامج النووي الإيراني إلى الوراء لمسافة سنة عن قدرة إنتاج مادة مشعة وتركيب سلاح نووي لأكثر من عشر سنوات. قبل الاتفاق، إيران كانت على مسافة شهرين – ثلاثة أشهر من هنا. عدد أجهزة الطرد المركزي لديها من الجيل الاقدم سيتقلص إلى الثلث، وسيحظر عليها تركيب أجهزة طرد مركزي جديدة ومتطورة تدور بسرعة أكبر، ومخزون اليورانيوم المخصب في مستوى منخفض نحو 3.5% سيتقلص من 10 أطنان الى 300 كغم، والمفاعل في أراك سيفكك في قسم منه ولن يتمكن من انتاج البلوتونيوم كمادة مشعة. أما الرقابة على إيران، حتى وإن لم تكن عميقة بما فيه الكفاية، ستبقى وثيقة أكثر مما هي اليوم. إذا احترمت إيران الاتفاق، ستقل الاحتمالات لسباق تسلح في الشرق الأوسط.
لكن حكومة «بنيامين نتنياهو» تفضل اتخاذ طريق آخر. فقد عارضت الاتفاق في بداية الطريق. حاولت أن تدق «إسفينا» بين الرئيس الأمريكي والكونغرس، وهي تعظم الخطر الإيراني إلى مستويات وحشية. وأمس لم يكتفِ «نتنياهو» بالتحذيرات العادية من أن إيران تسعى الى الهيمنة الاقليمية، بل ذهب بعيدا واتهمها بأنها تسعى الى السيطرة على كل العالم.
صحيح، كان من الافضل ألا يكون هذا الاتفاق قد ولد. من ناحية (إسرائيل) كان من الافضل أن تستمر العقوبات على إيران إلى الأبد. ولكن ما العمل، الكون لا يدور حول (إسرائيل). وللقوى العظمى مصالحها الخاصة، وهي لا تراعي (إسرائيل) دوما. وبالمناسبة، (إسرائيل) هي الأخرى لا ترعي طلبات دول العالم، ولا حتى طلبات أصدقائها. مثلا في كل ما يتعلق بالمسألة الفلسطينية.
وحتى مع اتفاق ليس هو الأفضل، السماء لن تنهار على (إسرائيل). فهي ستواصل كونها قوة عظمى إقليمية قوية، مع الجيش الأفضل، الذي تحت تصرفه التكنولوجيا الأكثر حداث. وحسب منشورات أجنبية، توجد تحت تصرفه ترسانة كبيرة من السلاح النووي.
صحيح أن رفع العقوبات سينعش اقتصاد إيران، ولكن حسب توقع بعض الاقتصاديين والخبراء في الولايات المتحدة فإن الانتعاش سيكون بطيئا وفقط في 2017 سيعود الاقتصاد الإيراني إلى مستوى النشاط الذي كان له في 2012.
كما أنه من غير المتوقع تغيير بعيد الأثر في مستوى السعي الإيراني الى الهيمنة الاقليمية. فهكذا أيضا الطموح الإيراني عالٍ للغاية. إشرافها على «حزب الله» لن يتغير لأنه في حده الأقصى منذ اليوم. عدوانها، دعمها لمنظمات الإرهاب ومساعيها لتشديد نفوذها على دول المنطقة، هي سهم مرتد. كلما تدخلت أكثر، هكذا ستسفك مزيدا من دمائها وتضعف، مثلما يحصل في سوريا، في العراق وفي اليمن.
غريب جدا سماع أصوات العويل والبكاء التي تخرج من دار الحكومة في القدس ومن الكريا (وزارة الدفاع) في تل أبيب والتي تعبر عن الخوف مما سيحصل بعد عشر سنوات، حين ينفد الاتفاق. هذه هي ذات الحكومة التي يصعب عليها أن تعرف ماذا سيكون بعد شهر أو شهرين في غزة، في الجولان او في لبنان، وغير قادرة على أن تبادر إلى مشروع بنى تحتية وطني واحد بعيد المدى.
مهما يكن من أمر يمكن التقدير بأنه سيكون للاتفاق نتيجتان مؤكدتان: جهاز الأمن سيستغله للمطالبة بزيادة الميزانية، وبالتوازي ستطلب (إسرائيل) رزمة تعويض من الولايات المتحدة ببضعة مليارات، بالضبط مثلما اقترح الوزير الكبير قبل نحو ثماني سنوات.